م. محفوظ رشيد
جاء قرار ترامب المفاجئ والمربك للبعض نتيجة سجالٍ أمريكي داخلي في تحديد الأولويات (فاستقالة ماتيس من وزارة الدفاع الأمريكي واعتراض أعضاء من الكونغرس على قرار الانسحاب أدلة على ذلك)، وكذلك اختلاف الأجندات والمهام بين أعضاء التحالف الدولي نفسه (كالرفض الأوربي)، والقرار ليس فقط لسحب الذرائع أمام التهديدات التركية (كما يشاع)، فالسياسة التركية مبنية أساساً واستراتيجياً على محاربة تطلعات الكرد ومستعدة للتضحية بكل أوراقها وإمكاناتها لمنع تشكل أي كيان كردي مهما وأينما كان، ولكن في ظل الظروف الحالية والتغيرات الجديدة سيكون الاجتياح مستبعداً ومكلفاً كثيراً لتركيا وعلى جميع الأصعدة، وسيواجه ممانعة ومقاومة لأكثر من جهة على الأرض.
أن الوضع في شمال شرق سوريا لن يتغير كثيراً (أمنياً على الأقل) لا سيما بعد إعلان كل من بريطانيا وفرنسا بتواصل عملهما في سوريا ضد داعش لأن تهديده مازال قائما، ثم أن التحالف الدولي بقيادة أمريكا يمتلك مشروعاً متكاملاً في المنطقة لتحقيق أهدافٍ محددة (اقتصادية وأمنية) تأخذ مصالح مختلف أعضائه بعين الاعتبار بتوافق وتنسيق بينها، وقرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة حراك سياسي- دبلوماسي، واتفاقٍ من خلف الكواليس لتغيير قواعد الاشتباك وخلط الأوراق ميدانيا وتوزيع الأدوار في إدارة الأزمة، وتطعيمها بعناصرٍ جديدة، وفتح الأبواب لاحتواء جميع الاحتمالات، فالحديث عن نشر قوات من النخبة العربية وبشمرگة روژ وغيرها بتمويل عربي (سعودي- اماراتي) على الشريط الحدودي مع تركيا مؤشرات للطمأنة والحلحلة.
المفاوضات واللقاءات المستمرة بين أطراف الصراع قبيل انتهاء مهمة المبعوث الأممي دي مستورا تنبئ بحصول تقدم على المسار السوري في ضوء التفاهمات الدولية والإقليمية (ضمن الغرف المغلقة) على تشكيل اللجنة الدستورية وفق مضمون القرار الأممي 2254 بالتزامن مع ظهور انفرجات وتسويات في المنطقة كما هو الحال في لبنان واليمن، مع الاشارة إلى تصريح الرئيس بوتين، وكذلك المهلة المعلنة (60-90) يوما لاكمال الانسحاب الأمريكي يوفر فرصا وحلولا عملية – توافقية لانهاء الأزمة.
ومن جهة أخرى، فإن الحوار والتواصل بين الإدارة الذاتية والنظام لم ينقطع منذ إعلانها بشكلٍ أو بآخر، ولابد أن يدخل مرحلةً جديدة وجدية من التفاوض لحسم الملفات العالقة بين الطرفين في ضوء المستجدات الطارئة ومع اقتراب فرص للتسوية النهائية للأزمة (كما يبدو).
وأخيرا فإن تهديدات تركيا بقصف مناطق شمال شرق سوريا بعد المستجدات الأخيرة تهدف لاستعادة واستعاضة مواقعها إقليميا بعد فشل سياساتها على الساحة السورية، والتي جعلتها تحت ضغوطٍ أمريكية- أوربية – روسية وداخلية لتنفيذ التزاماتها(تجاه اتفاقات آستانا) وإنهاء الملفات العالقة المرتبطة بها، والمكلفة بإنهائها كملف المجاميع الإرهابية المسلحة (النصرة وأخواتها) في إدلب وغيرها.
20-12- 2018
———— انتهى ————