أيُها الكُرد، تعالوا لنتصالح مع أنفسنا، تعالوا لنتصارح

حسين جلبي
ونحن نقفُ على هذا المنعطف التاريخي الأخطر في تاريخنا، وهذا الخطر الوجودي المحدق، ولا نملك من أسلحة سوى الكلام؛ بعد أن نبضت دماؤنا أو كادت على مذبح مصالح الآخرين وفي خدمتهم، فإن على لساننا أن يكون صوتاً لضميرنا، مرةً واحدة على الأقل طوال حياتنا، هذا إذا كان للضمير من وجود، وعلى فرض أننا نستطيع أن نتغلب على خوفنا ونتخلى عن مصالحنا الضيقة، وأن نصدق القول.
لنعترف إذاً بأننا لا نملك سوى الكلام، ولكن لنعترف أيضاً بأن كل ما نقوله ونطرحه ونصرخ به من وصفات يفترض بأنها علاجية؛ للوضع الخطير الذي يعصف بمناطقنا، المناطق الكُردية السورية، هو مجرد هراء لا ينتمي إلى الواقع ولا يقدم حلاً للكارثة التي تلوح في الأفق، وفوق ذلك لا يتجاوز الأسوار التي ضربناها حول أنفسنا، ليس لأننا اشترينا سلامتنا مقابل الصمت على ما يجري للمنطقة، وتخلينا عن واجبنا في نكون أصحاب القرار فيها فحسب، بل لأننا لا زلنا نتجنب الاعتراف بالحقيقة التي تقول، بأن حزب العمال الكُردستاني كان يؤدي وظيفة؛ منذ دعوة نظام الأسد له إلى سوريا قبل سبع سنوات، وقد انتهت المهمة، وسيدفع الكُرد جميعهم ثمن المغامرات التي خاضها الحزب باسمهم، والعداوت التي زرعها حولهم.
من صدق للحظة واحدة بأن ما جرى في المنطقة قبل سبع سنوات؛ كان تحريراً لها من نظام الأسد، ولم تكن استلاماً وتسليماً بين النظام وحليفه حزب العمال الكُردستاني؟ وذلك لهدف معلوم، ولزمن محدد ومقابل أجر متفق عليه؟ ومن صدق بأن الإدارة التي أعلنها الحزب في المنطقة، “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، ولدت من رحم معاناة الكُرد وكانت معبراً عن مطالبهم، ولم تكن مجرد واجهة كاذبة اختفى ورائها النظام، وراح يدير كل صغيرة وكبيرة تخص الكُرد، ويتلاعب بهم مستخدماً الحزب مصيدةً وهراوة؟ ثم من صدق شعارات لا معنى لها؛ مثل “الأمة الديمقراطية” و”أخوة الشعوب”، وبقية المتوالية الكاذبة الفارغة من المضمون؟ ومن قال بأن هدفه ككُردي سوري كان رؤية صور عبدالله اوجلان مرفوعةً في كل مكان من منطقته، ومطلبه الوحيد الذي ثار من أجله على نظام الأسد، كان تحرير اوجلان من سجن اردوغان!؟
وإذا كان الحال كذلك، بأي منطق يمكن انتظار حصول نتائج ايجابية للكُرد، بناءً على ارتكاب أفعال سلبية؛ وصلت حد جرائم ضد الانسانية بحق الكُرد أنفسهم؟ كيف يمكن لمحاربة الكُرد، وتخوينهم، وقتلهم، وخطفهم، وحجزهم، ونفيهم، وعسكرتهم، وتهجيرهم، ومنعهم من التعليم، وحرق مكاتب أحزابهم، وارتكاب المجازر بحقهم، وسلبهم بيوتهم وممتلكاتهم ونهبهم، ومنعهم من العودة لوطنهم، وكذلك لإهانة رموزهم القومية، ومنعهم من رفع علم كُردستان، ومن الاحتفال بعيد النوروز، ومن تكريم شهدائهم؛ مقابل وضع أبنائهم في خدمة الآخرين؛ درجة توالد المقابر وتضخمها بشكلٍ مرعب، كيف يمكن أن يكون الهدف من كل ذلك هو حماية الكُرد، والدفاع عنهم وتحقيق أمانيهم القومية؟
إن الوضع الكُردي السوري الحالي أسوأ بكثير، وبما لا يقارن مع الأوضاع إبان العملية العسكرية التركية في عفرين. ولا يخفى على أحد بأن الأوضاع كانت تسوء على مدار الساعة، وذلك كلما ازدادت التضحيات، حتى تكاد الخاصية الكُردية للمنطقة تصبح من الماضي، رغم أن العكس هو الذي كان يفترض حصوله. الأكيد هو أن ما نشهده اليوم له جذور ولم يأتِ هكذا من فراغ، ما زرعه حزب العمال الكُردستاني هو ما يحصده الكُرد اليوم، حيث لا يملكون أوراقاً لمنع وقوع عملية عسكرية تركية، ولا قوة يمكنها مواجهة الأتراك ومنعهم من تحقيق أهدافهم، حيث الكُرد مثار سخرية وشماتة الآخرين، وفوق ذلك مفلسون، مشتتون، مكروهون، ضائعون وضعفاء، لا أصدقاء لهم ولا حلفاء، يترفع حتى نظام الأسد عن النزول لمستوى وضع أيديه في أيدي الحزب الذي سلموا قيادهم له، رغم خدمته له ومحافظته على سيادته على المنطقة وحراسة ثرواته فيها، ومحاربة أعدائه وتثبيت بقائه على سدة الحكم.
لا يخفى على أحد بأن ما يحصل للكُرد في سوريا حالياً، يجري بتنسيق بين الأتراك ونظام الأسد، وبرعاية إيرانية، روسية وأمريكية، لقد أُستخدم الكُرد وقوداً من أجل الحفاظ على بقاء نظام الأسد، الذي يحقق مصالح باقي الأطراف. الجميع يسعى لتحقيق مصالحه، قد يكون ذلك بعيداً عن الأخلاق، وهذا ليس عيباً أو جريمةً في منطق السياسة، وقد استعمل حزب العمال الكُردستاني هذا المنطق نفسه، مبرراً به تحالفه مع نظام الأسد، هذا النظام الذي سمَّن الحزب واستعمله بعبعاً أخاف به الأتراك، ثم سلمهم السكين بنفسه اليوم على مذبح مصالحه. ولكن السؤال هو عن المصلحة الحقيقية التي سعى الكُرد طوال السنوات الماضية إلى تحقيقها؟ ماذا حققوا فعلاً، وأين هم الحلفاء وثمن التضحيات؟.
الكُرد ينزفون فحسب منذ سبع سنوات، لم تتوقف الهجرة درجة تغير ديمغرافية المنطقة، ولم يتوقف اصطياد الشبان الكُرد لزجهم في معارك الآخرين، تعسكر المجتمع وانتهت الأسرة، الأوضاع لم تكن بخير يوماً، وكل ذلك مقابل لا شئ. كانت المؤامرة على الكُرد في سوريا كبيرة حقاً، لكنها كانت مكشوفة أيضاً، إلا أن الكثيرين استسلموا للوهم، منبهرين بالمظاهر ومستسلمين للخوف. لنعترف بكل ذلك، لنعترف بأننا فشلنا ونكف عن إلقاء اللوم على الآخرين، فمثل هذا الاعتراف هو المر الوحيد الذي قد يشكل سداً أمام تدهورنا نحو الهاوية.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…