غريق يستنجد بغريق

إدريس سالم
تعيس ومتعوس. زعيمان معزولان عن الشعب والدولة الفاشلة. وصول الرئيس السوداني عمر حسن البشير – الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989م – إلى العاصمة السورية دمشق، للقاء بالرئيس السوري بشار الأسد – الذي ورث السلطة عن أبيه وتسلمها عبر تعديل دستوري استثنائي عام 2000م – حدث لافت استثنائي بالنسبة لدمشق، هامشي لا معنى له ولا طعم بالنسبة لغيرها، إذ يتسارع السوداني إلى استباق احتمالات التطبيع العربي – العربي بتوقيت موسكو، لترسل الأخيرة رسالة إلى كل الأطراف الموجودة والمتحاربة من خلال أجنداتها العسكرية والسياسية مفادها “انتصر الأسد على الفئران”، زيارة استحقت تعظيماً وتضخيماً وتفخيماً من الإعلام السوري، وعلى الكورد ألا يقللوا من شأنها، فهي رسالة تهديد جماعية، ليس من دمشق، بل من موسكو.
المتابع للحدث السوري يقرأ بأن الزيارة لا علاقة لها ببناء علاقات التبادل التجاري والاقتصادي، ولا لأن تساهم الشركات السودانية في إعادة إعمار سوريا، فلم يكن السودان طرفاً في الصراع السوري منذ عام 2011م، بمعنى آخر، فإن يأتي البشير وغير البشير من الشخصيات والقادة العرب في هذه الأوقات لزيارة العاصمة السورية، فذلك تفصيل مهمّ في الشكل فارغ في المضمون، لا حساب له في تغيير موازين القوى الناظمة لخرائط اللاعبين الحقيقيين، فما بين أستانة وسوتشي وجنيف، مروراً بواشنطن وموسكو وأنقرة وطهران، انتهاء بعواصم الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لا يبدو أن للخرطوم مكانة أو دوراً بإمكانهما أن يتداعيا مباشرة على قرار دمشق كما قرار العرب من دمشق.
يمسك أمريكا وروسيا مفاتيح اللعبة المعقدة في سوريا دون منازع ثالث، وعلى ضفاف الفعل الأمريكي والروسي تمارس إيران وتركيا وإسرائيل ودول أوروبية تمارين الكرّ والفرّ، إذ يمتلكون أدوات الحسم والرسم لتحسين مواقعهم الإقليمية والدولية من خلال نفخ أحجام حصصهم الموعودة داخل سوريا الجديدة، وكل واحد منهم يهدّد الركائز التي بنتها واشنطن وموسكو، أيّ الكل يطالب بحصته من الكعكة السورية.
يدخل البشير إلى الخريطة السورية بتوقيت روسي – كما أسلفت في المقدمة – في عمل يصبّ في حسابات موسكو وليس حسابات العرب، إذ أرسل الكرملين من خلال عمر البشير رسائل للبيت الأبيض والأوروبيين في أن العرب يستعدون للتطبيع مع نظام الأسد، لعلّ في تلك الرسائل ما يخفف من عناد الغرب في مقاربته لمسائل إعادة الإعمار واللاجئين، وترك المسألة الكوردية تُحل وفق المقاسات الروسية – السورية، وبرضا أنقرة وطهران. 
للزيارة وجه آخر متعلق بالمسألة الكوردية، التي تفكّكت دون أمل ملوّح في الأفق لإعادة توحيدها، إذ موسكو تتوسّط بين أردوغان والأسد، حيث جاء في اليوم نفسه أن أعلن فيه وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” من الدوحة، أن بلاده ستدرس التعامل مع الأسد لو أصبح الأخير رئيساً لبلده في انتخابات ديمقراطية، على نحو يوحي أنه أساساً ذهب إلى هناك ليعلن ذاك التحوّل من ذلك المكان، وعلى هذا تظهر ترنيمة جديدة تُعزف بين طهران والدوحة وأنقرة وموسكو، ليأتي البشير وينفخ في طبولها في دمشق، فهل الكورد يتعظون ممّا يُحاك ضدّهم في أروقة العلاقات الدبلوماسية الدولية؟
تريد إيران التمسّك بعملية أستانة؛ بصفتها العملية السياسية الوحيدة التي تمنح الوجود العسكري الإيراني في سوريا غطاءً شرعياً، أو على الأقل غطاء روسياً، في لحظة تزداد فيها ضغوط أمريكا عليها على صعيد العقوبات الاقتصادية وقطع العلاقات، لتحجيم نفوذها وقوتها، ورفضها لتشييع النظام السوري واللبناني مثلما شيّعت العراق.
فيما تركيا تريد ألا ينهار صرح أستانة الضامن لعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، والمشرّع لوجودها العسكري في شمال سوريا واحتمالات توسيع عمليات أخرى ضد الوجود الكوردي في شرقي الفرات، مع ما يحمله ذلك من مناوشات ومشادّات مع واشنطن.
أتساءل: هل هي مصادفة سعيدة أم غير سعيدة في أن تكون أسماء وألقاب مَن يحكمون العرب هي التضادّ الكامل والمطلق لصفاتهم الحقيقية، السابقون منهم والحاليون، الأسد والبشير وصالح ومبارك وهادي ومهدي ونوري ومعمر ومحمّد ومحمود.. والقائمة تطول؟! إلا أن ما يضحك في حديثنا عن زيارة البشير السوداني للأسد السوري هو أن غريقاً يستنجد بغريق آخر، فأيّ غريق سينتصر ويعيش، وأيّهما سيهزم ويغرق؟!  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…