رسالة من چيايي كورمينج

دارا محمد حصري
يا أخوتنا الكرام
إن التجارب خير من ألف قول وشعارٍ براق ودليل، وليس كل ما يحاولون تلميعه يمكن أن يصبح ذهباً، ليس كل ما يُقال يستحق أن تصدقوه.
ككوردي من عفرين الميتمة إقبلوا مني بضع كلمات، وإن شئتم اشتموني بعدها، ولكن اقرؤوها في لحظة تعقل دونما انفعال أو تصديق لما يلقنونكم إياه من خيال.
قَبلكم حدث لنا ما لم يخطر في بال أحدنا، طبّلوا للحرب وأنهم أشبال، خرجت عدّة تصريحات، منهم مَن كانوا بعيدين لأميال ومنهم مَن كان الجوّ ربيعاً وخرج بين الجبال.
قالو سندّمر مَن يقترب منكم، وأعددنا كل ما يلزم من سلاحٍ ورجال وسنخرب مدنهم على رؤوسهم الأنذال، منا مَن قال هذا خيال ومِنا مَن خرج يهربج دونما تفكير أو حتى جِدال.
قالوا لنا: 
خنادقنا متينة لا يخترقها أي شيء وتجاوز التحصينات لدينا مُحال، الجبال هي لنا ونحن المسيطرون دونما أي مَجال.
لا تصدقوهم عندما سيقولون نحن مستعدون للقتال ونتحدى ترسانة لا مثيل لها في الشرق فهذا كذبٌ ودجل وأغلبهم يتقن دور الأعور الدجال.
سيلغمون البيوت ويفتحونها على بعضها ويطردونكم منها بحجة القتال وثم سيتركونها هاربين.
لا تنخدعوا بالعروض العسكرية بسيارات دفعٍ رباعي ولا أجهزة مكافحة الإرهاب ولا الأغاني الحماسية. 
لا تنغروا بما سيخرج من إعلامهم في أنهم صامدون وسيصمدون ويكسرون الأساطير ويسطّروا ملاحم بطولية، ليست ببطولة أن تلقوا بأبناءكم للتهلكة فلن توقف رصاصة كلاشينكوف طائرة أو مدفعية.
تلك الخنادق التي يحفرونها ستكون بلاءً عليكم ولن تدوم لحظات.
ستكونون وحدكم الضحية وهم سيهربون بعد تنفيذ المهمة بجلب البلاء ومن البعيد سيتوعدون بالعودة والتحرير، لن يصرّحوا أو يكشفوا عدد أبناءكم الضحايا إلا بعد أشهر وربما سيعلنون أبناءكم شهداء وهم ما زالوا على قيد الحياة.
ستخرج المظاهرات الشعبية ولن ترتفع صور مأساتكم بل سيرفعون معها صور أوجلان ليثبتوا للعالم أجمع أن تركيا على حق ومن الحق تدمير منازلكم ومدارس الأطفال، لن يصمتوا حتى الإجهاز على كل شيء وفي آخر الأمر سيلقون التهمة على الحلقة الأضعف وستتفاجئون بأن شرفائكم أُلصقت بهم صفات العمالة وبأن الفقير منكم هو مَن ساعد على الاحتلال. 
سيجعلونكم تخلون قراكم ومدنكم على عجل وبدون أن يتركوا لكم أي مجال والمعارض سيكون خائناً دونما أي سِجال.
لا تصدقوهم، سيقولون في آخر الأمر العدو استخدم تقنيات عالية وأسلحة متطورة وكأن الحرب تُقام بالخنادق والسهام والرماح والعصي وبعض الأقوال.
لن تُحرك أوروبا ساكناً ولا أحد سيتكلم بمأساتكم، سيغضون النظر وكأنكم لستم محسوبين على هذه الحياة ولا من البشر، ستكون الطرق مغلقة وأصوات المدافع في آذانكم وحدكم. 
الجميع سيصمت فالمصالح الاقتصادية والمخططات أكبر من أن يسمعوا نداءاتكم ولا صرخات الأطفال. 
في چیايي كورمينج رأينا كل هذا ولم نتعافى، الأمراض في المخيمات تنال منا، والخبز الرديء حتى لا يصلنا، لا أدوية ولا منظمات إنسانية.
أرجوكم اقرؤوها فهذا جزء من ما جرى لنا ونحن على حافة الزوال .
من كل قلبي أتمنى لكم الأمان والسلام، وألا يصل بكم الأمر كما وصل بنا الحال.
كل ما ذكرته جزء وليس كل شيء يمكن أن يُقال. 
دمتم ودامت كوردستان

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان كلش عقد ونيف من السنوات العجاف عاشها السوريون، طُبقت عليهم رؤى بعثوية مزيجة بين القومية والطائفية والسطوة الأمنية والمزيد من الفساد والإفساد، وتكيف السوريون مع حالة الإدعاء التي تقمصها النظام السابق والمتمثلة باستكمال الربط والتقييد الداخلي بخط خارجي موازٍ متمثل بفكرة المقاومة، هذه الفكرة التي أرهقت المجتمع السوري اقتصادياً وأمنياً. ولم تكن ثورة 2011 إلا رد فعل على جملة…

إبراهيم اليوسف لم تكن ثقافة العنف في سوريا وليدة لحظة أو حدث عابر، بل هي نتاج عقود من السياسات القمعية التي سعت إلى إحكام السيطرة على المجتمع من خلال ممارسات شمولية اعتمدت الترهيب والتدمير المنهجي لأي محاولة للخروج عن النص السلطوي. حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة عام 1970، أرسى قواعد نظام أمني مبني على الخوف والولاء المطلق،…

بوتان زيباري رأيتُ سوريا في المنام، تقف على تلٍ عالٍ، عيناها مغمضتان كمن ينتظر حُكم القدر. كان وجهها متعبًا، مُثقلًا بغبار الحروب، وشعرها مشعثًا تراقصه رياح الخوف. ومع ذلك، كانت في عينيها مساحات شاسعة من الأمل، كأنها تقول: “أنا باقية… ولن أنهزم.” في الحلم، لم تكن سوريا مجرد جغرافيا أو خطوطًا متشابكة على الخرائط. كانت أمًّا تضم أطفالها الذين…

إبراهيم اليوسف تمر بلادنا بمرحلة مفصلية، حيث تزداد الحاجة إلى التكاتف والتعاضد بين أبناء الشعب الكردي من جهة، وبينهم والشعب السوري عامة. في خضم هذه الأوقات الصعبة التي تتطلب جهودًا مشتركة من جميع الأطراف، يصبح من الطبيعي أن تظهر آراء متناقضة وأحيانًا متباعدة في ظل الظروف المعقدة. ولكن ما يزيد الأمور صعوبة هو تحول بعض النقاشات إلى ساحة من الشتائم…