المجلس الوطني الكوردي ليس مجلساً «جزراوياً»

إدريس سالم
المجلس الوطني الكوردي، الحاضر إعلامياً ودبلوماسياً، والغائب سياسياً وجماهيرياً. انشغاله بالتآمر على الأحزاب المنضوية فيه – لشقّها أو ضعفها – أكثر أهمية بالنسبة له من بحثه عن الاعتراف بنفسه. يمارس سياسات ديمقراطية بنكهة إقصائية انفرادية هادفة إلى إنهاء حياته السياسية وعمله الكوردي السلمي. يصارع حزبياً لأن يكون جزءاً هامّاً من المتغيّرات المصيرية السورية والكوردية. يناضل تقليدياً ليحقّق ثوابتاً قومية غير قابلة للتصويت، وأن يكون رقماً صعباً في الحل السياسي للأزمة والثورة السوريتين، لكنه حتى الآن يبقى عنواناً راسخاً للمشروع القومي الكوردي بنظرياته لا تحرّكاته العملية على الأرض، الأرض الكوردية في غربي كوردستان، فمَن يعمل على الإعلام والأرض هو حزب الاتحاد الديمقراطي، الغريم وليس الشريك. بصريح العبارة هذا المجلس لم ينتزع حتى الآن أيّ اعتراف رسمي ومباشر، سواء من المعارضة السورية بشقّيها السياسي والعسكري، ولا من الجهات الإقليمية والدولية التي تدير الملفّ السوري.
وجّهت مجموعة من السياسيين والمثقّفين ونشطاء الرأي، على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة ونداء مباشر لقيادة المجلس الوطني الكوردي، بضرورة إعادة النظر بمجمل سياساته في المراحل السابقة، وقراءتها قراءة نقدية، والوقوف بكلّ جرأة على مكامن الخلل وتصويبها، وأن الاستمرار بهذه العقلية، سيجعله مادة محفوظة على الرفّ، ينتظر تحلّلها مع الزمن، في وقت يحتاج فيه الشعب الكوردي إلى تطويره أو إعادة صياغته، عبر هيكلية مؤسّساتية، تستند على معايير واضحة وصحيحة في التعامل مع مكوناتها ومناطقها وحقوقها.
وطالبت هذه المجموعة، على تشكيل لجان وهيئات وتعينات للمجلس الكوردي على أسس سليمة، سياسية لا حزبية، وحسب الكفاءات والقدرات لكلّ منطقة، لا حسب الولاءات الحزبية والزعامات العائلية والعشائرية أو التعينات بالوراثة من الأب للابن، وعلى ضرورة التعامل مع المناطق الثلاث (قامشلو وكوباني وعفرين) على أنها متساوية في التمثيل فعلياً، وفي جميع مؤسّسات وهيئات المجلس الوطني الكوردي، فضلاً عن إيجاد آليات مرنة، لاستثمار الكثير من القدرات والطاقات الموجودة، من المختصّين والأكاديميين الكورد، الذين هم خارج صفوف التنظيمات السياسية الكوردية، نتيجة طغيان العقلية المنغلقة والإقصائية لصنّاع قرار الحركة الوطنية الكوردية في غربي كوردستان.
لست في وارد أن أناقش هذا الموضوع “الشرعي والحسّاس” من وجهة نظر مناطقية أو تحاملية أو هجومية، لما لها من أبعاد “سياسية وكارثية” على القضية الكوردية في غربي كوردستان خاصّة وكوردستان عامّة، فلو تمّ مناقشة هذا الموضوع من وجهة نظر جغرافية وسياسية تحزّبية مزاجية ضيّقة فإننا نؤيّد بذلك مشروع أعداء الكورد، في تقسيم ما تمّ تقسيمه من جغرافية كوردستان، وفقاً لسايكس – بيكو وسيفر، بل يجب أن نطرح القضية من وجهة نظر سياسية بفعالية مشتركة، دون أن يتمّ تهميش جزء على حساب جزء آخر.
فالشارع الكوردي يرى بأن المجلس الوطني الكوردي يُدار من خلال الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، وبأن مَعقل الأحزاب السياسية الكوردية في غربي كوردستان يوجد في منطقة الجزيرة الكوردية، متسائلاً “هل الجميع يتفق بأن مَعقل انشقاقات الأحزاب الكوردية هي أيضاً في منطقة الجزيرة؟”. هذا سؤال شرعي يجب أن يجيب عليه بعقلانية وحكمة، من قبل مَن يشرعن لفكرة أن تكون غالبية الحصص والأصوات والكراسي من نصيب السياسيين والمستقلين الكورد في منطقة الجزيرة الكوردية “لماذا تمّ تسمية قامشلو ومدنها بالجزيرة؟”.
لا شك بأن قيادة المجلس الوطني الكوردي – عند تأسيسها – هي التي وزّعت الأدوار والمناصب والنفوذ على أساس مناطقي، عندما أعطت الـ “كوتا” الحزبية لمدينة الرقة وحلب والباب ودمشق وغيرها من المدن الخارجة عن سيطرة غربي كوردستان، وفرضت منطق أن تكون القيادة السياسية بيد القيادة الحزبية، لغالبية سكرتارية الأحزاب الكبيرة والصغيرة ووليدة الثورة السورية في قامشلو ومدنها.
أنا أتذكّر كم كان الأعضاء المشاركون في المؤتمر الثالث للمجلس الوطني الكوردي هادئين صبورين في مناقشة الوضع السياسي لغربي كوردستان وسوريا والعراق والشرق الوسط، وأتذكّر جيّداً كيف قامت الدنيل ولم تقعد بين الأعضاء المشاركين في المؤتمر، عند انتخابات المناصب وتوزيع الأدوار، وكم من خيانة وقعت بين هذا الحزب وذاك، وبين هذه الشخصية وتلك، وبين هذا التكتل ضدّ التكتّل الآخر.. الخ. “صدق الروائي جورج أورويل عندما قال: السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول”.
أتذكّر جيّداً كيف عانى أعضاء وفد مدينة كوباني على الحدود التركية – السورية في بوّابة مدينة قزلتبة بولاية ماردين الكوردية التركية، للعبور إلى مدينة درباسية والتوجّه إلى قامشلو، دون أن يستقبلهم أيّ وفد حزبي كوردي، سواء في الجانب التركي أو السوري، وهم مَن عانوا من مشاكل تقنية وإجراءات أمنية وروتينية في المعبر، لأتفاجئ – بعد أيام – بمفاجئة مؤلمة وخطيرة ومعيبة، وعلى موقع إعلامي تابع لأحد الأحزاب الكوردية، بأن وفداً حزبياً رسمياً قد استقبل وفد مدينة كوباني المشارك في المؤتمر الثالث للمجلس الوطني الكوردي عند الجانب التركي، وأنه قدّم لهم المساعدة المالية والمعنوية، ومكّنهم بكلّ “راحة وسهولة” من أن يجتازوا الحدود، ويصلوا بسلامة لمكان انعقاد المؤتمر.  
هناك عدداً من الأسئلة يطرحها الشارع الكوردي:
– لم ترتيب أمور وإجراءات الزيارات العامة والخاصة لنازحي غربي كوردستان في إقليم كوردستان تكون بيد حزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ولا تكون بيد المجلس الوطني الكوردي؟
– لم قرار ضمّ الشباب الكورد إلى قوّات بيشمركة “لَشكري روج” يكون في مكتب الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ولا يكون بيد ممثلية المجلس الوطني الكوردي في هولير، خاصة وأن الأخير تبنّت تلك القوّة في مؤتمرها الثالث؟ 
– هل المجلس الوطني يستمدّ شرعيته وقوّته من الشعب أم من الحزب الديمقراطي الكوردستان – سوريا؟
– لم عقب كل مؤتمر يتمّ انتخاب نفس الشخصيات في القيادة ولو بتبديل الأدوار؟ 
– لم يمتلك الأحزاب الكوردية المنضوية تحت راية المجلس الوطني ماكينة إعلامية ضخمة، في حين يستغلّون قدرات وطاقات نشطاء وإعلاميين شباب في موقع المجلس، برواتب رمزية، لو منحوها للأطفال لرفضوها؟ 
– لم الكبار في المجلس لهم رواتب كبيرة، في حين الصغار يحصلون على مكافآت مالية بسيطة وأحياناً هدايا معنوية تحفيزية؟   
– إلى أيّ مدى ستستمرّ السياسة الضبابية لقادة المجلس وتبنّهم الغامض للمشروع والحقّ الكوردي؟
إن القادة الكبار في المجلس الوطني الكوردي قادرون على العمل ليل نهار في سبيل إقصاء وتهميش دور الشباب والمرأة والمثقفين، الأكاديميين والأكفّاء، ولا يستطيعون وضع حدّ أو حلّ لقضية إغلاق مكاتب الأحزاب الكوردية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، يحاربون ويقفون ضدّ حزب أو حركة أو منظمة تطالب بأن تكون فاعلة في المجلس ومؤثّرة في تقدّمه، ولا يستطيعون محاربة أو الوقوف بوجه اعتقالات الاتحاد الديمقراطي بحق نشطاء الرأي والإعلام.
إن ممارسة سياسة الإهمال المتعمّدة التي تنتهجها قيادة المجلس الوطني الكوردي وأمانتها العامة مع مدينتي كوباني وعفرين تتناقض مع مبادئها وبرامجها ومشاريعها، وهي قبل أن تضعف عفرين أو كوباني فهي تضعف المجلس الوطني، وتضرب مصداقيتها أمام الشعب الكوردي أولاً، وأمام الإدارة الدولية للملفّ السوري والكوردي ثانياً، وتقوّي من موقف المتربّصين بالمجلس، لهذه الأسباب ومن منطلق الحرص على هذا الإطار السياسي الذي يفقد شرعيته من الشارع الكوردي يوماً بعد يوم فيجب وعلى وجه السرعة ضرورة خلق بيئة سياسية مناسبة، لتلافي هذه الممارسات والسياسات الخاطئة التي لا يمكن تبريرها ببعض القوانين التي يغيّرونها عندما يتعلّق الأمر بمناصبهم ونفوذهم الجغرافي أو قبولها من مبدأ التضحية والتحمّل، وعدم المشاركة في توسيع الشرخ وشقّ الصفّ الكوردي، الذي يعاني أصلاً بما يكفي، ولن يحتمل المزيد من التشتيت، وليبدأ فوراً في إعادة هيكلة جميع مكاتبه ومراجعة سياساته.
خلاصة القول، سأستشهد بفقرة من إحدى مقالات الروائي الكوردي “إبراهيم يوسف” الذي يقول فيها:المجلس الوطني الكوردي الذي لقيت ولادته، بالرغم من عدم تبلور رؤاه في بداية الثورة السورية، بالشكل المطلوب، ترحيباً جماهيرياً كبيراً وقد تعاطف الشارع الكوردي معه، من أقصاه إلى أقصاه، وكانت مظاهرة ”المجلس الوطني الكوردي يمثلني” أكبر شاهد على ذلك، في الوقت الذي لم يكن بإمكان الاتحاد الديمقراطي تحريك أكثر من بضع عشرات الأشخاص من مؤيّديه في مدينة كقامشلو وهو صورة عن رصيده الحقيقي بين أبناء كورد سوريا، إلا أن المجلس لم يحسن التعامل مع التحوّلات التي تتم، وراح يخترق الحراك الشبابي، ويعتمد بعض مَن لا تاريخ نضالياً لهم، ممّن استغلّوا اسمه، بوساطة بعض الأسماء المتحكّمة آنذاك، بينما تمَّ إقصاء أعظم رصيد شبابي له، كما أنه بات يبحث عن الكم لا الكيف، وتمّ احتضان ممثلي بعض الأحزاب شبه الوهمية، من دون أن يستفيد من تجربة الحركة السياسية مع هذا الاسم أو ذاك، ناهيك عن اعتماده على أسماء وأحزاب محدّدة، وإهمال أخرى، وخلق مؤسّسات وهمية، وإقصاء مؤسّسات فاعلة، ما جعلنا أمام جيش من المرتزقة الحقيقيين الذين لا يفكّرون إلا بهذا المكسب، أو ذاك، وهم أعظم عبء على كاهل المجلس الوطني الكوردي”.
ويبقى السؤال هل النداء الإصلاحي سيلقى آذاناً صاغية والقضية الكوردية تمرّ في ظروف حسّاسة وخطيرة للغاية، خاصة وأن المصالح الدولية والإقليمية هي الطاغية في الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط عامّة وغربي وجنوبي كوردستان على وجه الخصوص؟ هل القيادة الكوردية في غربي كوردستان ستقوم بمسؤولياتها تجاه قضيتها وحقوقها العادلة، وتضع المصالح القومية العليا لأبناء شعبها فوق كافة الاعتبارات والمصالح الآنية، والتي لا تجلب سوى الخزي والندامة خاصة وأن التاريخ لا يرحم أيّ كائن مَن كان، والوضع الحالي في سوريا يتوجّه إلى مزيد من التهدئة، وبرعاية أممية وإقليمية؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…