«مصطفى البارزاني» و إتفاقية 1975؟!

الأمازيغي: يوسف بويحيى
هناك مثل شعبي بالأمازيغية يقول “دائما ما يجد الكذاب مفسرا له” ،وهذه هي الكارثة التي يعيشها الشعبين الكوردي و الأمازيغي نتيجة إبتلائهم بأتفه السياسيين و المثقفين الذين يحللون دائما وفق الحزب ،بعيدا عن التحرر و التوسع و البحث الشامل في القضية من كل الجوانب.
أكثر ما يؤسفني هو رؤيتي لبعض المثقفين الكورد الذين يكتبون أشياء لم يحاولوا حتى التشكيك في صحتها ،والمشكلة يبنون عليها كقاعدة و مرجع لأفكارهم و تطلعاتهم على القضية و مسارها السياسي و العسكري ،بالمقابل لو عادوا فقط للتاريخ لتداركوا أن الواقع الملموس يكذب ما يعتقدونه.
لفت إنتباهي ما يدعيه بعض المثقفون و السياسيون الكورد و العرب البعثيين اليوم في تخوينهم الزعيم “مصطفى البارزاني” إبان أحداث إتفاقية الجزائر بين إيران و العراق سنة 1975 عندما إنتكست الثورة الكوردية بعد خيانة أمريكا و إيران للكورد مجددا ،مما فرض على البارزاني إخماد الثورة و إلقاء السلاح لأسباب عدة ،أولا لأن النظام العراقي كان عازما على الهجوم على كوردستان بكل أنواع الأسلحة المتاحة و القصف الجوي بالمقابل لا يوجد أي ممول للبيشمركة و ذخيرتهم ستنفذ في أقل من شهرين في حالة التعنت ،وثانيا أن الجيش العراقي وضع خطة القبض على الشعب الكوردي و تدمير قراه و إبادته في ظل شراء الصمت الدولي (أمريكا) ،وثالثا أن الثورة الكوردية طعنت بفعل ولاء زمرة “الطالباني” لإيران وبقاء البارزاني الخالد وحيدا في الساحة ،بالضبط كما حدث مع الرئيس “مسعود البارزاني” في أحداث خيانة 16 أكتوبر 2017 ،ورابعا أن الجيش العراقي مصر على أن يجعل كوردستان كما “شنكال” و “كوباني” و “عفرين” ،وأكثر من ذلك بالتوجه إلى معقل الثورة في “بارزان” قصد قطع الوريد الكوردي…..
كان البارزاني الخالد زعيما ذكيا و حكيما في فهم ما يخطط له من طرف العراق ،مما عجل في جمع كل القياديين الكورد و البيشمركة الذين معه شارحا لهم الوضع و ما يحاك ضدهم و كوردستان ،ثم قرر أن يتفاوض مع النظام العراقي لأجل شروط رئيسية ابرزها أن لا يلمس الجيش العراقي شعرة واحدة في شعب كوردستان ،وأن لا يتم إعتقال أو قتل أي عضو في الحزب و البيشمركة ،وترك شعب كوردستان في قراه يعيش بسلام ،مقابل هذا أن يلقي البارزاني الخالد السلاح دون أي مقاومة.
هنا أستطيع القول أن البارزاني الخالد إنتصر بذكائه في أوج ضعف قوته أمام النظام العراقي ،بينما كان في متناول الجيش العراقي رفض شروط البارزاني و الهجوم على كوردستان و إلحاق الضرر بالحجر و البشر ،فلو فعلت قوات pkk و pyd نفس الشيء أمام الجيش التركي في “عفرين” لكان إنتصارا للشعب و الوجود الكوردي و المنطقة ككل.
كان البارزاني الخالد إنسانا ثوريا حقيقيا بمعناه السليم ،فالعقلية الثورية هي تلك التي لا تؤمن بالمعركة الواحدة ،بل تؤمن بالحياة على أنها معارك لامتناهية ،هكذا تعامل البارزاني الخالد مع الأحداث السياسية و العسكرية من أجل الوصول إلى حقوق شعبه ،فعلى الرغم من أن البارزاني سياسي عميق النظرة و عسكري عظيم إلا أنه كذلك سوسيولوجي بالفطرة جعلته يستوعب الكثير من النقاط المهمة في مسايرة النضال بشكل متزن من جميع الجوانب ،وأبرزها معرفته اليقينية أن نضال الأقليات ضد الأغلبية الكاسحة يجب ألا تعتمد فقط على القتال و السلاح كونه إنتحار  في حد ذاته للأقليات المحدودة الإمكانيات و المحاصرة جغرافيا ،لهذا كان البارزاني حريصا على غلق كل الأبواب التي تجعله يخسر أكثر مما سيربحه الشعب الكوردي ،وبالمقابل يفتح أبواب أخرى لإخراج القضية و الشعب الكوردي إلى بر الأمان.
إن عقلية البارزاني الخالد النضالية و الإنسانية بشكل شامل أراها على الأرض في خطى الزعيم “مسعود بارزاني” بالتمام و الكمال لحقنه الدم الكوردي و العمل على إيجاد حلول أخرى دون الحرب و القتال ،فالبارزاني الخالد و الإبن يقدسان الدم الكوردي و حريصان عليه بشدة ،بينما قادة العمال الكوردستاني pkk و الإتحاد الديموقراطي pyd ينهجون العكس تماما ،حيث يلقون بالقواعد العسكرية الشعبية و الشعب الكوردي في حروب طاحنة مجانية من اجل التخلص منه و إستنزافه و إنهاء وجوده.
إن سياسة البارزاني الخالد ينطبق عليها مثل السهل الممتنع ،كما لا يخفى ان شروط البارزاني للنظام العراقي في سنة 1975 هي التي أدت إلى الحفاظ عن الوجود الكوردي و بقائه إلى حد الآن على الأرض ككيان مستقل ،بينما كانت بعض الأطراف الكوردية اللاوطنية تتمنى انذاك لو تمت المقاومة الخاسرة قصد أن يجني الشعب الكوردي الكوارث و الدمار و الخراب و الإبادة و التشرد من خلالها ،ونفس الكارثة كانت ستحدث أثناء خيانة “كركوك” لولا أن “مسعود البارزاني” أمر بإنسحاب البيشمركة ،بذلك أفشل المخطط الإقليمي و الدولي و أجل المعركة لأجل مؤقت فقط.
أتمنى من جميع الأصدقاء أن يقرؤوا شخصية “مصطفى البارزاني” بعقلية خالية من العقد بعيدا عن الوعي المشوه ،وتسليط الضوء على البارزاني الإنسان ثم المواطن ثم العسكري ثم السياسي ثم القائد ثم الزعيم ثم الرمز ثم النهج ثم المدرسة ،ولم أقل الكوردي لأنه مرجع لكل الأحرار مهما كانت قومياتهم و دياناتهم و ألوانهم و لكناتهم و أوطانهم…،فمن فضلكم إقرؤوا عنه.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…