د. لوند عفريني
تغيرات المجلس المحلي في عفرين منذ خمسة عشرة يوما، لم تحدث فرقا في حياة الناس، والمجلس يشبه كل شئ إلا المؤسسة، فكل المجلس هو في حقيبة رئيس المجلس، وإذا غاب فإن المجلس يكون في حالة غياب .
لم يأخذ المجلس شكل مؤسسة مدنية فعالة، وكل كتاب ممهور يصدر من المجلس لا يصبح ساري المفعول دون الخاتم الأحمر للمكتب الأمني العائد للفصائل المسلحة .
كما أن الفصائل المسلحة الكبرى لا تعترف بالمجلس ولا بقراراته وكذلك جهاز الشرطة والمحكمة (القضاء)، في الواقع الفعلي، فهذه الفصائل على سبيل المثال لا الحصر، لا تعترف بنسب التحصيل المفروضة على موسم الزيتون كأتاوات، والمحددة من قبل المجالس وهي (15% ) من كامل الموسم، إذا لم تمر موافقات جني المحصول من خلالها، لتضيف هذه الفصائل المسلحة نسبة إضافية على نسبة المجالس ( 15% ) تصل إلى (10%) ليصل المجموع ل (25%) ، بالإضافة إلى فرض نسبة (60%) على عائدات المعاصر وربما البيرين (العرجوم) .
فالموسم ينهب في وضح النهار، ورئيس المجلس إما ذاهب لتركيا أو عائد منها، وهناك حقول كاملة نهبت في شران في قرى سينكا وبافلون وجمان وقسطل جندو، ومحيط خرابة شران، وسهل كمروك، والمنطقة الممتدة من جويق إلى كفرشيل، ومعراته، وبابليت وسهل عندرية وبعرافا وقارقينا ومحيط بلبل، وهناك قرى كاملة لم يسمح لأهاليها بالعودة إليها، وهم يسكنون كنازخين في قرى مجاورة او عفرين مثل قرى ( شيخ خورز، قسطل مقداد، مركز بلبل، مركز معبطلي، درويش، بيباكا جبلية ) .
أما أملاك الغائبين لظروف الحرب، فهي تعتبر في أغلب الأحيان من املاك الأبوجية، وتنهب بالكامل .
الخلاصة أن مجالس عفرين مرة أخرى تصبح شهود زور على نهب موسم الزيتون كما موسم القمح تماما، وتسكت عن حملات الخطف والابتزاز الاعتقال التي تتم بمعزل عن جسم القضائي و الشرطة وآخرها حادثة خطف طفل من حي المحمودية من أهالي قرية معمل أوشاغي من أمام باب المدرسة، لمقايضته لاحقا بالفدية . إن المدينة تعاني من انتشار الحواجز المسلحة، على كامل مساحة المدينة على مرأى المجلس المحلي، في الشوارع الفرعية، والحارات الشعبية، وانتشار المقرات بين الدور السكنية، في بيوت الأهالي، والاستيلاء على المدارس ( مدرسة فيصل قدور والكرامة وأمير غباري وجزء من مدرسة العروبة، والتجارة، والصناعة ومعظم مدارس الريف، وازهار عفرين) وتحويلها لمقرات عسكرية، وكذلك الأبنية العامة للكهرباء والزراعة والاتصالات والصحة والوحدات الاقتصادية للمياه والمركز الثقافي ومسرح الشبيبة، وغرفة المهندسين. وتحويلها جميعا لمقرات بعد اتلاف محتوياتها .
هذه المقرات تقوم باطلاق النار العشوائي من كل أنواع الأسلحة لترويع الناس وإيقاف الناس متى وكيفا تشاء، كما أن عوائل المسلحين استولت على كل الأرصفة والمحلات التجارية للغائبين وبعض الحاضرين، وفتحت محال البنزين تحت الدور السكنية وفي أرقى أحياء المدينة، وحولت بعضها لمذابح عشوائية غير صحية للغنم والفروج والجمال .
أما الوضع التعليمي :
فتحت المدارس شكلياً، ولا يوجد كادر تدريسي يغطي الحاجة، ولم يوزع الكتاب المدرسي حتى تاريخه، ولا تعطى سوى حصتين مدرسيتين في اليوم، وإعداد الطلاب تتجاوز (60) طالبا في الصف الواحد .
مدارس المرحلة الابتدائية غائبة في النصف الجنوبي للمدينة وتقتصر على مدرسة الاتحاد العربي وفيها ازدحام شديد .
أغلب الناس من السكان الأصليين للمدينة تحجم عن إرسال أولادها للمدارس بسبب غياب الأمن في الشارع وطريق المدرسة، لإنتشار المليشيات من ناحية، ومن ناحية أخرى لتفشي حالة الاستقطاب الحادة بين أطفال من قدم للمدينة مع الفصائل واطفال السكان الأصليين، التي أفرزت حالة من الشرخ العميق، إثر نهب المدينة والسطو على مقدراتها وعقاراتها بالقوة .
لم يفعل المجلس المحلي شيئا للتخفيف من حالة تقييد حركة السكان الأصليين، فأي خارج وداخل للمدينة يحتاج لإذن خطي، مدته شهر، ويخضع لرسم 500 ليرة سورية، ويجب أن يمر من أمن الفصائل وليس الشرطة ، مما اوقف الحياة الاقتصادية المدينة تماما .
الكهرباء :
لا تزال الكهرباء غير موجودة ويشتريها الناس من أصحاب المولدات، ودمرت وسرقت كل خطوط الطاقة الكهربائية من كل التوترات (العالي والمتوسط والمنزلي) وحولت لخردة نحاسية وبيعت بأثمان بخسة، وكذلك المحولات .
أما المياه حتى تاريخه تأتي كل عشرين يوما مرة واحدة ولا يعرف أن كانت تصلح للاستخدام الآدمي أم لا، في باقي الأيام تشتري الناس حاجتها بسعر 300 ل.س للبرميل، كما كل وحدات المياه نهبت، وكذلك تجهيزات سد ميدانكي .
أما الإغاثة فهي باتت مصدرا مهما للعيش بعد سرقة كل محاصيل الناس، وتوقف عجلة الحياة الأقتصادية في المدينة، فهي لا تصل للسكان الأصليين إلا على مضض او بواسطة او الشراء، وهي غير منظمة، ويعتريها الفساد والبيع والمحسوبية، وفي اغلب الاحيان هي لأجل البروبكندا الإعلامية .
من الناحية الطبية :
حقيقة هرب جل الكادر الطبي القديم من عفرين للأسف، والوضع الصحي يرثى له، خاصة للأمراض المستعصية كالسكري وأمراض القلب والكلى والسرطان، ولا ينقل لتركيا سوى الحالات الحرجة .
هناك هجرة وهروب من السكان الأصليين للاسباب المذكورة أعلاه، إلى حلب وتركيا وريف حلب الشمالي وكوباني والجزيرة، بعد دفع أموال طائلة للمليشيات وبتسهيل منها ، كل في مناطق سيطرتها، وتشترك جميعا في نهب المهاجر، ويخشى أن تكون العملية ممنهجة عن سابق تخطيط، أو هكذا يشعر الساكن الأصلي في عفرين، حيث تعرضت المدينة سابقا في شهر آذار عام /2018 /لسرقة كل محالها التجارية والصيدلانية والعيادات، ومستودعات الغذاء والوقود والدواء والقمح وقطع التبديل، وتعطلت بنى التعليم والماء والكهرباء وحرقت أجزاء واسعة من غابات الطبيعية في جبل هاوار ووادي سارسين، وجبل بليل، وغابات الصنوبر المزروعة في ميدانكي وكفر روم وقورت قولاق، ودفا يول، ووادي شيخ الحديد وكروم الزيتون الملاصقة .
سكان عفرين انقطعت بهم السبل ويشعرون انهم محط استهداف الجميع، حيث حدثت حالات كثيرة من الجلطات الدماغية والقلبية، ومات أصحابها بصمت .
ويخشى أن تموت المدينة بسكتة تصمت معها للأبد .
هذه المعاناة لا تصل للصحافة العالمية والتركية لغياب كل الصحافة من عفرين .
طرحت كل هذه الأمور للنقاش مع من قدم لعفرين، من الحكومة المؤقتة، واعضاء من الائتلاف، والولاة، وأعضاء المجالس، والجميع في صورة ما يحدث، كانت هناك وعود بتطبيع الاوضاع وتحسينها، إلا إنه وبعد مرور وقت طويل منذ 18/3/2008 ، تبين ان تلك الوعود وهمية تخفي وراءها، ما يستهدف عصب الأقلية الكوردية في موطنها، التي تسكن هذه المنطقة .