أوجلان و الماركسية

الأمازيغي: يوسف بويحيى
لا أنكر أني قرأت الماركسية بتمعن شديد دون أن أنجر إلى الجانب المظلم للعالم “كارل ماركس” في العديد من النقاط ،والتي لدي إعتراض شديد عليها و تأويل مغاير عما هو متداول في الوسط الفكري ،يمكن القول أني قرأته بحسن نية مني و تنقيب إيجابي جدا كي لا أنصهر كما حصل للعديد من الشعوب جراءه ،فكل ما يهمني ذكره هنا هو الجانب العلمي من نظريات “ماركس” العلمية الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية مقارنة بفلسفة “أوجلان” الطوباوية.
كان لكل من الفيلسوف “جاك دريدا” و “جيل دولوز” و “ميشيل فوكو” و البقية دراسات طويلة في تفسير فلسفة “ماركس” من الناحية العلمية ،إلا أنها تبقى دائما موضع كم من التناقضات التي إعتبرها ماركس أساس و صيرورة مشروعه المبني على الصراع و الديالكتيك ،لم يختلف هؤلاء الفلاسفة مع نظرة ماركس في حركة الفكر و المجتمع و التاريخ كونهم علماء إجتماع قبل كل شيء ،فهل كان “اوجلان” يعي العمق المجتمعي؟!.
لقد إعتمد “ماركس” على التاريخ و المادة و الوعي و الديالكتيك العلمي وفق معادلاته الرياضياتية التي تقبل الإسقاط على كل من الفيزياء و الكيمياء و التسارع و حركة المادة و المجتمع…،بينما كل الإستفهام يطرح بشأن ماذا إعتمد “أوجلان” في نظرياته؟!.
إن كتابات “أوجلان” في مضمونها لم تنبني على أي بعد علمي ،وليس لها أي مرجع و أساس و ركيزة ،بعيدة كل البعد على ما يسمى النظرية العلمية ،مجرد كلام سطحي لا يمد العلم بأي صلة من الصلات ،وينطبق عليها قول الفيلسوف “برتراند راسل” أنها مجرد ثرثرة تسعى إلى التخلص من الثرثرة.
لم يدرك “أوجلان” أن أهم الركائز الأساسية للنظريات الماركسية و تطورها تكمن في التاريخ الذي أنكره بشكل قطعي ،وعلى هكذا طرح كيف يمكن لأوجلان أن يحرر كوردستان روجافا و بنفس الوقت ينكر وجودها و الكورد فيها تاريخيا ،لم يستوعب أوجلان و اتباعه المثقفون أن حركة التاريخ هي التي توجه وعي الإنسان بإحتكاكه أو صراعه مع المادة ،بمعنى نفس ما طرحه “فريدريك هيكل” بخصوص ديالكتيك الفكرة بين الوعي و اللاوعي ،فرغم أن مفهوم الديالكتيك عند ماركس يخالف قطعا وهو نقيضه المباشر لدى “هيكل” إلا أن حركة التاريخ و مفهوم التاريخ يبقى له نفس المعنى المفاهيمي عند الإثنين.
لم ينكر “ماركس” الوعي الوطني أبدا و إعتبره أساس المشروع الأممي ،فلو نكره لوقع في تناقض قاتل و أسقط مبدئية التاريخ التي بنى عليها بحوثه و نظرياته ،فكان كتاب ماركس بعنوان “الإديولوجية الألمانية” بمثابة الحجة التي خطأت ما تبناه “ستالين” ،حيث أن  نكران “أوجلان” الوعي الوطني عبر مراحل بمثابة نكران التاريخ و الجغرافيا و الذات ،فهل “أوجلان” حقا درس فلسفة “ماركس” قبل أن يشرع في الكتابة؟!، شخصيا أؤكد أن “أوجلان” لم يفهم حرفا واحدا من ماركس.
لم ينكر “ماركس” الوعي القومي للذات ،وإعتبر بلوغ المشروع الأممي صورة تعكس إيجابا قمة ذاك الوعي القومي الفطري الراسخ ،فبسبب جهل هذه النقطة العلمية إنزلق العديد من الكتاب و السياسسين سلبيا في سحق الآخر المختلف أمثال “ستالين” و “كاسترو” و “جمال عبد الناصر” و “صدام حسين” و “معمر القدافي” و “خالد بكداش” إلى الجري وراء الأوهام…،بينما أن “ماركس” الواضع لأسس هذه النظرية لم ينسلخ على قوميته اليهودية نهائيا ولم يدعو للصراع القومي إلى أن مات ،لقد سلك  “أوجلان” نفس طريق هؤلاء بإتجاه سحق قوميته الكوردية من أجل بناء مجتمع و نظام أممي إستبدادي عربي تركي فارسي ،بينما النظرية العلمية و الفهم الماركسي لها تعني العمل على بناء الأمة عن طريق التعايش و القانون و العدالة الإجتماعية و دولة المؤسسات تحت إطار واحد يسوده العدل و الحق و الواجب ،وتبقى القوة في يد الشعب كأمة و ليس الحاكم الفرد أو النظام.
إن موقف “ماركس” من الدين ليس موقف صراع و رفض العقيدة ،مدركا أن الدين مسألة لا يمكن تجاوزها ثقافيا أبدا، كون “ماركس” عالم علم إجتماع قبل أن يكون إقتصادي ،فمن الناحية النضالية كان صراع ماركس مع الدين السياسي ،أي كما نراه اليوم في تصاعد الجماعات الدينية إلى السلطة ساحقة إرادة الشعوب من التحرر و الإنعتاق من الديكتاتورية الليبرالية و الشيوعية ،فهنا يجب أن نفرق بين ماركس الإنسان و المناضل ،فمقولة “الدين افيون الشعوب” كان المقصود بها الكنيسة المتحكمة في القرار السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي و ليس العقيدة ،،هذا ما لم يفهمه “أوجلان” عندما هاجم على الأديان بطريقة غير مقبولة و كذلك أغلبية الإسلاميين “كيوسف القرضاوي” و “طارق رمضان” و “عبد المجيد بن باديس” و “محمد الفيزازي” و “حسن الكتاني”…الذين لم يفهموا من الماركسية العلمية سوى الشرك و الكفر…،رغم أنهم عاجزون كل العجز على تفسير كتاب “الرأسمال” بطريقة علمية مغادلتية ،خلال هذا كان كل هم ماركس في الحد من الصراعات الدينية و إيقاف إستغلال الشعوب من باب الدين السياسى بشتى أنواعه ،كما سعى إلى قلب الطاولة على الرأسمالية و الإمبريالية التي تحتكر الحجر و البشر.
كان جل تركيز “ماركس” ينصب في الوعي الطبقي بالدرجة الأولى ،إمتدادا لتكريس قوة الشعب ضد الديكتاتورية و الإستغلال عن طريق الرأسمالية المتمثلة في الطبقة البورجوازية التي تستفيد من وفرة الأرباح الطائلة دون بدل مقدار جهد الطبقة العاملة المسحوقة ،بناءا على هذا الخضوع و السيطرة الرأسمالية ستبقى شعوب العالم تحت سيطرة حفنة من البورجوازية المحتكرة لوسائل الإنتاج ،أي بالضبط ما نراه الآن تمارسه كل من أمريكا و أروبا و إسرائيل و روسيا على شعوب قارة آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية….فطرح “ماركس” هذا نراه يتعارض كليا مع  فكر “أوجلان” و عمله السياسي و نهجه الإقتصادي ،بمعنى أن الإنسان الكوردي المضطهد جد محتقر لدى “أوجلان” ،ومثقل بضرائب جائرة قصد تفقيره و شل تفكيره عن العالم الخارجي ،أي أن سياسة “أوجلان” جعلت النظام السوري و التركي أقوى بينما جعلت الثورة العمالية و الشعبية الكوردية تعود للوراء إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا….
لم يصل “أوجلان” إلى فهم أن قضية النضال و الثورة لا يمكن العمل عليها بنهج شمولي ،كونه لم يقرن العمل الثوري بمعادلة الذبذبات الكهرومغناطيسية للعالم الفيزيائي “ماكسويل” ،خلالها لابد لأي مرحلة نسبية من تضمين وسع المدى الممكن الوصول إليه حسب مقدار الجهد و الطاقة ،والحقيقة أن “أوجلان” كان يريد كل شيء حسب خطابه دون أن يكون عن علم بجزء بسيط من ذاك الشيء.
كان إيمان “ماركس” بنجاح الثورة يكمن في سلك العلم و الفكر ،فلم تنجح أي ثورة عبر التاريخ إلا بنضج الفئة الشبابية المثقفة ،وتبقى مسألة النضال قضية أجيال على حد قول المفكر الأمازيغي “مولود معمري” ،ما يطرح تساؤلا كبيرا هل كان “أوجلان” يشجع العلم و التعليم في ربوع كوردستان؟! ،هنا سأقول أن “أوجلان” حارب التعليم بشكل واضح محاولا إنتاج جيل كوردي جاهل يسهل تسويقه ،ونفس النهج الخبيث مازال يمارس في جامعات و مدارس كوردستان روجافا عن طريق الإدارة الذاتية و خصوصا على المكون الكوردي بالذات ،لأن كوردستان روجافا معقل الفكر و النهضة و التنوير على مستوى باقي الأجزاء الكوردستانية الأخرى.
إن “أوجلان” أثبت ضعفه المعرفي في الكثير من الأشياء التي لا يفهم فيها سوى ما يفهم الحداد في تجارة الحرير ،كما إتضح أن مؤلفاته الضعيفة و سياسة الأنظمة الغاصبة من مصدر واحد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…