توفيق عبدالمجيد يكتب سيرته ويمضي كي يقرأها وحده

إبراهيم اليوسف

لم أكن أعلم، أن الاتصالات الأخيرة من قبل توفيق عبدالمجيد، بي، و هكذا بالنسبة إلى كتاباته في الأسابيع الماضية إلي، عبر الواتس، والتي عدت إليها صباح اليوم، لأقرأها مرة أخرى، وفيها الكثير ما يشبه الوصية، والتقويم، لشخصيات خبرها عن قرب، أنه كان يودعني خلالها، إذ إن فيها جانبين: ما هو شخصي، وما هو عام، ولا أستطيع التصريح بها، الآن، وإن كان قد خطط لقول الكثير منها، في مذكرات لم يتمكن من تدوينها، بعد تجربته الطويلة، وألم معاناته مع وسط لا يعيش فيه إلا الممالقون.
ثمة أمران مهمان ركز عليهما خلال اتصالاته، هذه، أولهما ضرورة أن أعمل مع مشروع تأسيس جمعية الصداقة الكردية/ الأوربية التي أعلن عنها أحد الأصدقاء، وكان يضغط علي، ويستخدم كل رصيده في هذا ليقنعني بأن أقف إلى جانب المشروع، وأن نمنع بعض النهازين للانخراط فيه، وقال: سأزودك بأسماء هؤلاء…!
الأمر الثاني الحديث عن مشروع كتابي له، وقد سأل عن أحد مؤلفات الكاتب الراحل علي أبي ذراع: ابن قامشلي، ليكون مرجعاً له، وهو ما أعتقد أنه لم يتمكن من العمل عليه، بالرغم من أنه أكد لي بأن وضعه الصحي تحسن، وكان ينوي إكمال دراسته في الدكتوراة- قسم الإعلام- ناهيك عن تفاصيل أخرى، كان يبوح بها لي كصديق مقرب إليه، لا يقولها لأحد نتيجة كبريائه، وأنفته، إذ يقول لي في إحدى أواخر رسائله وهي التي حررت في تاريخ 19 يوليو2018″ أمس، اتصل موظف في الائتلاف بي لأعمل لديهم، فقلت له: لقد فات الأوان. عندما كنت بحاجتكم لم تسألوا عني، والآن لست بحاجتكم” . حقيقة، قد يبدو كلام أبي نيرودا -هنا- غامضاً، إلا إذا علمنا أنه في بدايات انضمام المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف كان من عداد المفرغين فيه- كمستشار لنائب رئيس الائتلاف- أي د. حكيم بشار، إلا أنه تم الاستغناء عنه، بعد مغادرة د. حكيم لموقعه، وكان يشير إلى أن الصديق مصطفى أوسي عمل جاهداً لاستمراره في عمله، إلى لحظة استقالته” وعلمت تالياً أن الصديق كومان حسين أيضاً اقترح عليه مؤازرته فرفض”..!
 
تعرفت على الصديق أبي نيرودا، وأنا طالب مدرسة بعد، ثم لأصبح زميلاً له، ونعمل معاً في أكثر من مدرسة: عربستان- هيمو- معهد إعداد المعلمين والمدرسين، ولينضم إلى منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف، يحضر معنا اجتماعات المنظمة باستمرار. يدير أول مؤتمر لها مع الراحلين: الشيخ عبدالقادر الخزنوي و والشيخ عبدالرزاق جنكو، باعتبارهم الأكبر سناً، من بين أعضاء الجمعية، بالإضافة إلى من كانت الأصغر سناً، ونسيت اسمها الآن،  إلى أن يتضاد ذلك مع عمله الحزبي، ما جعله يترك هذا العمل، وليكون سفيراً لنا بين رفاقه، لاسيما د. حكيم بشار الذي كان وجدناه معنياً، في تلك الفترة، بالمنظمة، واقترح أن يحضر ممثلون- مستقلون من قبلنا- مؤتمرات البارتي، إلا أن ذلك لم ينفذ، بسبب سفري إلى الخليح، وتوقف أبي نيرودا عن العمل معنا- بعد مؤتمرعامودا الثاني في بيت الزميل عبدالله دقوري- وإن كان مستمراً إلى جانبنا في رابطة الكتاب والصحفيين/ الاتحاد العام للكتاب والصحفيين، ولأكن صادقاً، فقد كان أول كاتب وافق على الانضمام إليها” وعقدنا أحد أول اللقاءات بحضوره مع علي الجزيري وأكرم الملا” وآخر مع الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي والشهيد مشعل التمو و الصديق ماهين شيخاني أمد الله في عمره” وراسل لأجل الرابطة الرئيس مسعود بارزاني، واستلم منه برقية تهنئة لنا، إلا أن أسباباً عديدة كانت تدعه لئلا يعلن عن انضمامه معنا، سأتوقف عندها ذات مرة، ليفعل ذلك مع بدايات الثورة السورية، وعمل ذلك إلى لحظة محاولة بعضهم- من غيرالكتاب- التأسيس لهيئة اتحادية حزبية، ووجد بعضهم دعمها لأغراض حزبية صرفة، والتقى” رفاقه و ب ي د” لأول مرة، في مؤتمر مطعون في أسباب دواعيه وشرعيته، وفشلت جهوده في أن يجعلنا نعمل معاً، واعداً إياي أن يبقى في اتحاده، في ليلة المؤتمر الانشقاقي، ليكتب إلي بعد ساعات ما معناه:
صديقي إبراهيم، سأفضي إليك بسر:
لا تسألني لم، ولا تقل ذلك لأحد
أنا مكره أن أحضر المؤتمر الجديد
ثم ليقول لي بعد سنة:
الفرصة متاحة، تعال ليتحد الاتحاد والرابطة، ثمة من سيتركون الرابطة، نتيجة”……” كذا، وأشار إلى أسماء، لم أكن لأصدق أنها ستترك الرابطة..!” وصدق في ماقال”..!
وبالرغم من أنه كان ممن أداروا المؤتمر، إلا أن هناك من أوعزوا بعدم الإيفاء بوعودهم له، وذلك لمعرفتهم بأنه ميال إلى رابطة الكتاب والصحفيين، التي عاد إليها، بعد سنتين، أو أقل ليكون نائب رئيس تحرير جريدة- القلم الجديد “بينوسانو” وأن يظل بعد انتهاء مهمته عضواً في اللجنة الاستشارية إلى لحظة رحيله.
عندما اتصلت بي، صباح اليوم كريمته ديلان، ورأيت رقمها على الهاتف، في وقت مبكر، كاد قلبي أن يتوقف، إذ أدركت أن سوءاً قد حصل، ولا أدري كيف أجبت على المكالمة، لأراها تنفجر بالبكاء:
عمو، كما وصية أبي، أتصل بك، أولاً، حتى قبل أن أعلم أمي وكل أهلنا. صديقك رحل. لقد اتصل بي مسؤولو المشفى صباحاً وقالوا: أسرعي، تعالي، وحين وصلت أخبروني بالنبأ
عمو
هل أنشر الخبر؟
نعم انشره، الآن سأعلم أمي وأهلنا…..!
ظللت لبعض الوقت غير قادر على عمل أي شيء. حصل لي ما حصل لي عندما تلقيت نبأ استشهاد الشيخ معشوق خزنوي، أو نبأ وفاة الصديق أكرم كنعو ونبأ استشهاد مشعل التمو، أو نبأ وفاة الشيخ عبدالقادر الخزنوي، وأمي وأبي. حاولت أن أفعل شيئاً. أن أكتب نعوة الاتحاد برحيله، إلا أن قوة هائلة كانت تشلني، لبعض من الوقت. شربت كأساً من الماء، وقلت في نفسي:
الوفاء لأبي نيرودا يتطلب أن أتصرف، كما يلزم، فهو من أعلمني بمرضه، ونشرنا بياناً بذلك قبل أشهر قليلة، وإن لم نكتب كل ما أراده، تقديراً منا لبعض من حوله. لأن هناك من خذلوه. من آذوه في حياته، وثمة من يعرفهم واحداً واحداً، أسماء ومواقف، لاسيما من عادوه، وألبوا عليه، نتيجة مواقفه
يتبع…..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…