«البارتي» و إستحالة منصب الرئاسة

الأمازيغي: يوسف بويحيى
بينما كان الكل يتوقع سقوط “البارتي” في مضمار الإنتخابات العراقية نتيجة خسارة كركوك و الحصار الإقتصادي بذريعة الإستفتاء ،إلا ان الشعب الكوردي كان له رأي آخر أسقط به جميع الرهانات التي تم وضعها كتخمينات من قادة العراق و الأنظمة الإقليمية.
بعد ان تصدر “البارتي” نتائج الإنتخابات عراقيا و كوردستانيا ،فشلت كل الخطط السياسية التي هندستها إيران و القوى الشيعية و السنية العراقية لتقزيم حزب البارتي في العملية السياسية العراقية ،خلالها قال “مسعود البارزاني” لقد أسقطنا كل الرهانات و حطمناها ،على واقع هذه النتيجة الكبيرة تبعثرت الأوراق و بوصلة قادة العراق بشكل كبير ،إذ لم يتبقى لهم سوى اللجوء لطاولة الحوار و عليها قال “نيجرفان بارزاني” نحن من فرضنا على الآخرين ان يجلسوا على طاولة الحوار.
كان حزب “البارتي” لا يطمح إلى منصب الرئاسة نهائيا ،بل يفضل مناصب سيادية في الحكومة العراقية عوض الرئاسة ،متوقعا أن يتم التوافق الكوردي حول مرشح واحد من أي حزب كوردي متنازلا على استحقاقه كونه الحزب الكوردي الأول في البرلمان العراقي ،هذا العرف لم يحترمه حزب “اليكتي” فبينما الكل كان يتوقع الدفع بالسيد “ملا بختيار” إلا أن المفاجأة كانت إعادة “برهم صالح” الى “اليكتي” و ترشيحه دون إتفاق المكتب السياسي لحزب “اليكتي” اولا و دون الكتل الكوردية الأخرى ،خلالها حاول البارتي جاهدا في التقارب الكوردي الكوردي مقترحا إحترام العرف المتعارف عليه ،إلا أن قادة “اليكتي” خصوصا الطالبانيين ينظرون إلى هذا المنصب كملك لهم و لا يحق لأي حزب آخر أن يتقدم له ،هنا بدأت الإشكاليات و الخلافات بين البارتي و اليكتي.
قيادة البارتي كانت تعلم جيدا أن ترشيح “برهم صالح” كان بتوافق إيراني و أمريكي ،ما يؤكد أن حظوظ البارتي منعدمة في الظفر بمنصب الرئاسة ،حيث كان إصرار البارتي على المشي قدما نحو البرلمان بمرشحه هو رفض “البارزاني” لمقترح إيران و أمريكا بخصوص القبول بمرشح اليكتي “برهم صالح” الذي لم يكن ضمن حسابات البارتي و الشعب الكوردي ،كان من وراء هذا الإصرار الطعن في مصداقية منصب الرئاسة في نظر رأي الشعب الكوردي و الإقليمي و الدولي و وضع خطوط بينه و الحكومة الكوردستانية التي ستشكل بقيادة البارتي ،لهذه الخطوات أبعاد سياسية و ديبلوماسية على الساحة الدولية و الإقليمية ستظهر في المستقبل القريب بعد تشكيل الحكومة العراقية و التعاطي مع الأحداث..
إن مكامن إشكالية مسألة العرف المتعارف عليه الذي يتم به ترشيح المرشح إلى منصب الرئاسة ،يكمن في أن حزب “اليكتي” لا يوافق على المرشح إلا إذا كان من حزبه ،بينما يرفض قطعا إقتراح أي حزب آخر ،أي أن العرف منذ وضعه إتخد مجرى و قرار حزبي واحد ،وأي إقتراح كوردي غير حزب اليكتي بخصوص ذلك مرفوض و غير مقبول لدى قادته ،ما يدل على أن هذا العرف لا اساس له عمليا مادام أنه قرار شخصي يؤمن بمبدأ إما أنا او لا أحد.
فيما يخص القرار الذي تقدم به قادة بغداد سابقا بخصوص إعطاء منصب رئاسة الجمهورية للزعيم “مسعود بارزاني” ،للتوضيح أكثر أن المنصب منح للبارزاني كشخص و ليس لمرشح حزبه ،هذا الذي تم رفضه في أوانه ،كون قبوله من طرف البارزاني ذاته يعتبر طعن بطريقة غير مباشرة في مكسب الإستفتاء و مشروع الإستقلال و إحباط ما بناه “البارزاني” إبان تدويل القضية الكوردية دوليا ،مع العلم أن هذه الخطة كانت من حياكة إيران و قادة بغداد لكن تم رفضها ،مقابل ذلك تم الدفع بالسيد “فؤاد حسين” الذي يقال بأنه مستقل.
قبل أسبوع من الإنتخابات الرئاسية كانت كل المعلومات عند “البارزاني” بخصوص نوايا الكتل العراقية الشيعية و السنية التي لن تصوت لمرشح “البارتي” نهائيا ،مصدر المعلومات كان من سياسيين كبار و رجال استخبارات وطنيين من العراق ،حيث هناك من جاء بنفسه للعاصمة “هولير” و هناك من إتصل هاتفيا و هناك من أرسل مرسوله الخاص إلى الزعيم “بارزاني” ،ومع ذلك لم يقرر “البارتي” سحب مرشحه لأهداف أخرى تكمن أبعادها في معرفة الحلفاء الجدد و أهمية تعيين منصب الرئاسة بتلك الشاكلة لما سيكون لها من ردود و ثغرات في الواقع السياسي القادم.
الملاحظ أن بيان حزب “البارتي” في إجتماعه الأخير برئاسة “مسعود بارزاني” يحمل في طياته أشياء كثيرة وضع عليها النقاط بشكل واضح و صريح ،هذه النقاط تنصب فيما أسلفته في منشوري السابق بخصوص زوبعة و مسرحية الرئاسة ،فقد كانت الكلمات المستعملة في البيان بخصوص تشكيل الحكومة العراقية أكثر من رسالة إلى الحلفاء الأعداء في بغداد ،وحسب اللغة السياسة فمعناها واضح للكتل العراقية
الأيام القادمة كفيلة بأن تظهر الحقيقة للشعب الكوردي و الأرض خير الحاكمين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في قلب الأناضول، حيث تلتقي رياح التاريخ بنسمات الحداثة، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مفترق طرق مصيري. ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العاصفة، لكنها قد تكون الأخيرة التي يمتلك فيها زمام المبادرة قبل أن تتحول العاصفة إلى إعصار يكتسح ما تبقى من مشروعه السياسي، بل ويهدد استقرار تركيا ككل، ويمتد تأثيره إلى…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف الضباط الكورد المنشقين عن نظام الأسد البائد ومرافقهم المدني، من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أثناء توجههم إلى إقليم كوردستان عبر الحدود السورية – العراقية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ لحظة اختطافهم إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي من المرتقب عقد مؤتمر بُغية توحيد الموقف السياسي الكوردي، نجدد دعوتنا للمؤتمر…

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…