ابراهيم محمود
13- للذين منحوني من ضيافة روحهم الكثير الكثير
سأنطلق هنا، من مقولة ” إذا خِلْيتْ بِليتْ “. ثمة دائماً من يهتم بأمرك، من يفتح لك صدره، قلبه، روحه، بأكثر من طريقة. ولقد لامستُ في هذا القليل الكثير قيمة، الكثير من الاهتمام والتقدير، من لهم صلة بالثقافة الفعلية، في قلتهم القليلة والواعدة، ومن هم عاديون، وهم ذوو مناهج، أو مذاهب في الضيافة القلبية قبل البيتية، وفي هذا المناخ الحار، والقلق المقروء في الوجوه .
إنما أستسمح هؤلاء القلة من الأصدقاء، وهم ذوو ظل وارف بودهم، عذراً، وأنا أتوقف عند إنسان عادي ثقافة، لكنه ممتلىء كرماً وتقديراً، وإن كان لي به قرابة، وهو كونه عديلي.
أن أمضي، أنا وعائلتي، شهراً في بيته، فلا بد أن هناك آخرين أيضاً، ممن أشرت إليهم، وهم يشددون على وجوب الإقامة عندهم، في بيتهم، وذلك كرم مرادف ومؤكد .
إنما الذي أركّز عليه، هو أن عديلي هذا، خصص لي غرفة كاملة، من أصل غرفتين، لأريح فيها نفسي، وأتابع أموري الخاصة في القراءة والكتابة، حيث لزِم علي إنجاز ما هو مطلوب مني من مركز عملي الجامعي بأسرع وقت، وقد تحقق ذلك، على وقع هذا الكرم الآخر، وأعني به ترجمة المتبقي من كتاب المفكر التركي اسماعيل بيشكجي ” انبعاث كردستان الخيالية “، للدفع به إلى الطبع في أسرع وقت .
غرفة كبيرة، هي الوحيدة لاستقبال الضيوف، وتخصَّص لي، أثارت في نفسي الكثير، جهة التأثير، وعلَّمتني الكثير مما هو خفي، أي ما يمكن للناس البسطاء أن يقدّموه لك دون توقع، وكلهم رغبة في أن توفير الراحة لك، ليس بالأمر السهل تمريره دون تفخيم أثرها.
شهر كامل، أمضيته في مصادقة هذه الغرفة التي يمتزج فيها الطين بالاسمنت، وهي بأثاثها التقليدي، شهر أخصب خيالاتي كثيراً، إلى درجة أنني، وأنا أستلقي على اسفنجة الغرفة، ومروحة السقف تئن وتئز، كنت أدقق في كل مكوناتها، في لون يعنيها، من الباب الحديدي، والشباك الكبير المطل على فِناء البيت، إلى السقف التقلدي، إلى الخزانة التقليدية التي تضم كؤوساً مختلفة، وفناجين قهوة، وصوراً لأفراد العائلة، وطاولة، ومسجلة بدت وكـأنها ديكور، وانتهاء بالطاولة الكبيرة التي نصِبت في قلب الغرفة أسفل المروحة السقفية تماماً، لأكون أكثر راحة، لحظة الكتابة أو القراءة مع كرسي بلاستيكي مريح نسبياً .
مكان كهذا يعلّم، ويمكنّ القلب من الانفتاح على الوسط، في حالات مختلفة، أكثر من أي مكان آخر، يكون مخصصاً لحالات كهذه. وأناس بسطاء، صرحاء، لا يخفون في أنفسهم أي ركيزة لحساسية معينة، أو موقف مسبق، مع لائحة مدروسة من المسوغات الضالة والمضلة. إنهم من حيث تكوينهم، ولأقل: جبلَّتهم، جديرون بأن يقدَّروال، أن يعطوا دروساً في التفاني الخلقي، وفي كيفية استضافة الآخرين، حتى وإن كانوا في وضع مادي صعب، حتى وإن كان المكان لا يسع ولا يتحمل كل هذه المدة الزمنية الطويلة نسبياً، وفي مثل هذا الوضع، بعيداً عن أي مرجعية من نوع ” كما قال فلان ” أو ” بتعبير فلان “، أو ” تبعاً لكلام فلان “. فتعبيرهم المكين هو في سلوكهم المباشر، وفي كلامهم المباشر، ومنهم يكون تلقّي الدرس الناجع في المحبة، أو في كيفية بناء العالم حولك، وداخلك، ومن خلالهم، يمكن الانطلاق إلى العالم، الارتقاء بشجرة الروح وهي أكثر خضرة، رونقاً، عبق رائحة، ديمومة أثر .
شكراً لعديلي محي الدين ” bavê Șahîn” و” diya Șahîn ” زوجته، شكراً لـعديلي الآخر على كرم ضيافته هو الآخر ” ” bavê Rabîn وزوجته” diya Rabîn “.
شكراً للمكان الذي قدمتُ إليه غريباً بصورة ما، وخرجت منه، وقد تقدمتهُ أهلاً بأكثر من معنى.
شكراً للغرفة التي كنت أغلقها علي، لأفتح فضاء لخيالاتي، وأعيش نهرية الكتابة .
” صور من داخل الغرفة الحميمة “