انتقائية تطبيق الوثائق القانونية الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نموذجاً)

مصطفى أوسو
في احتفالاتها بـ “اليوم الدولي للسلام” هذا العام اتخذت الأمم المتحدة شعار: “الحق في السلام – 70 عاماً منذ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، لإبراز أهمية هذه الوثيقة التاريخية الصادرة عن جمعيتها العامة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948، التي أكدت على ضرورة عدم التمييز واحترام حقوق الإنسان في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية والفكرية والدينية.. وغيرها، من قبل الأفراد والجماعات والدول، دونما إبطاء أو مماطلة أو تسويف.
والإعلان في خطوطه العامة يتضمن جميع المواضيع والقضايا لمتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بما فيها الحق في السلام وعدم جواز التمييز العنصري والحقوق المدنية والسياسية، كالحق في الحياة والتحرر من الاسترقاق والاستعباد وعدم التعرض للتعذيب والعقوبات القاسية أو الحاطة بالكرامة والحق في الشخصية القانونية والحق في الحماية المتساوية من أي تمييز والحق في المحاكمة العادلة والحق في عدم الاعتقال والاحتجاز التعسفي أو النفي القسري وحرية التنقل وحق اختيار مكان الإقامة والحق في الجنسية وفي التملك وحرية الفكر والعقيدة والدين والحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية وفي تقلد الوظائف العامة وحرية التصويت، إضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كالحق في الضمان الاجتماعي والحق في العمل وحرية اختياره والحماية من البطالة والحق في أجر متساو للعمل يكفل للعامل ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان والحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها حماية لمصالحه والحق في الراحة وأوقات الفراغ وتحديد معقول لساعات العمل والحق في مستوى معيشي كاف للصحة والرفاهية والحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وحق الأم والطفل في المساعدة والرعاية الخاصتين والحق في التعليم والحق في الاشتراك في حياة المجتمع الثقافية.
ورغم الأهمية النظرية لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر الوثيقة الدولية الأهم والأشمل للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، إلا أن فرضها وتطبيقها من قبل المؤسسة الدولية في الواقع العملي اصطدمت منذ صدورها وحتى الآن بواقع تجاذب أجندات ومصالح الدول الأعضاء في هذه المؤسسة الأممية – المتنفذة منها خاصة – فطٌبقت أحياناً وتم تجاهلها مراراً وتكراراً، رغم الأهوال والفظائع الناجمة عن خرقها من قبل أنظمة الدول الاستبدادية والشمولية/التوتاليتارية والديكتاتورية..، الأعضاء فيها وانتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان.
وللتدليل على ذلك نستعرض بعض الوقائع المتعلقة بـ “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة” و “حق الشعوب في تقرير مصيرها” – علماً أن هاتين القضيتين يشملهما النصوص العامة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وردت تفاصيلها في وثائق لاحقة – ومواقف الأمم المتحدة المتناقضة تجاهها، تبعاً لمكان وقوعها بالنسبة لـ “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، أو الدولة المطلوب تطبيقه بالنسبة لـ “الحق في تقرير المصير”. ففي الوقت الذي عجزت فيه الأمم المتحدة عن إدانة استخدام العنف من قبل “النظام السوري” ضد المدنيين وقمعهم خلال التظاهرات والاحتجاجات السلمية، وملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب “جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية” فيها، طوال سنوات الأزمة السورية، ولم نسمع صوتها إبان العدوان التركي على منطقة عفرين واحتلالها بمساعدة بعض ما تسمى بـ “فصائل المعارضة المسلحة السورية” المرتبطة بها، وما رافقهما من انتهاكات فظيعة لحقوق المواطنين فيها، و “الكوارث” و “المآسي” و “جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية”. نلاحظ أنها استطاعت في أوائل تسعينيات القرن الماضي – بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة – إنشاء محكمتين جنائيتين خاصتين في يوغوسلافيا السابقة وراوندا، لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، نتيجة النزاعات التي دارت في هاتين الدولتين. 
وفي سياق أخر قامت الأمم المتحدة بالمساهمة في الاستفتاء على الاستقلال/الانفصال، في عدد من دول العالم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إعمالاً لمبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، حيث استقل استناداً لذلك كلً من: “سلوفينيا” و “كرواتيا” عام 1991، و “البوسنة والهرسك” عام 1992، و “إقليم كوسوفو” عام 1999، و “الجبل الأسود” عام 2006، عن يوغوسلافيا السابقة، واستقل “تيمور الشرقية” عن اندونيسيا، ليتم رفع علمها أمام مقر الأمم المتحدة في عام 2002، كدولة مستقلة، واستقل أيضاً “جنوب السودان” عن السودان عام 2011.
ولكنها – الأمم المتحدة – سرعان ما وقفت ضد إرادة السكان المحليين في “إقليم كردستان العراق” عند إجراء استفتاء الاستقلال/الانفصال عن العراق في 25 أيلول/سبتمبر عام 2017، رغم تصويت (92،73%) منهم لصالحه، وهو ما جرى بالضبط في “إقليم كتالونيا” عندما قرر سكانها المحليين تنظيم استفتاء الاستقلال/الانفصال عن اسبانيا في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2017، والذي جاء نتيجة التصويت فيه (90%) للاستقلال أيضاً.
هذه الانتقائية في تطبيق الوثائق القانونية الصادرة عن الأمم المتحدة التي يفترض بها أنها مؤسسة تمثل ضمير العالم وأمل الشعوب المقهورة في سعيها نحو الحرية والعدالة والمساواة، أفقدها الكثير من الاحترام والهيبة والمصداقية، وأدى إلى تعريض السلم والأمن الدوليين لمخاطر جدية قد تكون عواقبها وتداعياتها المستقبلية أكبر بكثير مما نشاهده الآن أن لم تتم تداركها، والتي لن تأتي إلا باحترام الشرعية الدولية وإعادة الاعتبار لها، والعمل على تنفيذ وتطبيق قراراتها على جميع الدول بنفس المعيار، وهو ما يتطلب أيضاً اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصلاحها وإدخال التعديلات اللازمة على ميثاقها وآليات عملها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…