صاحب فلسفة أوجلان الايكولوجية موراي بوكتشين

جان كورد – 19/9/2018
حزب العمال الكوردستاني الذي تخلى عن كورديته وكوردستانيته منذ اعتقال واختطاف زعيمه السيد عبد الله أوجلان، شرع يبحث عن أفكارٍ جديدة ومعتقداتٍ سياسية غير (حرية واستقلال كوردستان وإقامة النظام الماركسي – اللينيني) لتبريرخروجه على فكرة حركة التحرر الوطني الكوردستانية المؤمنة بسياسة “المرحلية في الكفاح”، فوجد زعيمه ناقته الضالة عبرقراءة الكتب العديدة التي جاءته من أصدقائه ورفاقه وأتباعه من خلال نافذة الاستخبارات التركية ومنها بعض كتابات فيلسوف “الفوضى الايكولوجية” موراي بوكتجين الذي يرفض الهرمية التنظيمية والقوالب الكلاسيكية في العمل السياسي – الاجتماعي، ويطرح فلسفته في العديد من الكتب والدراسات والمحاضرات والنشاطات المختلفة، إلى أن وافته المنية في 30/8/2006 بمدينة بورلينغتون (ولاية فيرمونت) الأمريكية كإبن مهاجر روسي. 
وانتشرت أفكار هذا الفيلسوف في حزب العمال الكوردستاني من خلال التربية السياسية اليومية على أنها من بنات عقل القائد (المعصوم!) عبد الله أوجلان المعروف بكثرة كتاباته التي فيها من التناقضات في كل بحثٍ من بحوثه ما يشيب له الولدان. ولنا كتابٌ غير مطبوع عن هذه التناقضات تحت عنوان (حزب العمال الكوردستاني – تراجعات وتناقضات). 
  من الطبيعي أن يتأثر الشاب موراي الذي ولد في نيويورك الصاخبة بتوالي موجات الملايين من المهاجرين القادمين من شتى بقاع الأرض إلى هذه المدينة العظيمة التي اختلط فيها الحابل بالنابل كما تقول العرب، من أصقاعٍ وقومياتٍ ولغاتٍ وألوانٍ وأديانٍ ومذاهبَ ومستوياتٍ علمية مختلفة، تشابكت مصالحهم وتفاعلت حياتهم، فاتجه صوب الليبرالية الاشتراكية، ومن ثم أسس لفكر (الفوضوية الايكولوجية) وأصبح مديراً لمعهد الايكولوجيا الاجتماعية (إي س اى) في بلينفيلد بولاية فيرمونت، وبروفيسوراً في كلية رامبو في نيوجيرسي، حيث كتب في حياته العديد من المقالات والكتب.
  إنضم موراي في التاسعة من عمره وهو مولود من أبوين يهوديين إلى مجموعة الشباب الشيوعي، إلاّ أنه ابتعد عن المجموعة التي كانت تسلطية بعد سنواتٍ قلائل، فعمل في مصانع نيو جيرسي وأصبح ناشطاً نقابياً، ثم خدم في الجيش الأمريكي، وبعد ذلك مارس عمله في صناعة السيارات، وترك العمل على أثر الإضراب العام لعمال (جنرال موتورز) الشهير في عام 1946. واهتم بعدها بالكتابة وبالبيئة فألف العديد من المقالات حول أفكاره في المجلات. ووجده الناس أحد المبادرين الأوائل في هذا المجال الذي يتعلق بالبيئة، فرفض التراتبية التي ابتدعها الإنسان للسيطرة على الطبيعة والمجتمع كما رفض العلاقات الخلقية السائدة وطعن في الفلسفة الكلاسيكية، حتى تم رصد وتحديد أفكاره في إطارٍ خاص يتسم بالفوضوية في الفكر والسياسة والحياة الاجتماعية، رغم تأثره الشديد بالفلاسفة الألمان وفي مقدمتهم عمانوئيل كانت، كما تأثر ب”ديموقراطية المدينة” (بوليس) التي وجدها عند بعض المدن اليونانية فيما قبل الميلاد (700- 500 ق.م)  والتي هي أصل فكرة (الكانتون)، إلاّ أن الثورة الاسبانية والحرب الأهلية في اسبانيا أثارت إهتمامه بشكل مدهش، فاستمر في العمل من أجل (الايكولوجيا الاجتماعية) وطالب باللامركزية، ثنائية السلطة الإدارة الذاتية، التنظيم الذاتي، والديموقراطية البسيطة المباشرة مع رفض الصراع الطبقي الذي وجده كلاسيكياً لا مستقبل له. 
في الحقيقة، ليس هناك من جديد فيما يقوله زعماء حزب العمال الكوردستاني وإصرارهم على أن هذه الأفكار من نتاج عقل سيدهم المطاع، وقد يقول أحدهم بأن المساهمة العظيمة للمرأة في كفاح الحزب أمر جديد، ولكن هذه النقطة بالذات هي إحدى الأمورالتي شغلت الكثيرين من مفكري العالم ومنهم الفيلسوف موراي الذي دعا إلى الاهتمام بالجانب السياسي – الاجتماعي للمرأة في مختلف أوجه حركته الايكولوجية الفوضوية، فماذا أضاف السيد أوجلان لهذه الأفكار حتى يزعموا أنها من انتاج حزبهم الذي سيتأثر بتطبيقاته العملية كل شعوب أوروبا، هذه الشعوب التي يظن أنصار أوجلان وأتباعه أنها تجهل كيف تبني مجتمعاتٍ ديموقراطية حقيقية وسعيدة وستأخذ بنهج أوجلان في المستقبل بالتأكيد. إلاّ أنهم لايعلمون أن هذه الحركة (الايكولوجيا الديموقراطية) اصطدمت مع كل أحزاب اليسار الأمريكي، ناهيك عن الأحزاب الكبيرة كالديموقراطي والجمهوري، وفشلت في الوصول إلى أي نقطة ارتكاز في النظام الديموقراطي الأمريكي.
وبالمناسبة، فإن الألمان الذين يجهلون كيف يبنون الديموقراطية ضغطوا على مستشارتهم بشكلٍ عنيف ليرغموا رئيس جهاز المخابرات الداخلية في البلاد إلى الاستقالة لمجرّد ملاحظة بعضهم أن إحدى تصريحاته “سياسية” ولا يحق له الاقتراب إلى السياسة باعتباره مسؤولاً أمنياً كأي شرطي آخر في البلاد. وتعلمون كيف أصبحت قضية حارسٍ فرنسي للسيد ماكرون قضية وطنية خطيرة رغم أن تصرفه غير اللائق كان شخصياً واعترف بذلك واعتذر.
فهل الأوربيون والكورد الذين يعيشون بين ظهرانيهم وتعلموا مع الأيام شيئاً عن الديموقراطية والايكوفانتازية الكثير بحاجة – فعلاً – إلى محاضرات السيد آلدار خليل ليعلهم الديموقراطية؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…