افتتاحية جريدة الوحدة (YEKÎTÎ) *
هذا الاسم أي (مزارع الدولة) أطلقته العقلية الشوفينية على مشروع الحزام العربي، في محاولة للإيهام بأن هذا المشروع يستند إلى اعتبارات اجتماعية اقتصادية، وذلك من أجل طمس حقيقته العنصرية، التي دعى لها منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي أحد الرموز الشوفينية المعروف باسم محمد طلب هلال، ضابط الأمن الذي عبّر عن عدائه السافر للشعب الكردي في كتابه المعروف الذي أدرج فيه سلسلة من المقترحات والمطالب الكفيلة، حسب رأيه، بصهر الأكراد ودرء الخطر الكردي المزعوم.
ومن ضمن تلك المقترحات تغيير التركيب القومي في محافظة الحسكة عن طريق تخفيض نسبة الأكثرية الكردية، وإسكان عشائر عربية في هذه المحافظة ، ومن هنا ترجمت حكومة الانفصال بعض تلك الأفكار عندما أجرت الإحصاء الاستثنائي 1962 بتجريد أكثر من (120) ألف مواطن كردي في حينه من الجنسية السورية، ثم جاءت حكومات البعث المتعاقبة لتطبّق مشروع الحزام 1973 القاضي بتوطين عشرات الآلاف من المواطنين العرب تحت غطاء غمر بحيرة سد الفرات لأراضيهم في محافظتي حلب والرقة.
وذلك في نطاق مواز للحدود مع تركيا بطول 300كم وعرض يتراوح بين 10- 15كم، تمّ فيه الاستيلاء على أراضي الملاكين الأكراد..
ولكي توفّر المزيد من تلك الأراضي اللازمة لهذا المشروع، أقدمت السلطات على تجاوز كل قوانين الإصلاح الزراعي المعمول بها آنذاك، شكّلت
لجنة اعتماد مهمتها حصر ملكية كل عائلة مالكة بملاك واحد فقط، وبذلك تسنّى لها بناء حوالي 40 قرية نموذجية في منطقة الحزام التي لم يحصل فيها أي من الفلاحين الكرد على الأراضي المستولى عليها من الملاكين، في حين انتفع البعض منهم في أراضي منطقة الاستقرار الثانية والثالثة خارج الحزام بعيداً عن قراهم بعشرات الكيلومترات.
وقد أحدث هذا المشروع في حينه، ليس فقط الاستنكار لدى المواطنين الكرد، بل كذلك التذمّر لدى المواطنين العرب وغيرهم، دون أن ينسى الجميع أن من حق الذين غمرت أراضيهم الحصول على تعويض مناسب، لكن ليس على حساب حرمان الآخرين…فليس من العدل أن يتحول هؤلاء إلى أدوات لمشروع عنصري، ويرضون بامتلاك أراضي أخذت ظلماً من مواطنين آخرين كتب لهم أن يكونوا أكراداً، ظلوا على الدوام ضحايا أبرياء لعقلية شوفينية تمارس سياسة الشطب على الشعب الكردي الذي لا مصلحة لأي مواطن عربي في حرمانه واضطهاده، بل بالعكس فإن المصلحة تكمن في إنصاف هذا الشعب لاستعادة دوره الوطني.
لكن تلك العقلية لا تزال تمعن في تطبيق تلك السياسة، ويتجلى هذا الإمعان في القرار الجديد الخاص باستئناف توزيع أراضي مزارع الدولة.
وحتى تكون صورة هذا القرار واضحة، لا بد من سرد بعض الوقائع والتطورات..وفي هذا الموضوع فإن المزارع التي ورد ذكرها في القرار المذكور هي من بقايا أراضي مشروع الحزام العربي التي لم توزّع في حينه على مستوطني الغمر، وبقيت حتى الآن تستثمر من قبل جهات مجهولة عملياً تحت هذا الاسم.
وفي عام 2000 أصدرت القيادة القطرية قراراً برقم / 83 / يقضي بحل مزارع الدولة وتوزيع أراضيها وفق الأولويات التالية:
1- الموظفين العاملين في دوائر مزارع الدولة لأنهم سيتعرضون للبطالة بناء على قرار الحل.
2- المستأجرون لتلك الأراضي والفلاحين العاملين بها على أساس وضع اليد قبل الاستيلاء عليها من قبل مزارع الدولة.
3- أهالي القرى المجاورة لأراضي مزارع الدولة.
4- الفلاحين المغمورة أراضيهم بسبب الفرات والسدود الأخرى ممن لم يتم تعويضهم.
لكن تنفيذ عمليات التوزيع حسب تلك الأسس خضعت للمماطلة والتسويف وطبقت بحدود البند الأول لتشمل عدداً محدوداً من الموظفين العاملين في مزارع الدولة، وتوقفت تماماً بعد أحداث آذار 2004 انتقاماً من الفلاح الكردي لتستأنف الآن بموجب الكتاب الجديد لوزارة الزراعة رقم /1682 / تاريخ 3 / 2 / 2007 وفق أسس جديدة أصبحت على الشكل التالي:
1-الفلاحين المغمورة أراضيهم.
2-المتضررين من محمية جبل عبدالعزيز.
3-أصحاب المعاملات الموقوفة.
4-باقي الفئات حسب الأفضلية المحددة.
وهكذا تم الشطب على الأولويات الثلاثة الأولى التي وردت في قرار حل مزارع الدولة عام 2000.
وتم إبرام عقود مع 150 عائلة عربية من منطقة الشدادي على مساحة 5600 دونم في عدة قرى كردية تابعة لمنطقة ديريك.
وبهذه المناسبة وبسبب التضليل الذي تمارسه السلطة لتحوير الحقائق ومحاولتها إحداث فتنة وتصوير الموضوع كأنه صراع بين العرب والكرد، وكذلك بسبب عجز بعض الأطراف الوطنية في المعارضة السورية عن فهم تلك الحقيقة لا بد من تسليط الضوء على الموقف الوطني الكردي، لكي يتسنى للقارئ السوري عموماً الاضطلاع على ما يخفى عليه من السياسة الشوفينية:
أولاً : نؤكد مرة أخرى أن المتضررين من سد الحسكة الجنوبي هم أصحاب حق يجب أن ندافع عنهم جميعاً، ونطالب بتعويضهم، فالفلاح مهما كانت قوميته، يجب أن يكون له أرضاً يستثمرها ويعيش من خيراتها.
لكن يجب أن يكون هناك فرق بين فلاح محروم من أرضه التي انتزعت منه بموجب مشروع الحزام العربي، ويعيش بجوار تلك المزارع التي يقضي قرار وزارة الزراعة بتوزيعها، وبين فلاح آخر متضرر لكنه يبعد عن تلك المزارع مسافة 250 كم، وللإضافة فقط نقول أن هناك بالمقابل فلاحين متضررين من سد اسمه (سفان) لا يبعد عن تلك المزارع أكثر من عدة كيلومترات، وقد تضرر من غمر بحيرته فلاحون لم تنصف هذه الوزارة بعد العديد منهم.
ثانياً : عندما نقول أن هذا القرار شوفيني فإننا لا نعني أن أصحابه هم أوفياء للجانب العربي من الموضوع، فالشوفينية تخون أبناء قوميتها، مثلما تضطهد أبناء القومية الأخرى، لكن في هذه الحالة تستخدم الفلاحين العرب كأدوات لتنفيذ مخططاتها العنصرية، دون أن تحترم إرادة هؤلاء الفلاحين، مثلما لم تحترم إرادة فلاحي الغمر الذين لم يندمجوا حتى الآن ضمن مجتمع محافظة الحسكة رغم مرور أكثر من ربع قرن على توطينهم الذي جاء على خلفية سياسية معروفة.
ثالثاً : تأخذ بعض القوى الوطنية السورية على الجانب الكردي تسمية المناطق الكردية في معرض تناول موضوع مزارع الدولة، وتحاول تصوير أن تلك التسمية تنطلق من دوافع المحاصصة، لكنها تنسى أن هذه التسمية حقيقية وأن هذه المناطق كردية فعلاً في إطار الوطن السوري، لكن الذين يرون أن من حق السلطة نقل الناس من أي مكان في سوريا لأي مكان آخر فيها، يجب أن يدركوا أن هذا المكان الآخر الذي هو (المنطقة الكردية ) تتعرض لسياسة تعريب تستهدف تغيير معالمها الطبيعية والبشرية، وأن فيها ناس محرومون من كل شيء ( من الجنسية والأرض والعمل ) وأن من أبسط حقوقهم على هؤلاء الأشقاء هو التعاطف.
وأن الأكراد هم أحد المكونات الأساسية لهذا المجتمع، وأن الصورة الوطنية السورية لن تكون جميلة ومتكاملة بدون الإقرار بهذه الحقيقة، وأن الوحدة الوطنية المنشودة لن تأخذ بعدها الحقيقي في ظل حرمان الشعب الكردي من حقوقه القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد وتعزيز سيادتها، وأن مثل هذه القرارات تهدّد مرتكزات تلك الوحدة.
—–
· الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (168) تموز 2007م
وذلك في نطاق مواز للحدود مع تركيا بطول 300كم وعرض يتراوح بين 10- 15كم، تمّ فيه الاستيلاء على أراضي الملاكين الأكراد..
ولكي توفّر المزيد من تلك الأراضي اللازمة لهذا المشروع، أقدمت السلطات على تجاوز كل قوانين الإصلاح الزراعي المعمول بها آنذاك، شكّلت
لجنة اعتماد مهمتها حصر ملكية كل عائلة مالكة بملاك واحد فقط، وبذلك تسنّى لها بناء حوالي 40 قرية نموذجية في منطقة الحزام التي لم يحصل فيها أي من الفلاحين الكرد على الأراضي المستولى عليها من الملاكين، في حين انتفع البعض منهم في أراضي منطقة الاستقرار الثانية والثالثة خارج الحزام بعيداً عن قراهم بعشرات الكيلومترات.
وقد أحدث هذا المشروع في حينه، ليس فقط الاستنكار لدى المواطنين الكرد، بل كذلك التذمّر لدى المواطنين العرب وغيرهم، دون أن ينسى الجميع أن من حق الذين غمرت أراضيهم الحصول على تعويض مناسب، لكن ليس على حساب حرمان الآخرين…فليس من العدل أن يتحول هؤلاء إلى أدوات لمشروع عنصري، ويرضون بامتلاك أراضي أخذت ظلماً من مواطنين آخرين كتب لهم أن يكونوا أكراداً، ظلوا على الدوام ضحايا أبرياء لعقلية شوفينية تمارس سياسة الشطب على الشعب الكردي الذي لا مصلحة لأي مواطن عربي في حرمانه واضطهاده، بل بالعكس فإن المصلحة تكمن في إنصاف هذا الشعب لاستعادة دوره الوطني.
لكن تلك العقلية لا تزال تمعن في تطبيق تلك السياسة، ويتجلى هذا الإمعان في القرار الجديد الخاص باستئناف توزيع أراضي مزارع الدولة.
وحتى تكون صورة هذا القرار واضحة، لا بد من سرد بعض الوقائع والتطورات..وفي هذا الموضوع فإن المزارع التي ورد ذكرها في القرار المذكور هي من بقايا أراضي مشروع الحزام العربي التي لم توزّع في حينه على مستوطني الغمر، وبقيت حتى الآن تستثمر من قبل جهات مجهولة عملياً تحت هذا الاسم.
وفي عام 2000 أصدرت القيادة القطرية قراراً برقم / 83 / يقضي بحل مزارع الدولة وتوزيع أراضيها وفق الأولويات التالية:
1- الموظفين العاملين في دوائر مزارع الدولة لأنهم سيتعرضون للبطالة بناء على قرار الحل.
2- المستأجرون لتلك الأراضي والفلاحين العاملين بها على أساس وضع اليد قبل الاستيلاء عليها من قبل مزارع الدولة.
3- أهالي القرى المجاورة لأراضي مزارع الدولة.
4- الفلاحين المغمورة أراضيهم بسبب الفرات والسدود الأخرى ممن لم يتم تعويضهم.
لكن تنفيذ عمليات التوزيع حسب تلك الأسس خضعت للمماطلة والتسويف وطبقت بحدود البند الأول لتشمل عدداً محدوداً من الموظفين العاملين في مزارع الدولة، وتوقفت تماماً بعد أحداث آذار 2004 انتقاماً من الفلاح الكردي لتستأنف الآن بموجب الكتاب الجديد لوزارة الزراعة رقم /1682 / تاريخ 3 / 2 / 2007 وفق أسس جديدة أصبحت على الشكل التالي:
1-الفلاحين المغمورة أراضيهم.
2-المتضررين من محمية جبل عبدالعزيز.
3-أصحاب المعاملات الموقوفة.
4-باقي الفئات حسب الأفضلية المحددة.
وهكذا تم الشطب على الأولويات الثلاثة الأولى التي وردت في قرار حل مزارع الدولة عام 2000.
وتم إبرام عقود مع 150 عائلة عربية من منطقة الشدادي على مساحة 5600 دونم في عدة قرى كردية تابعة لمنطقة ديريك.
وبهذه المناسبة وبسبب التضليل الذي تمارسه السلطة لتحوير الحقائق ومحاولتها إحداث فتنة وتصوير الموضوع كأنه صراع بين العرب والكرد، وكذلك بسبب عجز بعض الأطراف الوطنية في المعارضة السورية عن فهم تلك الحقيقة لا بد من تسليط الضوء على الموقف الوطني الكردي، لكي يتسنى للقارئ السوري عموماً الاضطلاع على ما يخفى عليه من السياسة الشوفينية:
أولاً : نؤكد مرة أخرى أن المتضررين من سد الحسكة الجنوبي هم أصحاب حق يجب أن ندافع عنهم جميعاً، ونطالب بتعويضهم، فالفلاح مهما كانت قوميته، يجب أن يكون له أرضاً يستثمرها ويعيش من خيراتها.
لكن يجب أن يكون هناك فرق بين فلاح محروم من أرضه التي انتزعت منه بموجب مشروع الحزام العربي، ويعيش بجوار تلك المزارع التي يقضي قرار وزارة الزراعة بتوزيعها، وبين فلاح آخر متضرر لكنه يبعد عن تلك المزارع مسافة 250 كم، وللإضافة فقط نقول أن هناك بالمقابل فلاحين متضررين من سد اسمه (سفان) لا يبعد عن تلك المزارع أكثر من عدة كيلومترات، وقد تضرر من غمر بحيرته فلاحون لم تنصف هذه الوزارة بعد العديد منهم.
ثانياً : عندما نقول أن هذا القرار شوفيني فإننا لا نعني أن أصحابه هم أوفياء للجانب العربي من الموضوع، فالشوفينية تخون أبناء قوميتها، مثلما تضطهد أبناء القومية الأخرى، لكن في هذه الحالة تستخدم الفلاحين العرب كأدوات لتنفيذ مخططاتها العنصرية، دون أن تحترم إرادة هؤلاء الفلاحين، مثلما لم تحترم إرادة فلاحي الغمر الذين لم يندمجوا حتى الآن ضمن مجتمع محافظة الحسكة رغم مرور أكثر من ربع قرن على توطينهم الذي جاء على خلفية سياسية معروفة.
ثالثاً : تأخذ بعض القوى الوطنية السورية على الجانب الكردي تسمية المناطق الكردية في معرض تناول موضوع مزارع الدولة، وتحاول تصوير أن تلك التسمية تنطلق من دوافع المحاصصة، لكنها تنسى أن هذه التسمية حقيقية وأن هذه المناطق كردية فعلاً في إطار الوطن السوري، لكن الذين يرون أن من حق السلطة نقل الناس من أي مكان في سوريا لأي مكان آخر فيها، يجب أن يدركوا أن هذا المكان الآخر الذي هو (المنطقة الكردية ) تتعرض لسياسة تعريب تستهدف تغيير معالمها الطبيعية والبشرية، وأن فيها ناس محرومون من كل شيء ( من الجنسية والأرض والعمل ) وأن من أبسط حقوقهم على هؤلاء الأشقاء هو التعاطف.
وأن الأكراد هم أحد المكونات الأساسية لهذا المجتمع، وأن الصورة الوطنية السورية لن تكون جميلة ومتكاملة بدون الإقرار بهذه الحقيقة، وأن الوحدة الوطنية المنشودة لن تأخذ بعدها الحقيقي في ظل حرمان الشعب الكردي من حقوقه القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد وتعزيز سيادتها، وأن مثل هذه القرارات تهدّد مرتكزات تلك الوحدة.
—–
· الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)– العدد (168) تموز 2007م