ثورة أيلول وانتصار مشروعها السياسي

قهرمان مرعان آغا
 
عندما اندلعت ثورة 11/أيلول/1961 , لم يكن قد مضى على عودة قائدها السروك ملا مصطفى البارزاني من الإتحاد السوفييتي فترة الراحة , بعد طول عناء اللجوء الجماعي الذي دام اثنتا عشر عاماً بسبب خذلان العالم لجمهورية كوردستان في مهاباد 1946/1947 ولم يكن قد مضى على انقلاب الزعيم عبد الكريم قاسم  في تموز/ 1958 وسقوط الملكية في العراق وإعلان الجمهورية سوى ثلاث سنوات , حيث كانت منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة صراع حقيقية بين القوى الكبرى شرقاً وغرباً, من خلال الأحلاف السياسية مع الدول الإقليمية  وكان الصراع الايدولوجي الحاد في أوج سعيره بين مختلف التوجهات القومية والاشتراكية حيث ضاعت المفاهيم الوطنية ومصالح الناس في البلد الواحد بين رحى تناحر الفكر التآمري الانقلابي لتلك التيارات المنادية بالوحدة العربية في كل من مصر وسوريا والعراق وتلك القوى التي كانت تنادي بالأممية والصراع مع الإمبريالية العالمية ,
 كما برزت أحلاف مغايرة على سبيل حركة عدم الانحياز ولم تكن كوردستان بمنأى عن هذا التأثير وكانت القوى السياسية متمثلاً بالحزب الديموقراطي الكوردستاني / العراق يمثل الزخم الجماهيري الواسع في المجتمع الكوردستاني وفي المدن العراقية الكبرى ولم تكن للتيارات المناهضة له متمثلاً بالحزب الشيوعي العراق الحليف لـ دكتاتورية عبد الكريم قاسم ذاك التأثير الداخلي بمقدار ما كان يمثله من خطر وتآمر مع منظومة الأحزاب الشيوعية العالمية ومرجعيتها في موسكو وعلاقاته مع الأحزاب المشكلة لحركة التحررالعربية والتي استمرت ( بقاياها) في معاداتها للفكر التحرري الكوردستاني ولمشروعية قضية الشعب الكوردي القومية إلى يومنا هذا , حيث كان للأحداث تأثيرها المباشر أو غير المباشر على علاقات الثورة الكوردية مع محيطها الإقليمي والدولي , بدءاً من سقوط وحدة مصر وسوريا  1961 وانقلاب البعث على حكم قاسم 8شباط/ 1963 وانقلاب البعث في سوريا 8آذار/ 1963 والصراع في الخليج والعراق متمثلاً بـ شاه إيران (الشرطي)  ودور تركيا كنقطة ارتكاز للحلف الأطلسي في مواجهة المد الشيوعي , فكانت مصر عبد الناصر, تناصر الثورة إعلامياً من خلال (الراديو) في صراعها مع حكم  عبد الكريم قاسم , في حين كان البعث السوري يساند عراق الأخوين عارف بإرسال قوات عسكرية لمواجهة البيشمركة البواسل ( بقيادة فهد الشاعر 1963 ) الذي لاحقه الهزائم وعاد خائباً منكسراً,  واستمرت الثورة المنتصرة تشق طريقها رغم كل هذه الصعاب وتخلل مسيرتها الكثير من المنعطفات التاريخية بين سلم وحرب وانتصارات وتوجت تضحيات الشهداء ببيان آذار للحكم الذاتي لـ كوردستان العراق في 11 آذار 1970.
فكان انتصار الثورة هو انتصاراً لمشروعها السياسي المتمثل في ذلك الحين بالـ ( الأوتونومي) لـ كوردستان , كما كان يرددها السروك ملا مصطفى البارزاني ويكررها في لقاءاته مع الصحافة والإعلام , أي لم يكن القتال والدفاع عن شعب كوردستان في مواجهة الآلة الحربية لحكام بغداد عبثاً , بل كانت الغاية هي دفع تلك الحكومات بالقوة الرادعة للرضوخ لمطالب الثورة وحقوق الشعب الكوردي المشروعة منذ أن أُلحق جزء من جغرافيته بدولة العراق الناشئة والمنتَدبة من قبل الإنكليز/ 1920 و حافظت قيادة الثورة على تقاليدها النضالية القومية وكفاحها المشروع بعيداً عن العنف والصراع القومي الأعمى الذي كان يمارسه حكام بغداد بـ مختلف انتماءاتهم ومراحل حكمهم .
عمدت الثورة خلال مسيرتها على إبقاء المصادمات خارج مدن وتجمعات السكان في كوردستان بالرغم أن نقل المعارك إلى مناطق الخصم كان يتناقض مع ظروف القتال في ذلك الحين وطبيعة حرب الجبهات التي كان العدو يستهدفها دون تفرقة بين السكان المدنيين والبيشمركة الأبطال .
كانت ثورة أيلول ثورة شعب كوردستان بأكمله , على امتداد جغرافية وطنه في أجزائه الأربعة , تبدّى ذلك من خلال مشاركة أبناء الشعب الكوردي في التضحية من اجلها وتكالب الأعداء الغاصبين لكوردستان على معاداتها .
استمرت ثورة أيلول بعد نكسة آذار/1975 من خلال ثورة كولان /1976 وما رافقها من حراك ثوري عام من مختلف التيارات والقوى الكوردستانية العسكرية والسياسية لحين تتويجها بالجبهة الكوردستانية 1987/1988 لغاية انتفاضة شعب كوردستان آذار/1991 .
وكان إقرار الفيدرالية امتداد للمشروع السياسي القومي  الذي دشن دعائمه القادة العظام الأوائل بالتضحيات الجسام والبطولات , من خلال صدق المسعى ونكران الذات , في حين شكل الاستفتاء على حق تقرير المصير في 25/أيلول/2017 الانتصار السلمي الديمقراطي الأكبر في تاريخ شعب كوردستان وعموم منطقة الشرق الأوسط .  في 11.ايلول.2018
(نشرفي صحيفة كوردستان العدد592 ـ 2018.09.15)   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ادريس عمر النظام الفيدرالي مفهوم سياسي وإداري يتم فيه توزيع السلطة بين حكومة مركزية (اتحادية) وحكومات محلية(إقليمية أو ولايات)، بحيث يكون لكل مستوى من مستويات الحكم صلاحيات واختصاصات محددة وفق دستور أو اتفاق قانوني. وقد يبدو معقداً للكثيرين، خاصة في البلدان التي لم تجرب هذا النظام من قبل، مثل سوريا. ففي النظام الفيدرالي، تتعاون الحكومة المركزية والحكومات المحلية بشكل مشترك،…

حازم صاغية غالباً ما استُخدمت، في تناول الوضع السوريّ، نظريّة مؤدّاها أنّ الثورة الحقيقيّة هي التي تغيّر مجتمعاً، لا التي تغيّر نظاماً. والنظريّة هذه تبقى أقرب إلى شعار، بمعنى أنّ الشعار يقول كلّ شيء ولا يقول شيئاً. فمن البديهيّ أن تقاس الثورات بمدى تغييرها العلاقات الاجتماعيّة والأفكار والثقافة والتعليم ومسائل الجنس والجندر، ومن ثمّ النظرة إلى الذات وإلى العالم. لكنْ…

مشاري الذايدي المسائل التي تنتظر الحلَّ والحسم في سوريا الجديدة، كثيرة، وتزيد كل يوم، وهذا أمرٌ طبيعي، فهناك مُؤجلاتٌ من العهد الأسدي الغابر، وهناك مسائلُ وُلدت اليوم، وستولد أكثر، مسائلُ سياسية وإدارية وأمنية واجتماعية… ودينية طبعاً. هذا أمرٌ مُتوقع بسبب أن تجميد المسائل التي تعني السوريين طيلة هذه العقود، لم ينهِ هذه الأمور بل زادها تفاقماً، ومن ذلك: هويّة سوريا…

بوتان زيباري الخطاب السياسي الكوردي في الوقت الراهن يحتاج إلى وحدة وتماسك أكثر من أي وقت مضى. فالكورد، الذين ينتشرون عبر أربع دول رئيسية، يعانون من تفرقة في تعامل الدول معهم، حيث تُعتبر قضيتهم قضية داخلية ثانوية في كل من هذه الدول. من هنا، يجب على القادة الكورد أن يتخذوا موقفًا موحدًا في الملفات الكبرى، خصوصًا في تعاملهم مع…