أردوغان والحرب الخاسرة مع ترامب

إدريس سالم
أردوغان، الكاريزمة السياسية، كان من أهم الداعمين للنهضة الاقتصادية. اسم كبير في تركيا ودول الشرق. مدلّل أوروبياً.  قفز ببلده قفزة مذهلة، من المركز الاقتصادي (١١١) إلى (١٦)، أيّ من بلد مديون إلى دائن، يعتبره الغرب الرجل العنيد، والأتراك المنقذ المخلّص، أما مناصرو حزب العمال الكوردستاني (PKK) وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) فيعتبرونه ديكتاتوراً خائناً، وكلّ مَن يخالفهم في العقيدة والإيديولوجية والرأي يسمّونه «أردوغاني». 
يقول المراقبون، إذا ذهب أردوغان للخليج هاجم إيران، وإذا ذهب إلى إيران مدح سوريا وهاجم الخليج. إذا ذهب لأمريكا هاجم روسيا، وإذا التقى ببوتين هاجم ترامب وميركل وماي وماكرون. إذا التقى العرب هاجم اليهود، وإذا اجتمع بإسرائيل هاجم فلسطين والعرب. إذا أراد دخول الاتحاد الأوروبي يصف نفس بالعلماني ويشيد بالعلمانية، أما إذا أراد دخول قلوب المسلمين رفع القرآن وكذّب الإنجيل. وهذا حقّ شرعي، واسألوا السياسة والسياسيين عن ذلك.
انهارت الليرة التركية، عندما جمّدت الولايات المتحدة الأميركية أموال وزير العدل التركي عبد الحميد غول ووزير الداخلية سليمان صويلو وممتلكاتهما «تُرى كم تبلغ قيمة تلك الأموال المُجمّدة؟ ولم الوزراء دائماً أثرياء؟»، على خلفية دورهما في احتجاز القس الأميركي أندرو برانسون «هل هو جاسوس، أم لصّ، أم كاهن؟»، الذي كان يديـر كنيسة صغيرة في تركيا منذ أكثر من عقدين، قبل احتجازه في تشرين الأول /  أكتوبر 2016 «لم تحرّكت أمريكا في هذا التوقيت؟»، بتهمة الضلوع والمشاركة في تدبير الانقلاب العسكري، الذي نُفّذ لإطاحة بإردوغان، وهي التهمة التي ينفيها “برانسون” ويُدرجها في خانة الافتراء، علماً أن هذه القضية الخلافية ليست إلا واحدة من ضمن خلافات عدّة بين أنقرة وواشنطن.
يقول المشهد العام، إن الاقتصاد التركي معرّضٌ للانهيار، وهو يمرّ بالفعل في مرحلة ضعف حتى قبل فرض العقوبات الأمريكية؛ لكن في حين قد تشلّ هذه العقوبات الاقتصاد التركي، إلا أنها من غير المحتمل أن تشكّل تهديداً لنفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة وأن هناك ملايين الكورد في الشمال الكوردستاني متضامنون معه، ودائماً ما يكونون سبباً في إخراجه من الحفر العميقة.
إن موجة ارتفاع أسعار المنتجات المحلية والمستوردة تتسارع في تركيا وتخنق شعبها، وسط توقيف العمل في القطاعين العام والخاص بشكل تدريجي، إذ أن العامل الذي كان دخله اليومي (55) ليرة تركية عندما كان سعر الدولار الواحد أربع ليرات، أصبح اليوم يحلم لأن يقفز دخله اليومي إلى (75) ليرة تركية بعد أن قفز الدولار الواحد إلى سبع ليرات، كل ذلك نتيجة أزمة الليرة التركية والعقوبات الأمريكية، التي لها دلائل ورسائل سياسية، وأردوغان كمَن يعيش في عالم آخر، لسان حاله وأنصاره يقول “أزمة صغيرة هامشية، نجوع شهرين وبعدها تنتهي!!”، والمعارضة تقتنص الفرصة، للدفاع عن الشعب، وتسأل: “ماذا يعرف أردوغان عن الجوع، مَن يعيش في بذخ وإسراف مالي وقصر من ألف غرفة لن يشعر بالناس؟”.
رغم تصاعد الخلافات بين أمريكا وتركيا، فإن الأخيرة لن تدير وجهها شطر الشرق، فإن فعلت ذلك، سوف تبتعد من حلف الناتو، وتصبح فريسة سهله لإيران وروسيا، خاصة وأن كلتا الدولتين لهما خلافات تاريخية مع تركيا العثمانية، وأمريكا الذكية والشيطانية سوف تدفع بالأمور في تركيا إلى حالة، بحيث يفقد أردوغان شعبيته وقوته، ويكبح جماح غروره من جديد، وإرجاعه من المحور الروسي – الإيراني مرغماً ذليلاً، وضمّه للحلف الذي سيفرض عقوبات اقتصادية كبيرة وعميقة على إيران، لتعديل سلوكها وتربيتها تربية أمريكية.
مختصر الكلام، إن الحرب التجارية، التي بدأتها واشنطن ضدّ أنقرة، ليست حرباً بين طرفين متكافئين، والمعاملة بالردّ نفسه سيؤثر على الطرف الأضعف أكثر مما على الطرف القوي، إذ لا يُفهم من الردّ التركي إلا أنه ردّ ذو قيمة معنوية سياسية، أكثر من قيمتها التجارية والاقتصادية، فأردوغان لا يريد أن يبدو أمام شعبه ومناصريه أنه ينحني للعاصفة العاتية القادمة من دونالد ترامب، في صورة تهديدات حرب وإجراءات عقابية، والمؤكّد أن أردوغان يخوض حرباً خاسرة مع خصم كترامب، الذي تطغى لديه النزوات الشخصية على الإحساس بالمسؤولية، الذي من المفترض أن يتحلّى به رجل دولة عظمى في العالم.
وعلى نمط غير الذي عهده دول وقوى الشرق الأوسط، فقد تغيّرت خريطة التحالفات الأخيرة، حيث جمعت بين كل خصمين في تحالف واحد، وغيّرت بشكل جوهري خريطة الأهداف وطبيعة تقسيم مناطق نفوذ سايكس – بيكو من جديد، إضافة إلى تغيير مفاهيم الإستراتيجية العسكرية، واستحداث إستراتيجيات جديدة، وهذه التحالفات الغامضة إلى حدّ ما لن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، وربّما تبقى أو تتغيّر في المستقبل القريب، فمَن يسقط سيكون خارج اللعبة، وليس له مكان فيها، خاصة وأن الجميع يرفع الراية الأولى، أردوغان يقول تركيا أولاً، بوتين يقول روسيا أولاً، وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا وأمريكا وفرنسا وإيران والعرب وكوردستان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…