هوية القوة…

فرحان خ كلش
كثيراً ما نلاحظ أن إدراك الهوية المعرفية للحالة المتدفقة في الراهن هو أس التشخيص وبالتالي كان التعريف بالشيء هو الإطلالة العامة والنظرة الشمولية الأولية للدخول في كنه المراد تمحيصه وتشريحه معرفياً.
في شرقنا بالعموم لا معرفة بالشيء من باب الإلمام بشروط وجوده، وعوامل فعله، إنما هناك علم به وكفى،
فالقوة المستخدمة في الشرق لا تحمل هوية، بمعنى أنها موجهة في كل الجهات، دون إدراك أهدافها ومراميها وحتى أسس استخدامها.
وبمعنى أقرب فحواملها الإجتماعية متوهمة في خياراتها ومعايير إختيار الأعداء، فمثلاً كان الصراع السوري ملتبساً في بعده الإجتماعي، فكانت نسب معينة من الطوائف ومن طبقات مختلفة تدعم النظام، والمكملات البشرية الأخرى لهولاء تقف إلى جانب الجهة المضادة، بل يمكن القول أن جزء شارك في دعم الجهتين، سواء من الوجه السياسي للمسألة أول من خلال خلق حالة فريدة من تشكيلات الطابور الخامس على ضفتي الصراع.
وهكذا كل الصراعات على مراكز الحكم في الشرق تفتقد مجمل الهويات المتعارفة عليها، ومن هنا فإن الصراعات كانت دامية ومديدة زمناً لكونها غير محسومة مسبقاً إجتماعياً وحتى طبقياً، فتاه الطرفان في وضع تعريف حاسم للذي كان، فالذين سموا أنفسهم ثواراً تحالفوا مع الإرهابيين على مبدأ الميكيافلية الغاية تبرر الوسيلة فأضاعوا البوصلة السياسية والفكرية للحراك السوري، والنظام من جانبه استخدم القوة الضالة وثم بحث عن عناوين لفعلته وعن داعمين لها،إذا يمكننا القول أن المستخدم من القوة كان خالياً من تحديد هوية ببعد واقعي لذلك أغرق الواقع الأوهام التي بنيت على قفاه.
واستناداً يمكن القول إن كل قوة تستخدم في لحظة ومكان معينين من الضرورة تحديد درجته، وأهدافه ومقاصده، ووضع سقف معرفي وآخر أخلاقي له، ودون ذلك فالقوة ستبقى قوة، لا تحصد سوى أظافرها الطويلة، وربما إنبهاراً مؤقتاً بها، وسيسقط حاملها من صهوة جبروته،ويمكن الإشارة إلى وجه آخر حينما يضطر شعب كالشعب الكوردي في الدفاع عن نفسه، لا يعفيه الأمر من وضع معايير لهذه القوة، لألا تتحول الى  رغبة في ذاتها، وهناك شواهد عدة مضيئة في تاريخ هذا الشعب أثناء اضطراره إلى استخدام القوة المعاكسة مع أعدائه، كإحترام أسراه مثلاً، والآن مطلوب كذلك تهذيب البندقية كتهذيب النفس وربطهما بأسس أخلاقية وقيميه،بغض النظر عن المكان والظرف اللذين يكون فيهما استخدام القوة واجباً وضرورة وكذلك من الهام تبيان عدم وجود بدائل لها، وأنها الخيار الأخير ومن الحكمة أن يكون القائمون عليها مدركين للعلاقة بين سلوكهم الشخصي وقرارهم في إخراج الرصاصة في الجهة المعاكسة، ودون ذلك ستكون القوة بلا مدافع عنها، لأنها أيضاً تحتاج من يدعمها سياسياً وأخلاقياً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…