د. محمود عباس
في الأديان القديمة أو الحديثة السماوية أو الأرضية والتي يتعمق بعضها في الروحانيات الباطنية، حيث علاقة الإله بالبشر، أو بحث الإنسان عن القوى الكلية، وبعضها بتنظيم المجتمع، بترهيبه من غضب الآلهة وليست من حكمته، وحيث يظهرونه بوجوه الشر في المقام الأول، والتي على أسسها بررت وتبرر القتل وتكفير الأخر والغزو والسبي وغيرها من الجرائم.
ولضحالة قدرات، أصحاب الديانات، المعرفية، أفرغت ألهتها من كليتها، رغم كل الأوصاف والأسماء والتعظيم. ولم يتمكنوا، ولا نظن أنهم سيتمكنون من إخراجهم من الحيز البشري، خاصة عندما يعرض كل رعية إلههم، أحيانا في حالة الغضب على الإنسان، وأحيانا رحيما لمجرد إطاعته وتبيان مصداقية في عبادته، أو مقابل تقديم المؤمن رحمة لبعض الناس، وجميعها من طبائع الإنسان وليست الآلهة أو الإله الكلي.
وهذه المواصفات تنتشر بحيز واسع ضمن السماويات الثلاث، ولئلا تدحض أحكامهم، المنافية للعقل، فرضوا الإيمان بالنص، أو وصفهم للإله، بالنقل، وجعلوها مبدأ لإنقاذ المؤمن من الشكوك، وبتفسيرات لنصوص لا تفسر إلا بتفسيراتهم الجامدة، وكل تأويل عقلاني هوجم على أنه تحريف للإرادة الإلهية، فأصبح فقهاءهم بمثابة الآلهة بمفاهيمهم، لا اعتراض على تفسيراتهم وفتاويهم، وخارج أبعاد المساس بتفسيراتهم، علماً أن أوصافهم لآلهتهم وأحكامه ومفاهيمه ظلت في الأبعاد الإنسانية، أي أن الإنسان خلق ألهته على أبعاد مداركه.
وفي العصور الغابرة وحيث المعارف العلمية كانت لا تزال في بداياتها، فالتوصيف كان يتلاءم وتلك العصور، ولا يحمل أي انتقاص لكلية الإله، لكن أن يستمر فرضه بالنقل، ودون تطويره أو تأويله، على عالم بلغ سويات عليا من المعرفة، يعتبر استهتار بالمعارف الإنسانية.
وللإنسان المؤمن بعقيدة روحانية الحق بإتباع مطلقه الإلهي بالنقل، لكن تكفير الأخر لعدم الامتثال لمطلقه، كفر وجريمة بحق الإله والإنسانية، فمثل هذه الشريحة تدرك أن الإله خارج الأحكام البشرية، والإنسان يعامله آلهته بما هو عليه في حقيقته وحسب جوهره الباطني، لا بما يظهره للناس بوجه، وبنفاق داخلي يعتم عليها بعلم كلام يطغى فيه الطابع السياسي على الشرع الديني، وبخطاب عرف بشرائع الإسلام السياسي بين المجتمع، وفقهاء نهج الإسلام السياسي ومنذ بدايات الإسلام يوجهون قومهم بخطب مليئة بالخضوع وتجنب التحرير الفكري والعقلي وتجميد الإيمان بالنقل. وهؤلاء هم الذين يدافعون عن الآلهة بجريمة وحقد ويكفرون الرحمة عمليا، ليغطوا على ما بداخلهم من كراهية، وانحطاط خلقي، وجلهم مصابون بإمراض التناقض، ما بين ادعاء الإيمان ظاهريا، والكفر والجهالة باطنيا.
الإنسان مقارنة بكلية الآلهة عدم، فالنعوت والأسماء والعنوانين الموجه للبشرية، استخدمت وتستخدم من قبل شريحة لطغيان الذات المريضة، وهي مصطلحات مركبة بشريا، لتسهيل استغلال الأخرين باسم الإله الخارج عن الأبعاد المعرفية، ودفاعهم عنه أو توصيفه، تشخيص بطريقة أو أخرى، والتشخيص انتقاص وانحطاط وكفر بقدراته، ويتم هذا إما لجهالة أو لخباثة، وفي الحالتين يحق تكفيرهم بالأحكام الإلهية ذاتها، وتحقيرهم حسب الأعراف الإنسانية.
والفرق الدينية الإجرامية، والمكفرة أو الملغية للأديان الأخرى، كداعش أو النصرة أو الفرق الإسلامية الإرهابية، أو المؤمنة بالسبي على أنه قانون يجيره الآلهة، ومثلها فرق الأديان الأخرى المشابهة لهم كالمسيحية واليهودية في الماضي، والذين لا يفصلون ما بين الإله وما له، وبين الإنسان وما عليه، وكذلك المرجعيات الإسلامية، استخدمت واستغلت تأويلات نصوص دون أخرى، لطغيان الذات المريضة، واستعملت مصطلحات مركبة بشريا، لتسهيل استغلال الأخرين باسم الإله، الذي هو في الواقع لا يتجاوز التشخيص البشري، وهنا يحق تكفيرهم بالأحكام الإلهية ذاتها التي يكفرون بها المخالف لمعتقدهم، وتحقيرهم حسب الأعراف الإنسانية.
كما والمؤمنين بالمطلق في التأويل وتفسير النص، وعدمية حكمهم بالكفر على الفرق الدينية، المدافعة جدلا وجهالة عن الإله، تحت شرعية الشهادة بالشهادتين، والساكتين وبالمطلق على جرائم الفرق الإسلامية الـ 72 المارقة، وبعدم تكفيرهم أيضاً شرعاً، وبتفسير النص بجمود فكري، وبالإطار المطلق، وغير القابل للتطوير، بحجة السند الإلهي والذي لا يتجاوز المعارف الإنسانية. بدءً من أوائل الذين سبوا النساء باسمهم وتحت غطاء شريعة منسوبة إليهم نفاقا ودجلا، وأجرموا بحق الشعوب زاعمين نشر تعاليمه، وقتلوا الأطفال على أنها إرادة إلهية، إلى أخر الفرق الضالة من التكفيريين المسلمين، هؤلاء جميعهم ومن والاهم أو ولاهم، يطعنون في ماهية الإلهي الكلي، عند وصفه، والدفاع عنه، والحكم باسمه، وعندما يقدمون آلهتهم الغارقة في الضحالة الفكرية والعلمية والروحية، مقارنة بالمعارف العصرية على الإله الكلي.
فكل الفتاوى المبررة لتكفيرهم، تحت منطق الشهادة بالشهادتين، تنعدم أمام كفرهم بتصغير الله، ومحاولة فرض أحكامه وقوانينه بالقتل والإرهاب. فكفرهم واضح، ويصبح أكثر نصوعاً عندما يكفرون الإيزيديين الكرد.
لا شك التكفير بحد ذاته وصف لغوي عربي، تخضع لجدلية النسبية حتى في علم الكلام، وقد أثبتتها الفرق الضالة في الإسلام بأفعالها وتشريعاتها وتفسيراتها للنص، وتبينت من خلال بشائعهم بحق البشرية أن المعادلة الشرعية معكوسة، حتى ولو كان مبنيا على تفسير مطلق للنص، فالكافر في نظر الداعشي الإرهابي لا بد وأنه محل تقدير عند الإله، لان الوصف ينطقه قاتل الأطفال، والقاتل منافق حسب القيم الإلهية والإنسانية، وبالتالي فكل النعوت الشرعية أو ما تسمى بالشرعية، تخيم عليها الجهالة، ومطعونة في قيمها ومعانيها وتفسيراتها.
وهكذا فوصف الإيزيديين الأبرياء بالكفر في أحكام الإرهابيين المسلمين كداعش والنصرة ساقطة، لان المجرمين والمنافقين لا يحق لهم التحدث بالأحكام الإلهية، وتفسيراتهم للنص فاجرة، ولا يعقل أن يكون إلاهيا. فما جرى منذ الغزوات الأولى وحتى جرائم شنكال وفي مناطق المسيحيين وعموم سوريا والعراق، جرائهم تكفر فاعليها، في العرفين الإلهي والبشري، والإيزيديون، المتهمون بالكفر من قبل حثالات البشر كداعش وأخواتها وفقهاءهم، أبعد الناس عن الموبقات والمحرمات، وهم حملة مفاهيم إنسانية قادمة من أقدم وأعرق المعتقدات في منطقتنا.
فالتقييم الإلهي والأحكام الإنسانية حسب النصوص والأعراف، لا بد وأنها ستشرع بين داعش والنصرة والتكفيريين وبين الكرد الإيزيديين، على خلفية تاريخ الغازيين الغارقين في الجريمة والنفاق والكذب والسرقة باسم الغزو والعهر، والمستمرة تحت غطاء الشريعة الإسلامية، وأحكام جهاد النكاح وبتفسير فاجر للنص، وعلى شرور فتاوى التكفير بالأديان الأخرى، وغيرها من العاهات التي يؤمنون بها كطرق لنشر إسلامهم السياسي.
فمن هو الكافر هنا؟ ومن هو المؤمن؟ وما هو الإيمان والكفر، وبماذا يقاس الحكم؟ وبمقاييس من؟ القاتل أم المسالم؟
لا شك مثل هذه الجرائم وابشعها حصلت قبل الإسلام والمسيحية واليهودية، وخارج الأديان السماوية، ولكنها الأن وفي عصرنا هذا وفي منطقتنا تحصل بيد المدعين أنهم ينشرون الإسلام الحقيقي، وحيث الإملاءات الإلهية، بنصوصه، وتتم كما فسروا ويفسرون النص، أو بتأويلات حسب الغايات والمدارك، ولتبرير جرائمهم، وتسند على أن ما يجري استمرارية للماضي، متناسين أن ذاك الماضي غاب فيه آلهة الرحمة، وكان، وككل العصور اللاحقة، الحضور البارز كان لآلهة الشر، وهو الإنسان، بل هو الإله المعني وبشكل غير مباشر، مع إحكام واستنادات فقهية.
وألهتهم هي آلهة الشر والإرهاب وليست آلهة الرحمن والتطور، أو الإله الكلي. فالبشرية أمام جدلية معرفة الآلهة، وماهيته، والكون، وإعادة النظر في النصوص، أو تطويرها بتفسيرات وتأويلات حديثة تتلاءم والعصر والحقائق والمعارف العلمية الحضارية، للفصل بين الآلهة البشرية، حيث الكفر والشر والإيمان حسب الرغبة، والإله الكلي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
5/8/2018م