لماذا يخاف النظام الإيراني من التفاوض مع أمريكا؟.. نظرة إلى نتائج التفاوض مع النظام الإيراني في العقود الأربعة الماضية

بقلم عبدالرحمن مهابادي*
على مدى الأربع عقود الماضية لطالما كان سيناريو (التفاوض) قسما من استراتيجية النظام الإيراني بهدف كسب الوقت و التغطية على الأزمة وشق صفوف الطرف المقابل أو توجيه ضربة له و إفشاله. وفي بعض الحالات كانت التضحية تتم في الطرف المقابل وللأسف يجب القول أن النظام لاقى نجاحات متتالية في هذا الأمر. 
بالنسبة للإيرانيين الأمر واضح ومثبت فمنذ اليوم الذي منع فيه النظام الإيراني أي نوع من أنواع النشاطات السياسية والسلمية لمعارضيه في داخل إيران وسعى لتأسيس الديكتاتورية المطلقة لولاية الفقيه وأجبرهم على حمل السلاح والبدء بنضال مسلح مشروع كان الذهاب لطاولة التفاوض مع هذا النظام خطأ فادحا وتخطي للخط الأحمر الموجود بين هاتين القوتين المتخاصمتين أي الشعب والديكتاتور. طبعا كان هناك تيارات تخطت هذا الخط الأحمر ولم تكترث بمصالح شعبها. 
في المشهد الخارجي أيضا لم تكن نتيجة العمل مختلفة عن هذا. الحكومة العراقية السابقة بسبب الثقة التي اعتمدتها مع النظام الإيراني وفتحها لباب التفاوض مع هذا النظام حصل كل هذا الذي يراه الجميع بأم أعينهم. مثال آخر مفاوضات الدول ٥ +١ حول مشروع النظام النووي خلال فترة حكم باراك أوباما الأمر الذي أضحت نتيجته مايراه العالم اليوم بأم أعينه أيضا. 
بنظرة عامة وسريعة لعملية التفاوض مع هذا النظام خلال الأربع عقود الماضية تظهر لنا بوضوح النتائج المدمرة للتفاوض مع هذا النظام الديكتاتوري. ونتيجة لذلك، استمر هذا النظام بالبقاء حتى يومنا هذا، الأمر الذي كان، وحسب العديد من رجال الدولة الحاليين في العالم إن الشعب الإيراني ومقاومته أول ضحاياه. لأن هذا النظام هو الممول والأب الروحي للإرهاب في العالم وبقائه يعتمد على فناء الآخرين. 
على الرغم من أنه لاينبغي لنا، في أي زمان ومكان، تشجيع الحوار مع هذا النظام الذي كان ولا يزال في صراع وعداوة كبيرة مع الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي بين الشعوب، ولكن ما يدور الآن حول الدعوة الأمريكية لإجراء محادثات مع النظام الإيراني، مختلفة جدا عن الماضي. أولاً، في الماضي، كانت المبادرة التفاوضية بين أيدي حكام طهران. ثانياً، لم يواجه نظام الملالي الانتفاضة التي هزت أركان هذا النظام الآن.
ثالثاً، في الماضي، تحكم طيف واسع من متبعي سياسات التماشي الغربيين المتعطشين لنفط ودولار نظام الملالي بسياسات واستراتيجيات الحكومات وأغلقوا عيونهم عن جميع جرائم النظام الإيراني، سواء في إيران أو في الخارج، ورابعاً، تم وضع المقاومة الإيرانية على القائمة السوداء من قبل الحكومات الغربية التي كانت تتماشى مع هذا النظام، وكان السائد في هذه المنطقة من العالم هو الديكتاتورية الدموية للنظام الديني مع القوى الغربية المتماشية معه والتي سخرت كل شيء من أجلهم ولصالحهم.
لذلك نرى أنه حتى فترة ما قبل العصر الجديد هذا، كل من سعى للتفاوض وصنع من التفاوض درعا لبقائه، كان نظام ولاية الفقيه، الذي قدم أيضاً قوة تدعي الاعتدال والإصلاح كذبا، في جعبته! وكم من الحكومات التي تعاونت وتماشت مع هذا النظام في هذا الأمر مع علمها في الوقت نفسه أن هذا النظام الديني هو أكبر دكتاتور في العصر الحالي.
ولكن بما أن التاريخ يمر عبر العديد من التحولات و المطبات للوصول إلى الوجهة المقصودة، فإنه لم يكن مستبعدا في يوم من الأيام أن يقف العالم إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته المشروعة. بهذه الطريقة نرى الآن الحكومة الأمريكية للمرة الأولى تقف لجانب المقاومة الإيرانية وفي السنتين الأخيرتين، بالاعتماد على حماية مصالح شعبها، تبنت سياسة واستراتيجية جديدة متسقة ومنسجمة و تتماشى مع استراتيجية المقاومة الإيرانية.
الرئيس ترامب برفضه للاتفاق النووي و(المفاوضات من النوع السابق) ومع استراتيجيته المعلنة حاليا لم يكن محط ثناء الشعب في كل من البلدين (امريكا وإيران) بل يمضي قدما ليسجل اسمه في التاريخ. لذلك فإن أول درس يمكن أخذه من هذا التحول في السياسة والاستراتيجية الأمريكية هو أن رفض التفاوض والتعايش مع الدكتاتورية الدينية والتقدم في المسار الصحيح للتاريخ هو الضرورة التي تتطلبها الشجاعة والجرأة وباني المستقبل وضامن الأمن والأمان في العالم. 
بعبارة أخرى فإن استمرار خط الاسترضاء والتماشي مع هذا النظام الكهل يظهر قبل كل شئ مدى بؤس هؤلاء الذين وقفوا في الجانب السلبي للتاريخ. بالطبع ستتحدث الأجيال القادمة حول هذا الأمر بشكل مفصل أكثر. 
لا يجب الظن بأن المفاوضات التي دعت إليها الآن الحكومة الأمريكية الملالي تشبه المفاوضات السابقة. هذه المفاوضات من نوع لن يكون بمقدور نظام الملالي الوصول إليها بهذه السهولة وعندما سيصل إليها سيكون هذا النظام مضطرا لشرب كأس السم كما شربه خامنئي من قبل في عام ١٩٨٨ على يد المقاومة الإيرانية وما سيكون قد تبقى من هذا النظام المتهالك عبارة عن أنفاس قليلة متهالكة سريعا ما ستلقى نهايتها. لماذا؟
الان تمضي انتفاضة الشعب الإيراني تحت توجيه وقيادة مراكز الانتفاضة حتى توحد عملها ضد هذا النظام. المسؤولون العسكريون والحكوميون في نظام الملالي اصبحت صرخاتهم عالية بأن التهديد الحقيقي ليس من أمريكا وخارج الحدود بل من التهديدات الداخلية. ومن هنا فإن حزن وكآبة قادة النظام من المواجهة مع الانتفاضة الشعبية والمقاومة الإيرانية. تلك الانتفاضة التي تمتلك مثل هذه القنبلة القوية التي ستفجر هذا النظام وتمحوه من على وجه الكرة الأرضية. لذلك في اليوم الذي سيذهب فيه هذا النظام إلى طاولة المفاوضات الخاصة بالرئيس ترامب لن يكون هذا النظام أكثر من هيكل عظمي بلا روح. 
لأنه وقبل المفاوضات فإن الشعب والمقاومة الإيرانية قامت بسلب روحه وكذلك العقوبات والمجتمع الدولي .كما أن الداعمين الخفيين للنظام في الأمس لن يكونوا المنقذين له اليوم. على خرم السفير الأسبق للنظام في الأمم المتحدة كتب في صحيفة اعتماد المرتبطة بعصابة روحاني موضوعا تحت عنوان (العودة لطاولة اللعبة): الرفض التام للتفاوض مع أمريكا دفعة واحدة قد يجعل منا الجانب السئ فيما حدث. 
نهاية انهيار دكتاتورية الملالي بالطبع ستكون فضيحة تاريخية للأطراف التي ذهبت إلى طاولة المفاوضات للتفاوض مع النظام. في حين يحتفل الشعب الإيراني والعالم بنهاية الدكتاتورية الدينية الحاكمة في هذه المنطقة من العالم. 
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
@m_abdorrahman

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…