العودة الى المسار الحزبي من أجل استنهاض الجهد الجماعي للأفراد

ستران عبد الله
تشكل الاحزاب فرصة عظيمة من أجل اتحاد قوة الأفراد والجماعات في مشروع وهدف عام لا يمكن تحقيقه من قبلهم على انفراد مهما كانت قوتهم ومهما كان الفضاء الديمقراطي وحجم الحرية المطلوبة لانجاز الأفكار والمشاريع.
 أن نشوء الأحزاب وتطورها وتوسعها في بناء المجتمعات الديمقراطية ليس فقط منجزاً سياسياً لجهة الانفتاح السياسي و اقرار شروط العداالة والحق ورفع منسوب الحرية السياسية في أي مجتمع يتخذ من حرية التنظيم والنظام الحزبي سبيلاً للمشاركة السياسية وتعزيز المسؤولية الجماعية في التصدي للشأن العام، بل هو منجز اداري وتنظيمي من الطراز الأول، 
فقوة الجماعة واتحاد الارادات والأمزجة في تنظيم وهيكلية مناسبة يتفق عليها بين المتصدين لمهمة أو وظيفة مجتمعية أياً كان نوعها هو اختراع بشري وجهد تنسيقي  عظيم وخلاصة للتجربة التنظيمية يقف خلفه أطنان من الكتابات في علم الادارة قبل أن يتم استنساخه ونقله لميدان السياسة متمثلاً بأحزاب وتشكيلات سياسية تلجأ الى نتاج الادارة المعاصرة من أجل تعزيز القوة وتوفير الجهد وتوحيد الارادات في الصراع السياسي، سواء بين الاحزاب المنافسة أو بين الاحزاب وتشكيلات السلطة والدولة اذا كانت ممن تضيق بالمشاركة وبالتنوع السياسي.
ان الأفراد والجماعات المختلفة تتحد فيما بينها في شكل تنظيمي طوعي مرن أو فضفاض أو مبني على قواعد وأصول ونظام داخلي يعرف ويحدد الحقوق والواجبات ويوسع من مجالات العمل ومستويات المشاركة والمبادرة السياسية وفقا لتراتبية هرمية واضحة من أجل أهداف استراتيجية بعيدة المدى للنفع العام وعلى أسس تقاليد عمل رصينة مأخوذة من التجربة العميقة او حتى من  الخطأ والصواب، و بالطبع فهي في هذا السياق تتخلى عن بعض من امتيازات الفردانية  والمصلحة الذاتية  وترضى ببعض  التقنين  الذي يوفر القوة والأمان كديدن اي تقنين  يسلب بعض من الحرية الشخصية والفئوية من أجل كثير من القوة والجهد الجماعي المطلوب لانجاز الأهداف.
وأي كان حجم وثقل التقنين أو مديات الحرية الشخصية داخل الاطار التنظيمي، فأن العقد التنظيمي الذي يصل اليه الأفراد والجماعات فيما بينهم من خلال مؤتمرات التأسيس أو المؤتمرات المحددة في توقيتاتها أو الاجتماعات الدورية الموسعة كل بحسب القوانين النافذة لقانون الأحزاب في كل بلد يقف على عتبة موازنة دقيقة من أجل الحفاظ على الخيار الطوعي في الانتماء وتوحيد الجهد الجماعي من أجل حرق المراحل على حسب تسمية الأدبيات اليسارية أو مضاعفة الجهد بحسب الاستدراك الغربي، ومهما كان موقع ومرسى التطبيق العملي فان التجارب السياسية تبرهن على صواب الرؤية الحزبية المنبثقة والتجارب المختلفة على مستوياتها في البلدان التي خاضت التجربة الحزبية المستقرة أو شهدت مراحل من الانفراج السياسي يسمح بنوع من النشاط الحزبي، وتجربة كردستان والعراق بشكل عام تكشف صوابية هذه التجربة فيما مضى من مراحل يوم كانت التجربة النضالية الحزبية المتجذرة لها دورها في قيادة دفة النشاط الحزبي، الا ان الزمن الردئ الذي نعيش تجاذباته وارهاصاته الحالية هو زمن أصبح فيه العمل الحزبي يفتقد الى جاذبية العمل الجماعي الذي تتوحد فيه قوة الأفراد والجماعات نحو الهدف الاستراتيجي المعين، بل أصبح فيه الاطار الجماعي وكأنه قيد يدمي المعصم السياسي للأفراد ويستنزف القوة الجماعية بل ويطيح بالجهد الفردي للأفراد والمجموعات لأنها تنهكهم في صراعات داخلية جانبية بدلاً من توحيد الجهد في الصراع مع التنظيمات الأخرى أو القوى المناوئة لبرنامج الحزب المذكور.
ولا شك أن مبعث هذا التراجع والسلبية في نتاج  العمل الجماعي الحزبي ليس بسبب فشل الاطار الحزبي كوعاء ذهبي لايمكن الاستغناء عنه لقوة العمل الجماعي بل بسبب الخروج عن الأطر التنظيمية المنسقة، والديناميكية العضوية  للحياة الحزبية الداخلية، فرداءة التركيب الحزبي الداخلي و كسر شوكة الالتزام بالنظام الداخلي كدستور للحياة الداخلية الحزبية، يسبب تصدعا للبنيان الحزبي بوصفه كتلة من النشاط الجماعي المكثف و المضاعف من قوة الافراد حيث تتطغى المحسوبية والفساد والزبائنية في النشاط الحزبي، ويصبح كل ذلك معول هدم للحياة الحزبية وبالتالي هي قنبلة موقوتة لتشظي اذرع الجهد الجماعي وتسخيف النشاط الحزبي سواء الفردي أو الجماعي وتسخير الجهد الجماعي من أجل مصلحة فئات أو مجموعات مختلفة، وهي تصبح عناوين سلبية لأفراد سيئين ورموز فاشلة لا يمكن لأي فرد أو مجموعة داخل الاطار التنظيمي أن تدافع عنها وعن مثالبها المكشوفة للقاصي و الداني، فكيف أن تتوحد معها في جبهة؟!
أن اصلاح المسار الحزبي في كردستان كما في الااطار العراقي الاوسع بوصفه ملمحا ديمقراطيا  و قاعدة للحياة الديمقراطية المعاصرة يتم فقط بالوفاء للمبادئ والتقاليد الحزبية والأسس التنظيمية التي تعيد العافية والهمة للجهد الجماعي للافراد من أجل تحقيق الاستراتيجيات البعيدة خدمة للصالح العام في المجتمع والوطن.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…