أي فارس محبة كنت يا د. فارس كره بيت ؟!

ابراهيم محمود 
كم محل إعراب محبة كان لك يا عزيز الروح يا دكتور فارس كره بيت؟ وأنت بهذه السرعة تفارقنا إلى الأبد في طية بحرية غادرة سافرة؟ كم محل إعراب محبة لجميل حضورك، لأناقة ظلك الإنساني، لرحابة روحك المضيافة والإيثارية، لسريانيتك المضيئة ، في عالم ضاق بنا كثيراً، نحن أحبتك، أصدقاؤك الذين كنا نلتقي ذات يوم دورياً، وبعد الحدث السوري المريع، نتحادث عن بعد دورياً، كما لو أن قامشلو/ قامشلي تحملنا معاً، ترفع شأننا اللامذهبي معاً بأكثر من لغة، بأكثر من إيقاع ضوئي، كما لو أن قريتك ” تل فارس ” حاضرفي بضع كلماتة بيننا، وها هي الآن ترفل في سواد صارخة في بحر غدّار الموج عما فعله في فارس، فارسنا غيلة ؟
كيف لي، أيها الصديق المترع بالود، أن أسطّر ما ينسي النسيان ويمنح ذاكرة ما كنّاه ذات يوم حتى الأمس القريب جداً، وأنت استحلت ظلاً في الروح، لروح فارسة، روح يمتد ظلها بين تخوم قرية ” تل فارس ” وجنبات قامشلو/ قامشلي، وربوع إيسن الألمانية وصفاقة بحرها ذي الدم البارد، وأنت لم تعد إلا ما يجعلك إلى الغياب، رغم جلاء حضورك المفخَّم بيننا، أمامنا، داخلنا، حيث تتكلم ابتسامتك، تتهفهف وداعتك، تعبق طيبتك ممتزجة بدقة أناملك ورهافة حسها الإنساني في الجراحة التي أنقذت أرواحاً متعددة الألسن؟
أعلمني الصديق ابراهيم يوسف من ألمانيا/ مدينة إيسن  بفجيعتنا نحن صحبه، أحبته، أي من كان مأثوراً فينا بكلّيته، بما لا يراد سماعه وأنا في قامشلي/ قامشلو، أنك طوِيت بغتة في بحر ألماني الأمس الذي بات تاريخاً فجائعياً والله !
هل أودعك دمعة الروح التي لا تتجزأ، أم حاضنة القلب التي اهتزت لسماع عبارة: بالأمس توفي الدكتور فارس كره بيت غريقاً في بحر ألماني؟ كيف لي أن أكتب ما لا أريد كتابته بما يهز الروح من الأعماق، أن أعترف أن ثمة ما مضى دون رجوع، وأنا كلّي الاضطراب، كلي المتقاسم بين شك ويقين، وأنا أتخيل أهلك الطيبين، زوجتك الطيبة، ولدك الطيب، ترابك الطيب الذي مشيت عليه وحملت أكثر من بصمة من رنين روحه داخلك، وأنا أمعن النظر في جهاتي كلها، وثمة رعشة تتملك أصابعي، عيني، أنفاسي، وكلي محاولة لأن أودع الصفحة البيضاء بضعاً من حقك الإنساني الأثير فينا، قهراً لقهر، في بضع كلمات، حتى لو كانت بضع صفحات، بضع عشرات، مئات، آلاف الصفحات، لأن ظل فروسيتك الفارسية يا أبا وسيم يفيض على الكلمة المنطوقة والمكتوبة، الظل المتعدد الأبعاد، وأنا أتخيلك حياً أمامي، منتظم الأنفاس، كعهدي بك ضحوك الوجه والكلمات، ودقيق الحركة والكلمات، وأنا أخادع نفسي أنك أنت الحاضر، وأنه ربما يكون هناك فارس آخر، لكنها حقيقة غيابك الأبدية الطاعنة في الروح، والصادمة لمحبيك، لأثريات حضورك حيث كنت مقيماً بيننا لزمان خاص نقدر عمق حسابه الإنساني، من خلال حضور لك هنا وهناك .
لكم أضعفني رحيلك يا أبا وسيم، لكم أنزف روحي سهم رحيلك الحاد، لكم بلبل لساني غيابك المفاجىء، ولا بد أنه آلم كثيرين، كثيرين بتعدد لغاتهم وأعمارهم، كما هي كثرة روحك، حضورك، مكانتك، خفة روحك الحيية، إنما هو ضعف انتشلني مما أنا فيه، وأيقظ فيني شجاعة لا بد منها، لأقول في رحيلك المباغت ما يبقيك بيننا، ونحن في هذا المعمعان الضارب هنا وهناك، لأقول ما يبقيني أقدر على تذكرك يا فقيد أهلك وأحبتك ومدينتك وقريتك.
امض إلى الأمام يا العزيز فارس، كي نكون أكثر تبصرة لخطواتنا حيث تستقر في ذاكرتنا المضاءة بك، فاسلم بروحك لنا، يا نزيل فردوس أحبتك  الروحي قبل أي فردوس آخر، طوبى لروحك، والعزاء الأعظم لأهلك وعائلتك ولنا، أيها المنتمي إلى أعالي ذاكرتنا أبعد من كل نسيان، وأقرب من كل مسافة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…