جان كورد
يعلم الجميع أن أهم أعداء الولايات المتحدة في العالم هو من يقدر على غزو القارة الأمريكية، أو تعريضها لخطر كبير، وهذا يعني في الوقت الحاضر جمهورية الصين الشعبية وروسيا والتنظيمات الإسلامية الإرهابية، ولا توجد قوةٌ أخرى تستطيع النيل من الولايات المتحدة الأمريكية، فلا الاتحاد الأوربي ولا العالم العربي ولا الهند والباكستان ولا اليابان وكوريا الشمالية التي كادت تخرج منذ فترةٍ قصيرة من بين القوى التي تحسب واشنطن لها حسابا، إلاّ أن الإدارة الأمريكية تضع من بين كل هذه القوى الكبرى والأقل شأناً إيران هدفاً لها في المستقبل القريب، وبالتحديد الوجود الإيراني خارج حدودها الوطنية، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض دول الجزيرة العربية والخليج، بل إن السيد ترامب يعتبر إيران أخطر دولةٍ في العالم، وهي ليست كذلك، ولذا فإنها ألغت الاتفاقية النووية معها، رغم أن دولاً أخرى صديقة لواشنطن كانت قد وقعت عليها ولا تزال تعتبرها سارية المفعول وتلوم واشنطن على تركها مقعدها شاغراً في التحالف الدولي على طاولة المباحثات حول الاتفاقية مع طهران.
فما السر في ذلك؟
الولايات المتحدة قادرة على تدمير إيران عسكرياً وشل اقتصادها وإضعاف عملتها الوطنية وانهاء تدخلاتها العسكرية والسياسية في شؤون الشرق الأوسط، إلاّ أنها لا تودّ القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد إيران بمفردها، وإنما بمشاركة من دول العالم الحر الرأسمالي التي تملك جزءاً كبيراً من الأموال العالمية، مثلما فعلت في حرب الكويت قي 1990- 1991ومن بعدها في عملية إسقاط نظام صدام حسين في 2003 وكذلك في حرب أفغانستان، وذلك كيلا لا تتحمّل وحدها مسؤولية تردي الأوضاع في إيران نتيجة الحرب، أمنياً واقتصاديا، كما جرى في أفغانستان والعراق والصومال من قبل.
والدوافع التي تكمن وراء الحملات الإعلامية الواسعة والتهديدات بتقليم الأظافر الإيرانية في المنطقة وإيقاف ضخها وبيعها للبترول وطردها من سوريا والعراق خاصةً، إضافةً إلى وضع اسمها في قائمة الدول الراعية للإرهاب أو ما يسمى ب”محمور الشر” دوافعٌ عديدة، في مقدمتها أن التوسّع الإيراني في سوريا -مثلاً- خطر على وجود اسرائيل التي تعتبرها واشنطن أهم حليفٍ لها في الشرق الأوسط، وكذلك فإن إيران تسعى لامتلاك مختلف أسلحة الدمار الشامل من دون وجود دول معادية لها على حدودها، فتعتبر واشنطن هذا التسليح تهديداً مباشراً لوجود اسرائيل ولدول عربية حليفة أو صديقة للولايات المتحدة في المنطقة، وقد تكون إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي ومضيق باب المندب الهام، وهذا سيكون بمثابة ضربة للاسترانيجية الأمريكية في أهم المناطق الغنية بالبترول في العالم، وعلى الطريق البحري إلى الهند والباكستان وسواهما من دول الشرق، إضافةً إلى هذا، فإن الدافع الآخر لعداء أمريكا التام هو سعي إيران المستمر لتصدير الثورة الخمينية بعقائدها الغريبة إلى دول الشرق الأوسط السنية، وهذا يعني سكوت إيران عن التنظيمات الإرهابية المعادية لواشنطن، بل وتوسّع إمكانية دعمها وتقويتها لتصبح قادرة على ضرب النفوذ الأمريكي أنما كان، وهذا لايروق لأحدٍ في العالم الغربي، ويدفع بأصدقاء واشنطن إلى مزيدٍ من التضامن والتعاون مع الإدارة الأمريكية في موقفها المناوىء لإيران التي لها ثروات نفطية هائلة يسيل لها لعاب الدول الصناعية التي تأمل السيطرة على مقدرات هذه البلاد في تنافسٍ واسع النطاق مع روسيا والصين على تصدير ما تحتاجه السوق الإيرانية والصناعة الحربية لطهران، ولا تحب أن تنتج طهران صواريخ باليستية وغواصات نووير وحاملات طائرات بنفسها.
من أجل هذا، فإن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع كل الذين لهم خلافات مع إيران، ومنها المعارضة الوطنية الإيرانية المشرّدة، والحركة السياسية الكوردية التي بدأت بعض فصائلها بتجديد عملياتها القتالية ضد السلطة المركزية في طهران، والمناوئين لتدخلاتها في العراق وسوريا، وكذلك المعارضة البلوجية والعربية داخل إيران وخارجها، وكل من له مصلحة في تقليص النفوذ الإيراني وتخفيض أعداد وقوى الحرس الثوري الإيراني والتنظيمات الإرهابية الموالية لملالي طهران في الشرق الأوسط، ومن ضمنها حزب الله الإيراني وتنظيمات الحشد الشعبي في العراق وسواها.
إلاّ أن واشنطن غير مهتمة ببقاء بعض أتباع طهران في مواقع هامة في المنطقة، رغم أن هؤلاء الأتباع لن يخرجوا على أوامر الملالي وسيظلون أوفياء لسلطة “ولي الفقيه” رغم عدم اعتراض واشنطن على بقائهم واستمرارهم في ممارساتهم الخاطئة وخروقاتهم اليومية المستمرة لحقوق الانسان، ومنهم حكام دمشق وبغداد الفاسدين الفاشلين الذين تسببوا بقتل أعدادٍ كبيرة من مواطنيهم وغير القادرين على إدارة بلدانهم بشكلٍ سليم. والسبب في ذلك هو أن الولايات المتحدة لم ولن تهتم بقضايا حقوق الانسان حسبما نأمل منها كدولة عظمى، وإنما هي مهتمة بتحقيق مصالحها وصون استراتيجيتها العالمية، فالولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي لم تتحمّل وجود ميلوزوفيتش وجنرالاته المجرمين سوى فترة قصيرة، لأن يوغسلافيا التي مزّقوها تقع على مقربة من البلدان الرئيسية في أوروبا، في حين لايهمها بقاء نظام بشار الأسد الذي دمّر البلاد وأهلك العباد بالفعل.
فماذا يجب أن يكون عليه موقف الكوردستانيين في هذا الصراع الذي ربما يتحوّل إلى مواجهة عسكرية، في سوريا والعراق أولاّ ثم في داخل إيران، حيث وعد المستشار الأمني للرئيس ترامب، جورج بولتون، المعارضة الإيرانية بأن يحتفل معهم العام القادم في طهران ذاتها؟
لايمكن لأحد إنكار الدور الهام للكورد، شعباً وسياسةً وقوةً قتالية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أثبت الكورد أنهم رأس الحربة العالمية ضد الإرهاب في العراق وسوريا، وهم قادرون على زعزعة الاستقرار في ايران، بعد أن ظلوا لعقودٍ من الزمن سبب نزيفٍ عراقي مستمر بسبب عنجهية النظم التي حكمت في بغداد ورفضت على الدوام منح الشعب الكوردي ما هو حقٌ له في أرضه وخيرات أرضه وفي حكم نفسه، ولذا فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تهمل هذه القوة الكوردية أو تتجاهلها في رسم سياستها المرحلية حيال طهران.
إلاّ أن تجارب الكورد مع الأمريكان مريرة، أثناء ثورة أيلول المجيدة (1961-1975)، حيث الهزيمة التي لن تنساها الأجيال القادمة من الكورد بسبب سياسة وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر حيال الثورة آنذاك، وعلى أثر اسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 مع المندوب الأمريكي بول بريمر الذي أصرّ على حل قوات البيشمركة، وكذلك بعد إجراء الاستفتاء على استقلال جنوب كوردستان مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي عارض الاستفتاء، على الرغم من أنه إجراء ديموقراطي، وأخيراً الموقف الأمريكي غير المشجّع للكورد أثناء احتلال الحشد الشعبي لكركوك بالتحالف مع خونة كورد، وفي سوريا ثمة تجربة مريرة للكورد مع واشنطن، أثناء قيام تركيا ومرتزقتها السوريين باحتلال منطقة جبل الكورد (مركزه عفرين)، حيث رفض الأمريكان الذين قاتل في ظلهم الكورد في شرق الفرات مدّ يد العون لهم في غرب الفرات.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن القيادات الكوردية تعلم جيداً أن الدول الغربية لاتحلّ أي مشكلة دولية حلاً كاملاً، فإنها لم تنهي المآسي في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وسواها، ولذا تفضل هذه القيادات حل المشاكل العالقة مع حكومات الدول التي تقتسم كوردستان بالحوار معها، لعلمها التام أن الولايات المتحدة ستدير ظهرها للكورد حال الانتهاء من القضاء على أعدائها، فهي الآن مهتمة جداً بالقضاء على داعش في المنطقة، وعلى التواجد الإيراني في سوريا واليمن، ومن ثم قد تجد عدواً آخر لها في المنطقة، كالوجود العسكري الروسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا، أو حزب الله في لبنان، وستدع الكورد يجابهون مصيرهم لوحدهم، ولذا، فإن قيادات الكورد تفكّر مرتين في أي إقدامٍ لها على التحرّك وفق احداثيات الدول العظمى التي تتبدّل حسب مصالحها واستراتيجياتها العالمية، فإذا اتفق السيدان ترامب وبوتين في لقائهما المقبل على مشكلة أوكرايينا فسيتم الوصول إلى حل في سوريا أيضاً، ولكن الحل الحاسم لن يتناول القضية الكوردية المعقدة مهما كان الكورد مستعدين للعمل مع أمريكا أو روسيا…
على الكورد، التواصل فيما بينهم والتعاون من أجل وضع استراتيجية كوردستانية موحدة لهم، على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، وإلاّ فإنهم لن يؤّثروا في سياسات الدول العظمى إلاّ قليلا، وستسنمر مآسيهم وهزائمهم وجراحهم وصرخات استغاثتهم، ولا حياة لمن تنادي.
kurdaxi@live.com 10 تموز، 2018