ماجد ع محمد
“لا خير في ودِّ امرءٍ متملقٍ حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاه يحلف أنه بك واثقٌ وإِذا توارى عنك فهو العَقْرَبُ”
يذكر الكاتب سهيل كيوان في وقفة تعريفية له عن فئة الشبيحة قائلاً: بأنهم زعران ورعاع تابعون للسلطات على أنواعها، هم موالون بشكل أعمى نتيجة مصلحة مادية يغطونها بقناع المبدئية، ويحاولون التظاهر بالعزة والكرامة المفقودة من خلال الولاء المطلق وتجاهل الحقائق والتجند لقمع كل من يخالف أفكار وآراء ومعتقدات زعمائهم.
والشَبّيحة: مفردها شَبّيح، وفق تعريف الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، وهو مصطلح دارج في سورية كان في البداية يُطلق على أفراد العصابات الخارجة عن القانون والتي كانت تستخدم العنف والتهديد بالسلاح لخدمة شخص نافذ وذلك من أجل ابتزاز وإرهاب الناس وممارسة نشاطاتهم خارج إطار القانون.
ومن المعروف أن الشبيحة كانوا فيما مضى من الموالاة، وحصراً ممن يعملون مع عوائل رأس النظام، ليحصوا على الدعم والحصانة لارتكاب كل الموبقات بحق عامة السوريين، ثم توسّع مدلول هذه الكلمة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 لتشمل وحدات كاملة من القطعان البشرية التي تتبع النظام كقوات رديفة لجيشه وأجهزته الأمنية بهدف حمايته من المعارضين لطغيانه وجبروته، إلا أن إطالة عمر الثورة أدى إلى ظهور فئات من الشبيحة داخل فصائل المعارضة أيضاً، وغدا المواطن في شك من أمر عناصر الكثير من الفصائل المحسوبة على الثورة، ويرى بأن سلوكيات فئات لا بأس بها من العناصر لا تختلف البتة عن ممارسات شبيحة آل الأسد، والشبيح في النهاية هو شخص متزلف وغير سوي، لديه ميول عدوانية، وذا خلفية غير أخلاقية، يكره القانون ويتسم بالنفاق والتملق الشديدين، وذلك سواء أكان الشبيح شبيحاً للنظام أم لقوى أخرى غيره.
ووفق القراءة السلوكية للكثير من الأوادم في بلدنا يتبين لنا بأن الشخص المزاود على الأغلب هو ممن كان له ماضٍ غير مشرف، لذا يحاول أن يتهرب من ذلك الماضي ليطمره، أو يعدمه من خلال الرمي على نفس الاتجاه، أو يتخلص من تبعاته عبر رفع صوته على كل من يحاول أن يذكره بذلك التاريخ الشخصي النتن، حيث يلجأ الى المبالغة في العناية بخطابه القومي أو الوطني أو الثوري أو الحزبي أو العشائري، وذلك من خلال استشراسه في اتهام الغير أو تخوينه أو تحقيره أو تكفيره أو شيطنته، وكل ذلك من أجل إعطاء الشرعية لنفسه كذات قيمة على حساب نزع الشرعية القيمية عن الآخرين، وبالتالي رمي كل مقابحه السابقة في سلة سواه، مع أن العدل والإنصاف والحق والالتزام بالقوانين الوضعية أو السماوية لا يستلزم أي مزاودة من قبل الإنسان السوي.
ومن الواضح أن مضمار التشبيح لدى بعض النفوس الرديئة في مجتمعنا توسّع وانتقل من داخل السور الوطني إلى خارج حدود البلد، حيث بدا لنا أن معظم العناصر الذين يظهرون اليوم التملق الفاقع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن خلال التحري عن ماضيهم نراهم ممن كانوا من محبكجية بشار حافظ الأسد فيما مضى، ولكن شاءت الأقدار بأن يغيروا قِبلة الولاء خلال ثماني سنوات، إذ كانت كعبتهم السابقة هي القرداحة بينما اليوم صارت أنقرة، ولا شك بأن من تربى وترعرع على ثقافة الوصولية والتملق سيبقى كذلك أينما حط رحاله، ففي الأمس كان الأسد كعبة ولائهم، واليوم أردوغان وغداً ستحدّد المتغيرات والظروف السياسية وجهة ولائهم وقِبلتهم الجديدة، وثمة شيء ربما لم يخطر على بال أهل المحاباة والتزلف ألا وهو تغافلهم عن اللقاءات المكوكية بين هاكان فيدان وعلي مملوك، ومدى إمكانية التبادل للمعلوماتي بين البلدين، وأنه لا يُخفى أبداً على الجانب التركي (الاستخباراتي) الماضي المحبكجي القميء للكثير من السوريين المزاودين، الذين غدوا يزاحمون الشعب التركي في إظهار المحبة والولاء المطلق لرئيس دولتهم.
على كل حال فهناك أجيال سورية ترعرت في حواكير التشبيح طوال حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، بدءا من التشبيح في زمن الأسد الأب وحيث ذكرت بعض نجاساتهم الروائية السورية هبة الدباغ في روايتها خمسُ دقائق وحسب، وكيف أن محبكجية نظام الأسد الأب نهبوا وسلبوا أهالي حماة لإظهار ولائهم ومحبتهم للنظام، فاستولوا لتأكيد ذلك الولاء التشبيحي على ممتلكات المدنيين بذريعة الانتماء الى تنظيم الاخوان المسلمين؛ مروراً بشبيحة الحاضر الذين كانوا أوفياء لثقافة التشبيح البعثي المقرف إبان حكم الأسد الابن وخاصة خلال سنوات الثورة السورية، وصولاً الى التشبيح حتى للدول المجاورة لسورية، إذ كنا في التشبيح لنظام الأسد انتقلنا إلى زمن التشبيح لتركيا في مناطق الشمال السوري وبشكل خاص في منطقة عفرين، حيث أن محبكجية تركيا من شبيحة الثورة يحاكون حالياً في عفرين نفس ممارسات شبيحة الأسد، وذلك من خلال محاولتهم إظهار ذواتهم على أنهم حريصون على أمن تركيا أكثر من الأتراك أنفسهم، وأنهم على استعداد لنسف كل من يعارض تركيا، وإمعاناً في السلوك التشبيحي لديهم سطوا على ممتلكات بعض المدنيين البسطاء في المنطقة بذريعة انتماء أصحابها إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، علماً أن الدولة التركية نفسها لم تضع يدها لا على أملاك أقارب عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، ولا على أملاك أقارب وأنصار زعيم حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين ديمرتاش، وذلك باعتبار أن تركيا دولة قانون ومؤسسات، وليست دولة لأهل التشبيح والتملق كما يظنها المتخرجون من حظائر الدجل في سورية، ولكن يبدو أن التشبيح تحول إلى ثقافة للاعتياش لدى فئة من المجتمع السوري، والشبيحة في طبيعتهم سواء أكانوا هنا أو هناك وجدوا ليكونوا ملكيين أكثر من الملك نفسه!!.