جان كورد
بدايةً فإن النكسة تعني في العربية، كما تعني (عودة المرض وتراجع حالته إلى الأسوأ). وفي الانجليزية (Setback) كما في الألمانية (Rückschlag) وفي الفرنسية (Recul)، وفي الكوردية (Paşveketin) و(Têkçûn) وأياً كانت اللغة، فإن المعاني متقاربة ولا تبتعد عن الإخفاق والهزيمة والانكسار، وهذا يعني أننا لا نستطيع “تبرير” الفشل الذي أصاب (إدارة الأمر الواقع) التي استبدت بمنطقة جبل الكورد (كورداغ) طوال سنوات ما اعتقدنا أنه كان “ثورة حرية وانسانية والوطن المشترك!”.
وأوّل سؤالٍ يتبادر إلى الأذهان هو : طالما كانت هذه الإدارة متأكّدة من أن ما يجري في سوريا ليس “ثورة” وإنما ارتداد وتراجع عن “التقدمية”، فلماذا اختار زعماؤها ما أطلقوا عليه اسم “الخط الثالث!” بين النظام والمعارضة؟ فهل من شارحٍ لهذه النقطة بالذات؟
والسؤال الثاني في هذا المجال هو : أين هي أخوة الشعوب في “الأمة الديموقرطية!” التي اعتقد أنصارها قدسيتها وعظمتها لأنها خرجت من فم “القائد المعصوم!”، طالما قادتها من عرب وترك وتركمان يهربون من مواقع المسؤولية، مثل العميد حسام العواك والعقيد طلال سلو, وطالما “الإخوة العرب” الذين اقتحموا عفرين كان في جيوبهم “فتوى!” من عدة شيوخ دين تبيح لهم التصرّف كالمغول والتتار والطوران في أيام زمان؟ نعم أين هي أخوة الشعوب الخيالية يا رجال الأممية الايكولوجية البراديغمية الأوجلانية؟
ما جرى ويجري الآن في هذه المنطقة التي يسعى المحتلون وأتباعهم مسخ شخصيتها القومية الكوردية يستحق فتح محاكم لجرائم الحرب ولانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة، لأنها السياسة الهادفة إلى اقتلاع الكوردي من أرضه وحرمانه من منزله ومزارعه وإلى استيلاء الغرباء على ممتلكاته ومحاصيله وإفراغ جيوبه مما لديه من أموال كسبها بعرق جبينه، واضطهاده كعبدٍ يباع ويشترى في المخيمات في ظل ما تبقى من “إدارة الأمر الواقع” وفي قريته تحت سلطة الاحتلال التركي وجيش “المحمدجيك” ذي الانتماء العريق لحلف الناتو، الحلف الذي له قيمٌ ومثلٌ ومبادىء كما نسمع ونقرأ عنه، هذا الجيش الذي يسعى قادته السياسيون إلى أسلمة تركيا بشكلٍ تام، فهل هذا هو الاسلام الذي يريد تطبيقه حزب العدالة والتنمية في المناطق الكوردية التي يقتحمها، أم وراء الأكمة الاسلامية أكمة بني طوران العنصرية؟
حيث أن الشعب الكوردي في هذه المنطقة قد عانى طويلاً من اجراءات وسياسات وانتهاكات سلطة الأمر الواقع، وعلى الأخص من تجنيد الفتيان والفتيات إلزامياً للقتال في مدن ومناطق ليس فيها كورد، أو أن الكورد فيها أقلية طفيفة، مثل مدينة الرقة ومنبج وتل رفعت ونبل ومنغ، وحتى في المدن البعيدة مثل دير الزور، فقد هرب عشرات الألوف من الشباب، عبر الأسلاك الشائكة لحدود عدة دول، أو مخاطرين بحياتهم لعبور البحار، فإذا بتعداد المواطنين الكورد يتناقص بسرعة، من قبل أن تهاجم القوات التركية ومن تحت أمرتها من فصائل عربية وتركمانية سورية وغير سورية سنية متطرفة وعلى وجوهها قناع “الجيش السوري الحر” الذي تحوّل من ولاء ضباطه لنظام البعث إلى الولاء للعسكريتاريا التركية، وما أن بدأ الغزاة ب”فتحهم الاسلامي!” حتى شرع المواطنون في إخلاء المنطقة، وبهروب مقاتلي وحدات حماية الشعب من عفرين فجأةً، بدأ جيش الفتح الاسلامي هذا بالسلب والنهب والتقتيل والتعذيب وتصرّف بوحشيةٍ يمكن اثباتها بالصور والفيديوهات وشهادات العيان وتقارير المنظمات المهتمة بحقوق الانسان، فإذا بالمنطقة تفقد في أقل من شهور ملامح شخصيتها القومية، وهذا ما كان يطمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويحسده عليه البعثيون وشبيحة الأسد أيضاً ومن خلفهم عصابات المليشيات التابعة لملالي إيران.
إن المحاولات المستمرة من قبل ما تبقّى من أنصار “إدارة الأمر الواقع” و “كانتون عفرين” ومن والاهم من أحزابٍ كوردية تابعة لهذه الادارة، كرهاً أو طوعاً، قد فشلت في منع وعرقلة عودة المواطنين الهاربين إلى مواطنهم، حيث قراهم ومزارعهم المغتصبة من قبل “الفاتحين الجدد!”، وفي الوقت ذاته وجد المواطنون أنفسهم من دون معين لهم على تجاوز هذه النكسة الخطيرة، فلا أنصار الإدرة الفاشلة ولا أحزاب ما نسميه ب”المجلس الوطني الكوردي” قد قام بمساعدة شعبنا للخروج من المأزق التاريخي الخطير. وفي هكذا ظروف قاسية وقاتمة اللون، حيث تذبح المنطقة بسكاكين المتطرفين وتحت أنظار سلطة الاحتلال التي تعلم جيداً أن هؤلاء يتصرفون هكذا بلا إنسانية وفي جيوبهم “فتوى” تبيح لهم كل أعمال السطو والاجرام، توجهت أنظار المواطنين الذين شعروا بالمهانة في هذه المرحلة صوب العالم الخارجي، حيث العديد من الجاليات الكوردية ومن ضمنها الكثير من كورد عفرين نفسها، وهم ليسوا عمالاً ولاجئين فحسب، وإنما منهم الأطباء والمحامون والمدرسون ومن مختلف الاختصاصات، وكذلك منهم ذوو الخبرة السياسية الطويلة ومن لهم علاقات وثيقة مع منظمات حقوق الانسان والأحزاب في البلدان التي يعيشون فيها، فوجد الطرفان (الخارجي والداخلي) نفسيهما بحاجةٍ إلى بعضهما البعض، وهذا أمرٌ طبيعي وانساني ووطتي أيضاً، فتواصل منهم من تواصل مع الآخرين وتنادوا من أجل حراك يخدم عفرين وينقذ عفرين بعد حدوث النكسة، فظهرت مجالس سرعان ما تمّ اتهامها من قبل الفاشلين في إدارة الأمر الواقع ومرتزقتها ضمن الأحزاب الكوردية، بأنها “أردوغانية، خائنة، وساعية للثراء والسلطة!”، وهذه الاتهامات تتوالى عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالرعد والبرق والسيول في الشتاء، ومن جهةٍ أخرى ظهر الجفاء بين هذه المجالس والمعارضة لإدارة الأمر الواقع، فالمعارضة ترى نفسها أولى بهكذا حراك ومجالس، إلاّ أنها لا تفعل شيئاً في هذا المجال، وإن حضر أحد أعضائها مجلساً فإنه على الأغلب “ضيف!” ويسعى طوال الوقت لانكار وجود صفة حزبية له، ثم بعد انتهاء الاجتماع يهمس العضو الضيف في أذن غيره، زاعماً أن حزبه كان وراء تلك الفعالية، في حين أن العقلاء من الوطنيين الذين يتألمون لما يجري في كورداغ ولما عليه الحركة الوطنية الكوردية السورية، قالوا ويقولون: دعوا الجميع يعملون من أجل عفرين، كلٌ حسب طاقته وقدراته، وعلى كافة المستويات، ومع الأيام تتراكم الفعاليات والجهود والامكانات فتصبح أقوى وأنشط وأقرب إلى الواقعية والعملية. فأيد بعض هؤلاء مجلساً من المجالس وساهم بعضهم في اقامتها واتخذ بعضهم موقعاً مسؤولاً فيها، وهذا ما عرّضهم للنقد والاستهزاء والتجريح، بل لاتهاماتٍ شتى أيضاً.
من البديهي ألا تكون المجالس صورة طبق الأصل عن أحزابنا الديموقراطية وغير الديموقراطية، من حيث التنظيم والادارة ومن حيث المساحة التي ستعمل وتتلاقى أو تتنافس عليها، فالناشطون الذين تلاقوا للعمل من أجلها مختلفون سياسياً وفكرياً وثقافياً وخبراتٍ وتجاربَ عملية، في المجالات الخدمية والعلاقات الخارجية والنشاطات الأخرى، فمنهم من يرى أن سلطة الأمر الواقع انتهت كلياً في عفرين وتولّت سلطة جديدة مكانها وصارت “أمراً واقعاً” لا بد من العمل في ظلها، ومنهم من يرى أن السلطة الجديدة هي سلطة احتلال ولها ذراعٌ اسلامي متشدد من الفصائل التي سيطرت على المنطقة، ويجب التعامل مع هذه السلطة كسلطة “احتلال”، حيث لها واجبات والتزامات حسب القانون الدولي. ومنهم من يتوقّع أن تبيع السلطة الحالية المنطقة حسب توافقات اقليمية أو دولية للنظام الحاكم في سوريا، فيجب التصرّف حسب امكانية حدوث هذا الاحتمال مستقبلاً، أمّا الحلقة الأضعف من بين هؤلاء المختلفين في تصوراتهم وأفكارهم فهم أنصار سلطة الأمر الواقع المنتهية فعاليتها في المنطقة، فالشعب الكوردي يتهم هذه الحلقة بأنها السبب الأوّل في حدوث هذه النكسة التاريخية له.
الغريب في الأمر أن بعض المسؤولين في هذه المجالس يعتبرون أنفسهم “محامين” لشعبهم لدى سلطة الاحتلال التركي، وعلى كل الذين يقومون بفعاليات ونشاطات مجلسية، في الداخل والخارج، يجب أن يخضعوا لهم، فهم المحامون المكلفون حسبما يعتقدون ولا يحق لأحدٍ آخر النضال دون إذنهم واشرافهم وقيادتهم. وهذا ما يعرقل وحدة أو اتحاد هذه المجالس.
ومن أجل مزيدٍ من الصراحة، أقول لأبناء وبنات شعبنا: في اليوم الذي عقد ناشطون من مختلف البلدان الأوربية وكندا وبريطانيا اجتماعهم الموسّع (مايقارب 70 ناشطاً) في بلدة فالدورف بالقرب من مدينة بون الألمانية في 29/4/2018 ، بعد تشكبل لجان للعمل الأغاثي، والقانوني، وتوثيق المعلومات عن الانتهاك، والعلاقات العامة، وهيئة إدارية، صدر بيانٌ باسم مجلسٍ آخر زعم أنه انعقد في اليوم ذاته وأرسل وفداً من الأكاديميين إلى أنقره، وحتى اليوم لايدري أحد أين وكيف انعقد ذلك المؤتمر ومن دعا إليه ومن هم المدعوون، وهل فعلاً ذهب أكاديميون منه إلى أنقره، وما هي نتائج زيارتهم تلك؟ ثم تأكّد لنا أن ذلك المجلس الآخر لم ينعقد أصلاً وليس هناك أي اثبات أو دليل على حدوثه، وهذا ربما لايعرفه الناشطون في الداخل السوري.
طبعاً، لو قام المجلس الوطني الكوردي أو أي حزبٍ سوري آخر بواجبه تجاه عفرين، لما احتاج الناشطون في الخارج إلى تأسيس مجالس في الغربة، وإن تأسست هذه المجالس فلماذا الحرب عليها بهذا العنفوان وبهذه النظرة السلبية وكأن القائمين عليها “عملاء للأجنبي” أو “أعداء للشعب الكوردي”، ففي الدول المتقدمة ثمة مئات الفعاليات والنشاطات المختلفة التي تتعايش وتتعاون وتتفاعل وتتنافس في إطار “منظمات المجتمع المدني”…
وفي النهاية أقول: ليعمل كلٌ ما يستطيع، بدءاً من ارسال بعض المال لأحد الأقارب، وانتهاءاً بعملٍ كبير يستفيد منه شعبنا بأسره، وكل ما على العقلاء عمله هو التقريب بين الرؤوس والعقول ووضع مختلف البرامج على منصة واحدة بهدف توحيد المتقارب منها، لبناء منصة عفرينية قوية يساهم فيها كل من يسعى لتقديم خدمةٍ لشعبه الذي لا يزال يعاني من جراء هذه النكسة.
12 حزيران، 2018
kurdaxi@live.com