بحثا عن السلاح !

عبدالرحمن مهابادي*
عندما يضيق ذرع الناس في بلد يحكمه نظام استبدادي، يبحثون عن السلاح. وهذا أمر طبيعي وشرعي للغاية. لأنه انطلاقا من تلك النقطة وما بعد يأخذ موضوع سحب السلاح منحا شرعيا لا مفر منه على الإطلاق. لا توجد دكتاتورية مستعدة للتخلي عن السلطة بشكل طوعي. هذه حقيقة مؤكدة في تاريخ الثورات العالمية.
هل سيتنحى النظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران بالطرق الناعمة والمخملية؟ نأمل ذلك ولكن المعرفة الحقيقية لتاريخ وطبيعة الملالي الحاكمين لا تؤيد هذا الأمر. لأنه منذ قدوم هذا النظام في عام ١٩٧٩ حتى الان تمت التضحية بملايين الأبرياء وتضرر عشرات الملايين الاخرين.
لا يسعنا في هذه المقالة تناول هذا الأمر بالتفصيل وبسبب وضوحه ليس من الضروري المرور عليه. في حين يتحضر الإيرانيون المعارضون للنظام من أجل حضور المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإيرانية في باريس المقرر عقده في ٣٠ حزيران هذا العام يسعى الان الشعب الإيراني للكفاح من أجل قطف ثمرة انتفاضته من أجل نيل الحرية والسيادة الوطنية والشعبية وبالاعتماد على تجاربه السابقة في الانتفاضات التي جرت ضد (الديكتاتور السابق) يسعى للحصول على السلاح.
في الايام الاخيرة من عام ٢٠١٧ نادى المواطنون في الاهواز في انتفاضتهم ضد الحكومة الإيرانية ” ويل لليوم الذي حملنا فيه السلاح ” بعد أربعة شهور في شهر أبريل من عام ٢٠١٨ كرر أهالي كازرون الشجعان نفس هذا الشعار وشددوا عليه أيضا. هذا الشعار وهذا المطلب قد تكون قطعا في ضمير كل انسان ولكن من الممكن أنه لم يجد لنفسه مجالا للظهور في بعض المناطق الاخرى. هذا الأمر أحد دلائل تطور وتقدم الانتفاضة الشعبية.
هم الان في طور الاقتراب من هذه الحقيقة بأنه بدون السلاح لا يمكن التغلب على الديكتاتور الحاكم. لأنه تم اثبات هذه الحقيقة في تاريخ المواجهات مع الدكتاتوريات والان أصبح هذا الأمر أمرا ضروريا لا مفر منه على نحو مضاعف.
في عام ١٩٧٨ عندما انتفض الشعب الإيراني في وجه الدكتاتور محمد رضا شاه بهلوي استخلصوا من خلال تجربتهم أنه من أجل الوصول إلى النصر بالإضافة إلى استمرارية الانتفاضة والوحدة بين أطياف الشعب يجب أيضا حمل السلاح. هؤلاء خلال استمرار انتفاضتهم نادوا في وجه الحكومة بشعار ” ويل لليوم الذي حملنا فيه السلاح “. لم يستغرق الأمر طويلا حتى صدح نفس هؤلاء الناس منادين قيادة الانتفاضة بشعار ” سلحوا قادتنا “.
في ذاك الوقت ركب الخميني بغير وجه حق موجة الانتفاضة الشعبية ولم يعط أبدا حكما للجهاد أو للاشتباك المسلح مع دكتاتورية الشاه. وذلك لأنه لم يكن يوما قائدا حقيقيا للانتفاضة الشعبية ولم يرد أبدا للانتفاضة الشعبية أن تنتصر من خلال هذا الطريق.
لأنها لم تتوافق مع طبيعة الخميني المطأطئة والرجعية ومع أتباعه كما أن تعمق ورسوخ الانتفاضة لم يؤد فحسب إلى فضح الخميني وأتباعه بل وصلت بالشعب الإيراني إلى عزل الملالي جانبا و تشكيل حكومة شعبية في إيران وذلك بالاعتماد على القوى الاساسية للثورة ومن بينها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
ومن هنا نرى أنه بمجرد وصول الملالي إلى السلطة فإن أول عمل قام به الخميني هو اقتلاع وقمع الحرية والقوى المتحررة في المجتمع الإيراني ومن بينها منظمة مجاهدي خلق. وعلى هذا النحو الخميني الذي لم يصدر ابدا حكم الجهاد ضد الشاه قام باصداره ضد مجاهدي خلق ووفقا لهذه الفتوى حتى يومنا هذا تم اعدام أكثر من مئة وعشرين ألف شخص من أعضاء المقاومة الإيرانية.
بالنظر إلى الاحتجاجات والإضرابات الأخيرة في إيران نرى أن انتفاضة الشعب الإيراني تأخذ عدة مناح وطرق وكل يوم تتنوع ألوان الشعارات الشعبية وسماتها. في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة وسط الاشتباكات مع قوات النظام القمعية نادى الشعب بشعار : ” سأقتل، سأقتل، ذاك الذي قتل أخي “.
الشعب الإيراني لم يكتف طبعا باطلاق الشعارات في مسيرة الحرب مع هذا النظام. انهم في كل فرصة سانحة يقومون بحرق مراكز قوات البسيج والشرطة والنواحي الحكومية وسيارات قوات النظام القمعية أيضا.
الان السؤال المطروح هو متى سيتم استخدام السلاح في انتفاضة الشعب الإيراني وكيف؟ ولاسيما مع وجود معارضة تسعى لإسقاط النظام. على الرغم من أن الجميع يتمنى أن لا ينجر الأمر لهذه النقطة ويتم تغيير النظام الإيراني. ولكني على ايمان بأن هذا النظام سوف لن يسقط إلا عن طريق السلاح والغضب.
مراكز العصيان التي تركزت على أساسها استراتيجية المقاومة الإيرانية تم تشكيلها في المدن الإيرانية من أجل هذه الغاية ومفتاح جواب هذا السؤال يكمن بين أيديها.
مما لا شك فيه أن الظروف المناسبة لتطبيق هذه الاستراتيجية تقترب بسرعة أكبر.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…