الكورد الأيزيديون تاج الكوردياتية

الأمازيغي: يوسف بويحيى
كلما قرأت لمحة عن الأيزيدية إلا رأيت فيها الأصالة الكوردية العريقة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ ،ديانة تشمل كل قيم الإنسانية و الرحمة و التسامح و الألفة و التكافل و المحبة…،خلالها البشرية جمعاء سواسية كأسنان المشط بمقدار الخلقة و الإنسانية ،منظومة دينية و دنيوية تتوافق مع الفطرة الربانية في الإنسان الحي و العاقل بلا أدنى تعارض و تناقض.
لقد إطلعت كثيرا في الأيزيدية أنها الديانة الوحيدة التي لا تملك أي نص للقتال و الجهاد في مصحفها المقدس الأسود ،بالمقابل يحت و يدعو إلى التعايش و الشراكة و حب الغير و الدعاء للبشرية جمعاء بالخير و البركة و اليسر في كل ليلة فجر ،قيم و أفكار و مواعظ تجسد طبيعة الإنسان الحقيقي و سمو الروح للرقي و التفوق ،كنوز يمكن إستنباطها بالتمعن في طباع و ثقافة و معاملة و فكر الكورد الأيزيديين و إختلافهم عن باقي شعوب المنطقة.
بالرغم من جمالية الكورد الأيزيديين و عشقهم للسلام و الحياة و عدم مشاركتهم في أي حرب حسب التاريخ ،إلا أن جميع الحروب و المجازر مورست في حقهم دون أدنى سبب يذكر ،لم يتوان العرب و الأتراك و الفرس في محاربة الكورد جميعا من بينهم الكورد الأيزيدية لأسباب قومية دينية لمحو الوجود الكوردي و هذه الديانة التي يراها الأعداء دين عريق يحث على التمسك بالأرض و اللغة و الثقافة و الأعراف الكوردية ،كون الديانة الأصل للشعوب وحدها من تستطيع الحفاظ على الإنسان و الوطن و الثقافة و الحضارة من الزوال حسب قراءة علماء الدين اليهود و المسيح…التي إتخدت منهجا تاريخيا و سوسيولوجيا بعد ذلك ،فما كان الكورد الأيزيدية إلا ضحية عرقهم و دينهم لأرتكاب أربع و سبعون مجزرة في حقهم بشتى الأساليب الوحشية ،كان آخر المجازر على يد “داعش” الإرهابية التي شرذت و قتلت و إغتصبت و دمرت أهالي “شنگال” و “الموصل” بالتواطؤ مع الحكومة العربية العراقية و إيران و تركيا ،وكأن داعش أعادت التاريخ الفارسي و التركي و العربي بالمختصر على أجساد الكورد الأيزيديين على حد ذكرياتهم التاريخية المتراكمة.
لم يقتصر الإعتداء و ظلم الكورد الأيزيديين على يد الأعداء بل ذاقوا العذاب على أيدي الكورد الإسلاميين الذين خدموا مشاريع العرب و الفرس و الترك عوض الكوردياتية بٱسم الإسلام منذ دخوله لمناطق الشرق إلى اليوم بلغة السيف و القوة ،كما لم يسلم الكورد الأيزيديين من الأنظمة و الحركات الشيوعية أيضا بٱعتبارهم رجعيين و عصي عجلات الثورة بسبب تشبتهم بثقافتهم الكوردية الأم ،بصريح العبارة أن هذا المكون الكوردي العريق لم يتنفس أبدا هواء الأمن و السلام بالرغم من أنه يتنفسه بالفطرة ،فهل خلق الكوردي الأيزيدي فقط للمجزرة و القتل و الإبادة!!؟؟.
الكل رأى كيف إرتكبت “داعش” جرائمها في حق الأيزيديين البسطاء بعد أن فتحت القوات العراقية الطريق لها قصد الإنتقام و إنجاح المؤامرة بإحكام ،مع ذلك لم نسمع من خطيب و إمام إسلامي في جوامع العالم بالسعودية و مصر و إيران و تركيا إستنكارا بجرائم “داعش” كتنظيم إرهابي ،ولم يتعاطف أحد مع الكورد الإيزيديين عراقيا و إقليميا و كورديا (الإسلاميين) ،بل وحده و كما العادة “مسعود بارزاني” الوحيد من صد “داعش” و حرر “شنگال” بإشرافه الشخصي على المعارك كواجب قومي و وطني و إنساني خدمة لشعبه الذي قال عنهم “الأيزيديون هم أعرق الكورد”.
لم يتعاطف أحد مع الكورد عموما لأنهم أصحاب قضية عادلة و وطن و حقيقة لا يريد لها العالم القيام ،كما لم يتعاطف أحد مع الكورد الأيزيديين لأنهم إما كفرة أو رجعيين حسب ما يحلو لكل مجرم أن يتخده ذريعة لسفك دمائهم الطاهرة بلا أدنى حق ،فلم يتوان تنظيم العمال الكوردستاني في المتاجرة بأرواح الكورد الأيزيديين و إتخادهم أذرعا لحروبهم اللاوطنية كما جند شبابهم لحروب لا ناقة و لا جمل لهم فيها ،كما سلم العمال الكوردستاني العديد من الشباب للحشد الشعبي لإتمام ما تبقى من وجود الكورد الأيزيديين ،إضافة أن الحكومة العراقية هي الأخرى حرمت الأيزيديين من حق التملك على أرضهم و لممتلكاتهم و حصاد عرق جبينهم ،مع كل هذا الإجرام بحقهم بقي الكورد الأيزيديون محبين للسلام و التعايش ما يثبت أن الحروب صنعت فقط لقتل الإنسانيين لا الأشرار.
كان تعارفي مع السيد الكوردي  “سعيد الختاري” الباحث بالشأن الأيزيدي وقع كبير في معرفتي للعديد من الأسرار عن الكورد الأيزيديين القوميين ،الذين يعتبرون كوردستان قبلتهم و الروح الكوردية تقواهم ،دليل على ما يكنونه من إحترام للزعيم “مسعود بارزاني” و قبله “مصطفى البارزاني” معتبرين إياه أيزيدي الفطرة قبل كل شيء ،رؤية تأكدت منها من خلال الإحترام و التقدير المتبادل و المنزلة الرفيعة التي يحظى بها الكورد الأيزيديين كذلك عند العائلة البارزانية عبر التاريخ ،فعلا الكورد الايزيديون هم أعرق الكورد على وجه الوجود.
إن ما ذاقه الكورد الأيزيديون عبر التاريخ إلى الآن غرس في قلوبهم فوبيا الغير بالخصوص الإسلامي السياسي ،بل أصبحوا يرون في الإنغلاق و القوقعة حلا و أمنا نسبيا على الإنفتاح ،إنطواء و إنعزال نتيجة ما خلفه التاريخ الإسلامي المتوحش بشتى طوائفه في نفوسهم ،فكانت مشاركتهم في الإستفتاء و بيعة المشروع الديموقراطي القومي التحرري المدني التعددي العلماني أكبر برهان على تعطشهم للحرية و الوطن الذي يضمن الحياة و العيش و الشراكة بين كل الشرائح الإجتماعية وفق دستور يحترم الجميع.
إني أرى من الضروري تقوية تكاثف الجهد بين أبناء الشعب الكوردي الأبي للحفاظ على ثقافته و وجوده و وطنه ،لهذا فالدفاع و مناصرة الكورد الأيزيديين هو عمق هذا الوجود الكوردي في حد ذاته ،فخسارة هذا الإرث الكوردي المتجذر بمثابة ضياع الماهية الفطرية للكورد جميعا ،فالكورد جميعا تحتاجهم كوردستان.
أيها الكورد الأيزيديون إني أحبكم حتى لم يتبق في قلبي نقطة فراغ إلا أحببتكم بها ،فألامي ألامكم و أفراحكم أفراحي ،وكوردستانكم كوردستاني ،و زعيمكم زعيمي ،فأستشهد الله أمامكم وهو خير الحاكمين بأني صدقا أحبكم أيها الشعب الكوردي العريق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…