الحياة الداخلية للأحزاب السياسية (في كوردستان سوريا)

قهرمان مرعان آغا
اختلفت الحياة الداخلية التنظيمية لأحزاب الحركة السياسية الكوردية  خلال الثورة السورية عن ما قبلها وهي حصيلة جملة التداعيات والمتغيرات التي اجتاحت المجتمعات السورية بسبب العنف المسلح الذي وأد الثورة السلمية في أشهرها الأولى ,  وما رافقه من انقلاب  في المفاهيم و الرؤى , بحيث طالت منظومة القيم التي لم يفلح نظام البعث الأسدي خلال عقود حكمه من المساس بها في المجتمع الكوردي العام وجسمه السياسي الخاص , الذي أخذ حصانته من عدالة قضيته القومية ومشروعيتها ومن الإرث النضالي التقليدي الذي حافظ على بقاء صفحته التاريخية نقية بيضاء لا تشوبها شوائب العلاقات المشبوهة سواء مع النظام المجرم أو الدول الغاصبة لكوردستان , أو وقوعها فريسة العلاقة الغير متكافئة للأحزاب الكوردستانية النافذة  , بالرغم من رتابة العمل النضالي الذي لم يرتقي لتطلعات وتضحيات شعب كوردستان سوريا .  
صحيح ما تطلَّبته ظروف الثورة والحراك الشعبي من مستلزمات مادية كانت تفوق إمكانيات الحزب الكوردي مع الاختلاف  بشكل نسبي بين حزب وآخر , سواء فيما يتعلق بشكله التنظيمي وحجمه العددي ومؤيديه ومناصريه أو مدى استقلاليته أوتحالفاته وتابعيته لهذه الجهة الكوردستانية أو تلك . مع الأخذ بعين الاعتبار ما حدث من اصطفاف بعض الأحزاب مع منظومة ب.ك.ك أو ابتعاد بعضها عن المجلس الوطني الكوردي .
كان الإحساس بالمسؤولية لـ (الرفيق) الحزبي ينطلق من عدة اعتبارات أولاها الدفاع عن الحق والحرية لشعبه وكانت حاجة الحزب إلى جهود مُنتسبيه سواء ما كان يتعلق بالنشاط السياسي أو المساهمات المالية تحدد مدى الإلتزام الشخصي وبالتالي بيان قوة ونضال وشعبية هذا الحزب أو ذاك , أي أن الحزب كان بحاجة إلى جهود أفراده حتى يتمكن من استمراره ووجوده , ومع ذلك أستمر بعض الأشخاص المفلسين سياسياً ومادياً , ولم يزالوا يحملون أسماء أحزابهم في القائمة العددية للأحزاب الكوردية في سوريا  .
 بعد إغداق المال والدعم من مختلف الجهات لم يعد الحزب الكوردي السياسي بوضعه الحالي بحاجة إلى كثير من الأفراد ( الرفاق والرفيقات ) ولا حتى إلى مناصرين . بمقدار ما أصبح الفرد المنتسب بحاجة إلى الحزب , بسبب ظروف الهجرة واللجوء و الحرب , وهنا يبرز دور الحزب المالك للأمتيازات المادية والمعنوية ومدى تأثير الإغراءات والمكاسب على سلوك أفراده في تحديد هويته النضالية ومدى تماسكه التنظيمي والسياسي . وما حدث ويحدث من انشقاقات في الأحزاب أو في أجزاء من هذه الأحزاب , دليل ساطع على خطورة المرحلة التي نجتازها .
أبداً , لم يكن التكليف بتحمل المسؤولية ترفاً و بذخاً وكان هناك عزوف عن تحملها سابقاً , بسبب العمل السري والسطوة الأمنية للنظام والظروف المعيشية الصعبة على عكس ما يحدث الآن من تغليب المصالح الشخصية والأنانيات الذاتية على العمل النضالي العام , لهذا بقية الحركة السياسية الكوردية أسيرة المتغيرات ولم تستطع الخروج بنتائج حتى على المستوى السياسي العام سواء مع المعارضة السورية أو في إطار الجهد الدولي و الأُممي لحل القضية السورية سياسياً , بضمان الاعتراف دستورياً بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا المستقبل ووضع النظر في الاعتبار حول شكل الدولة ونظامها السياسي .
وقد يأتي اليوم الذي ليس ببعيد , يكون الحزب الكوردي بحاجة إلى أصوات أفراده , لحبسها في صندوق الانتخابات التي قد يتصدر مشهدها في المستقبل , الانتهازيون الجدد , كما حالهم الآن , الذين ركبوا الموجة للوصول إلى ما تهوى بها أنفسهم على حساب قضايانا الأساسية في استقلال القرار والكرامة والحرية .
في 17/ ايار/2018 ( نشر في جريدة يكيتي , العدد 251 , أيار 2018 ) 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…