حاوره: عمر كوجري
قال فايز سارة الكاتب والصحفي والمعارض السوري البارز والمعتقل سابقاً في سجون النظام السوري إن الثورة السورية ما استطاعت أن تفرز قيادات سياسية واجتماعية وحتى عسكرية تقود للنصر، وهناك عامل دولي كبير هو الذي سبب في إطالة الأزمة، وكان من المفترض أن يقوم بالضد من الجرائم التي ترتكب بحق السوريين وهي جرائم لا يمكن وصفها فقط أنها ضد السوريين فقط بل هي جرائم ضد الإنسانية، وهنا مكمن الخطر في موقف الدول والمنظمات الفاعلة في المشهد السوري، ما لم تحدث متغيرات في هذه الخريطة لن يكون هناك حل قريب في سوريا، بل ستستمر مسيرة الدم والآلام السورية.
وأكّد سارة في حديث خاص لصحيفتنا « كوردستان» أنه لا النظام ولا المعارضة ولا عموم الشعب السوري له دور، الأمر صار بعهدة توافق دولي، وموقف دولي وحاسم إزاء القضية السورية هذا الأمر الوحيد الذي يمكن ان يكون له دور في إيقاف الحرب في سوريا.
حول مواضيع سوريا وشؤونها وشجونها.. وسواها كان هذا الحوار مع السيد سارة.
*مع دخول الثورة السورية عامها الثامن، يبدو النظام”منتصراW” والثورة في تراجع ملحوظ، لماذا استمرت المأساة السورية كل هذه السنين، ودون أي أفق قريب للخلاص؟
لا أوافقك الرأي صديقي، فبعض مظاهر الثورة تتراجع، نعم، ربما، السوريون بعضهم أراد ان تظل الثورة سلمية، وبعضهم ذهب إلى أن العسكرة هي الطريق الوحيد للقضاء على النظام، بالتأكيد الذي انتصر هو الاتجاه الذي ذهب للسيطرة والعسكرة، وهذه كانت من المشاكل الأساسية التي أدت إلى ما نحن عليه الآن، وهذه قصة يطول شرحها لاعتبارات متعددة، لكن هذا الشق من العمل السوري هو الذي يتراجع، وينهزم بمعارك نتيجتها محسومة سلفاً، بينما الشق الثاني الذي هو الشق المدني والذي أثرت عليه هجمة النظام مازالت أفكاره تتغلغل في الأذهان، وهو المرشح للنجاح في سوريا المستقبل بحسب قراءتي للواقع والتاريخ.
الثورة السورية ما استطاعت أن تفرز قيادات سياسية واجتماعية وحتى عسكرية تقود للنصر، وهناك عامل دولي كبير هو الذي سبب في إطالة الأزمة، وكان من المفترض أن يقوم بالضد من الجرائم التي ترتكب بحق السوريين، وهي جرائم لا يمكن وصفها فقط أنها ضد السوريين فقط بل هي جرائم ضد الإنسانية، وهنا مكمن الخطر في موقف الدول والمنظمات الفاعلة في المشهد السوري، ما لم تحدث متغيرات في هذه الخريطة لن يكون هناك حل قريب في سوريا، بل ستستمر مسيرة الدم والآلام السورية، فلا النظام ولا المعارضة ولا عموم الشعب السوري له دور، الأمر صار بعهدة توافق دولي، وموقف دولي وحاسم إزاء القضية السورية، هذا الأمر الوحيد الذي يمكن ان يكون له دور في إيقاف الحرب في سوريا.
من المسؤول عن جعل الأرض السورية مستباحة للأجنبي: الروسي- الإيراني- – الأمريكي- التركي- السعودي- الأردني وو.. وميليشيات طائفية من مختلف الأقوام والأجناس؟
حقيقة هناك حماية مباشرة للنظام، وهذه الأطراف لا تخبئ ذلك، الروس قالوا حمينا النظام من السقوط، إيران أعلنت أكثر من مرة أنها حمت النظام من السقوط، وكذا حزب الله بين كل الميليشيات التي قاتلت مع النظام قال إننا حمينا النظام من السقوط، حلفاء النظام حموه بالدعم العسكري والاستخباري وبالمال، هناك حماية أخرى هي حماية مؤمنة لأن المجتمع الدولي تقاعس عن أداء دوره فلم يستجب لآلام السوريين وهكذا حمى النظام، كان يفترض ان يكون هو المسؤول عن حماية السوريين من القتل، بل رأينا الفيتوهات الروسية التي كبحت كل مسعى في وقف الحرب السورية، والمجتمع الدولي كان في موقف المتفرج، ولم يحاسب النظام ولا مساعديه، كما أن المعارضة السورية لم تستطع إنهاء النظام، فليس هناك خط شعبي، ولا خط سياسي، وبالتالي يصعد نضال السوريين يجعل في مرمى السقوط.
*خلال ثماني سنوات لم يوفّر النظام السوري أيّ سلاح ثقيل وفتاك إلا واستعمله من ضمنه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية وغيرها، من يحمي هذا النظام ليستمر في غيّه وإجرامه؟ ولماذا لا تتوفر إرادة دولية لوقف أنهار الدم السوري؟
المسؤولية الأساسية في دخول القوى الأجنبية داخل سوريا هي بصراحة نظام الأسد الذي قام بعملين مهمين في هذا السياق، فقد استدعى بعض القوى بشكل واضح وعلني وصريح، كروسيا وإيران وحزب الله، وقد أعطى الموافقة لدخولها إلى سوريا، والخطة الثانية هي فتح الحدود أمام الجماعات الإرهابية، وهذا ما سهّل على قيادات مثل داعش وقيادات جبهة النصرة، وعناصر من حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د، لتكون عناصر نشطة في تشكيل الميليشيات، وهناك بعض القوى ساهمت مساهمة مباشرة بدون اخذ موافقة النظام منها القوات الأمريكية الفرنسية والبريطانية وكلها موجودة، كما لعبت الدول المحيطة بسوريا دوراً سلبياً في هذا المجال مثل تركيا التي لم تكتف بالتدخل من بعيد بل ساهمت في عملية “غصن الزيتون” بالتعاون مع بعض فصائل الجيش السوري الحر، وهناك دور ملتبس لإسرائيل والأردن في الجنوب أيضاً، لكل هؤلاء دور سيئ في إدامة الزلزال السوري.
*لماذا عدّت وسائل إعلام تابعة للمعارضة السورية التدخل الروسي في سوريا احتلالاً، والتدخل التركي مؤخراً في عفرين وقبلها في منبج وغيرها “تحريراً”
نعم، من الطبيعي كل الكلام عن حيادية الإعلام كذبة كبيرة، وأنا أقول هذا كإعلامي، هل هناك إعلام غير مسيّس يا صديقي؟ الإعلام يتحرك بحسب المصالح الأساسية، ولو ان هذا الشيء يتم تحت يافطة حيادية واستقلالية الإعلام، أن نحكي عن وسائل إعلام المعارضة فمن الطبيعي ان تقول التدخل الروسي هو احتلال خصوصا حدوده في قتل السوريين، وفي إخضاع المعارضة والإبقاء على النظام بل إعادة تطبيعه إلى المجتمع الدولي، ولا أستغرب أن تحسب وسائل إعلام تابعة للمعارضة التدخل التركي تحريراً، وكذلك الإعلام التركي الذي يرى أن تركيا تدافع عن نفسها ضد إرهاب حزب العمال الكوردستاني، وجناحه في سوريا حزب ب ي د.
*تقول تقارير سياسية ومحللون استراتيجيون إن المعارضة السورية ومنها الائتلاف السوري وباقي منصات المعارضة في القاهرة وموسكو والرياض، لم تكن بمستوى جراح السوريين، ماهي الأسباب برأيك؟
للأسف، ومن المؤكد أن معظم تشكيلات المعارضة السورية كانت تحت مستوى المسؤولية، ولم تتعامل مع هموم ومشاكل السوريين وما آلت إليه أوضاعهم، في التجربة التاريخية للمعارضة ومسؤولية النظام هذا لا يكفي، وكنا أمام فرصة تاريخية أن تتغير المعارضة وتتغير عقليتها بما يناسب التحديات الجديدة، ولكن تبين أن الأزمة مركبة في جوهر المعارضة أيضاً.
منذ العام الأول من الثورة السورية فقدنا 100 ألف ناشط سوري، فقد استطاع النظام أن يجز زبدة الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي والشعبي، وهجر جزءاً من المعارضة، ولعبت التدخلات الإقليمية في شؤون المعارضة والمؤسسات المعارضة وهياكل المعارضة، هذه الأسباب كلها جعلت من المعارضة شبه مشلولة إزاء سيول الدم السوري، فكل المنصّات المعارضة فشلت في تحقيق أهداف الشعب السوري وتخليص السوريين من الإرهاب الأسدي.
*هل ترى أن النظام الدولي جاد في وقف الحرب في سوريا؟ لمصلحة مَن هذه الحرب مستعرة إلى اللحظة؟
للأسف النظام الدولي اليوم ليس لديه وقفة جادة في إنهاء الحرب في سوريا، طبعاً ومن مواقف مختلفة لأنه حتى بالمنظمات الدولية هي محصلة توازنات، مثلاً الولايات المتحدة إذا أرادت بشكل فعلي مساعدة السوريين تستطيع، لكنها غير جادة، وتأتي في الدرجة الثانية روسيا، وثم بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الفاعلة في المشهد السوري.
روسيا تتدخل لصالح النظام لأن لها مصالح، وتريد استغلال وجودها في شبه جزيرة القرم وتصدير بعض مشاكلها الداخلية، وكذلك إيران تريد تحقيق الهلال الشيعي عبر البوابة السورية.
ولا يخفى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان إنهاك الشعب السوري أكثر فأكثر، بالمختصر لم يحن الوقت بعد لإيجاد حلّ عادل للمشكل السوري حالياً والخاسر الأكبر في هذه المأساة الكبرى الشعب السوري.
* كمراقب سياسي وكاتب صحفي، هل كنت تتوقع أن يدخل الجيش التركي إلى داخل عفرين، ويُرفع العلم التركي فيها، لأن أمد المعركة عسكرياً طال حوالي الشهرين بالمقارنة مع قوة مسلحة محلية.
كان من البديهي أن نفكّر أن تركيا ستتدخل في سوريا، وفي عفرين، وخاصة في مواجهة ب ي د لان تركيا تعتبر أن ب ي د يشكل امتداداً لـ ب ك ك وهي تسمّي الـ ب ك ك منظمة إرهابية، رغم أن كل العالم تعرف أنها فتحت خطوط تواصل استخباراتية سابقاً مع ب ي د لكنها لم تنجح حتى النهاية ربما بسبب تشابك علاقات ال ب ي د مع الروس والأمريكان وحتى النظام، وهذا ما اغضب الأتراك فقرروا معاقبة هذه المنظمة التي تعدها إرهابية، وتقاتلها على الدوام.
* لماذا تعرّضت الغوطة لذلك الهجوم البربري من السلاح والطيران الروسي والسوري وميليشيات حزب الله التابعة لإيران بهذا الشكل غير المسبوق بحيث لم يبقَ حجر على حجر؟وكيف ترى صورة رأس النظام وهو يزور قبل أيام الغوطة الشرقية المدمّرة بشكل شبه كلي؟
نعم، الحرب على الغوطة أيضاً كانت تلوّح في الأفق، وكان من غير المعقول أن ينتظر النظام أكثر خاصة أن هذه المنطقة تشكل خرقاً في خاصرته، ونحن نتذكر كيف أنه وبالتعاون مع روسيا وحزب الله قد أعاد حلب إلى ” حاضنته” خاصة حلب واستعادتها والغوطة كانت تشكل تهديداً للمركز السياسي للنظام في دمشق، وهذا يفسر الوسائل المتاحة الإجرامية حينما اجتاح الغوطة، وهذا استدعى عدة أسابيع من عمليات واسعة وطلعات جوية أكثر من الطلعات اللي شنت في الحرب على نظام صدام حسين من قبل المجتمع الدولي في حرب تحرير الكويت، مع الأخذ بعين الاعتبار بين مساحة العراق وبين مساحة الغوطة، إذاً: من الطبيعي أن النظام السوري كان يفكر بالتخلص من هذا التهديد المباشر والقريب من خاصرته، ولم يكن بإمكان السكان الصمود أكثر، وهم كانوا محاصرين منذ 5 سنوات، والفصائل افتقدت للسلاح، ولم يكن هناك جيب أو طريق ممهد بحيث يغذّي الفصائل المقاتلة بالمال والسلاح والإمداد.
* بعد أربعة أيام من معركة عفرين، نشرت مقالاً في صحيفة ” الشرق الأوسط” تنبأت” بغلبة الاتراك واحتمال كبير بانتصارهم” على قوات الحماية الشعبية، وقلت إن تطورات الاحتدام التركي – الكردي مع بدء معركة عفرين، أنه فتح أبواباً جديدة لتغييرات في الخريطتين السياسية والعسكرية، ماهي هذه الأبواب الجديدة والتغييرات؟
باعتقادي لم تكن تنبؤات بمقدار ماهي رؤية لاحتمالات تطور الواقع بين تركيا وال ب ي د بغض النظر عن اللافتات التي ترفع، كما رأينا خلال عفرين قالوا هدفنا التالي هو الذهاب باتجاه الحدود العراقية وهو الهدف الأبعد والذهاب لمنبج، وسيعملون بكل جدية.
بالمقابل أنا اعتقد أن قوات الـ ب ي د اذا تملك قدرة ستحاول فتح معارك فرعية في مناطق متعددة، ربما أنها لن تسكت بما لحق بها من هزيمة وهناك تباينات واضحة بين الفصائل المعارضة السورية، وقسد، وإذا صحّ كلام الرئيس الأمريكي ترامب انه من الممكن أن ننسحب من سوريا، فهذا سيترك المجال مفتوحا للمزيد من الفوضى في سوريا، وهذا سيجعل من تركيا لتطمع أكثر للدخول والتدخل في سوريا، وكذلك روسيا ستكون أكثر توحشا من ذي قبل.
* تعد واحداً من الكتاب السوريين الذين عنوا بالقضية الكردية، كيف تنظر إلى حقوق الكرد في سوريا؟
لي الفخر أنني دائما كنت من الكتاب الذين اهتموا بالقضية الكردية في سوريا، وجزء من هذا الاهتمام كان كيف نحول الاهتمام بالكرد من أقلية سورية إلى قضية وطنية سورية، وبالفعل لا يجوز أن يكون الكرد أقلية في سوريا، الكرد هم مواطنون سوريون، إذا قيل ان هناك أكثرية فهم أكثرية، وإذا قيل إن هناك أقلية فهم أقلية.
منذ العام 2005 عندما كان الحراك السياسي والثقافي في سوريا على أشده، وعندما تشكل إعلان دمشق ثبت في الوثيقة إن قضية الكرد هي قضية وطنية، وأعتقد أن حل القضية الكردية هي حل المسألة الوطنية والديمقراطية في سوريا، والكرد كمجموعة لها امتدادات وموجودون في المنطقة، بالمستقبل علينا أن نشكل انفتاحا كليا لتكون هناك فرصة ليكون الكرد ضمن النسيج العام ضمن البلدان التي يعيشون فيها ” سوريا- تركيا- إيران- العراق-” وحتى الدول الأخرى التي يتواجد فيها الكرد بشكل واضح، نريد أن نختفي النزعات العنصرية والقومية لدى جميع المكونات في سوريا، ويستطيع الناس التعبير عن أنفسهم بحرية دون أي إكراه.
*ما مستقبل العلاقة بين السوريين عموما في ضوء ما آلت إليه ظروف الحرب؟
أنا أعرف، وكل العالم يعرفون مقدار التأثيرات السلبية لما أصاب السوريين على مستقبلهم، لكن لدي أمل مختلف لهذه المؤشرات، اعتقد أن الصراعات التي حدثت في سوريا خلال أكثر من سبع سنوات ربما تكون درسا ولو قاسياً للسوريين أن يقيموا نظاما جديدا، لكن متى؟ وكيف؟ هذا متعلق بإرادتهم وقدراتهم، وترسخ الاعتقاد ان السوريين يستطيعون عمل شيء مفيد لهم، ويحتاج العمل إلى الصبر والعمل.
أنا واثق أن المستقبل للسوريين، هو مستقبل صعب قليلا، لكنه أفضل، والاهم لن تكون هناك أشكال للاستبداد والنظم الفردية الدكتاتورية، لن يكون هناك التطرف والإرهاب سواء أكان منبعه سياسياً أو دينياً، سوريا الطائفية والعنصرية ذهبت إلى غير رجعة، سوريا المستقبل ستكون بتجربة إنسانية جديدة، سيشارك فيها الناس المتبقون في سوريا، وستكون هناك فرصة مؤكدة لعودة المهجرين إلى بلدانهم، والمساهمة في بناء سوريا الجديدة..سوريا الديمقراطية والتوافق والحرية والعدل.
فايز سارة- بروفايل
ولد فايز سارة في دمشق عام 1950، اشتغل في الصحافة على مدار خمسة وعشرين عاماً، وهو مدير دار مشرق- مغرب للخدمات الثقافية والطباعة والنشر، ويعمل حاليا كاتبا في صحيفة ” الشرق الأوسط”
له العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في الدوريات والصحف العربية، وصدر له العديد من الكتب؛ منها:
– أطلس المياه، الصراع والتوافق في الشرق الأوسط” (دمشق، 1996)
– الحركة الإسلامية في المغرب العربي” (بيروت، 1995)
– دراسات في الإسلام السياسي” (دمشق، 1994)
– سعيد العاص، حياته وكفاحه” (دمشق، 1993)
– الأحزاب والقوى السياسية في المغرب” (لندن، 1993)
– الحركة العمالية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والاستيطان” (نيقوسيا، 1990)
– اللوبي الصهيوني في أوربا والولايات المتحدة” (عمَّان، 1989)
– الأحزاب والحركات السياسية في تونس” (دمشق، 1986)
-معارض ومعتقل سوري سابق، ويقيم حالياً في ألمانيا.
كوردستان العدد 584 –