عبدالله كدو
الاتفاق النووي الذي وُقِّع بين إيران و الدول ( 5+1 ) في صيف 2015 أتاح لإيران الإفراج عن مبلغ أكثر من (100) مليار دولار، الذي كان مجمدا بموجب العقوبات على برنامجها النووي، و تم صرف قسم كبير منه في مجال تعزيز سياساتها الخارجية المتمثلة بتفعيل تدخلها في شؤون اليمن و سوريا و لبنان و العراق و البحرين و غيرها.
تلك السياسات التي يسوقها نظام إيران على أنها تمثل ممانعة المشروع الصهيوني، لكنه لم يستطع إقناع الداخل الإيراني المتأجج المكبوح، و لا الخارج اﻹقليمي المحتك به، و الدولي المراقب له، بأن سياساته المستندة على نظام “ولاية الفقيه” المقترنة بالنزعة القوموية الفارسية، ليست توسعية، تلك السياسات التي تؤدي مفاعيل الأحكام العرفية و قوانين الطوارئ لدى الأنظمة التوتاليتارية، ذلك بخلاف ما كان يتنبأ به إعلام عهد الرئيس أوباما، بأن نظام إيران في ظل الاتفاقية، سينكفىء على ذاته، و يتخلى عن التدخل في شؤون الآخرين .
إسرا ئيل تدفع إيران من سوريا :
ظلت الحدود السورية الإسرائيلية آمنة منذ انتهاء حرب الاستنزاف في عام 1974 و لطالما اتهمت المعارضة السورية نظام الحكم بالتواطؤ مع اسرائيل، لدرجة أن بعضا من المعارضين السوريين طرحوا التفاهم مع اسرائيل و طمأنتها لتحييدها ، ذلك بعيد قيام الثورة السورية، و استمر صراخ الشعب السوري على مدى السنوات السبعة الفائتة، متألما من الضربات القاتلة التي توجهها الميليشيات الإيرانية المتماهية مع قوات النظام ضد الشعب السوري المنتفض في سبيل حريته و كرامته.
وعندما بلغ قلق اسرائيل من التدخل الإيراني في سوريا حدا معينا، قامت اسرائيل بقصف مواقع تواجد ايرانية مختلفة في سوريا، و بعدها اتهمت إيران بقصف مواقع لها في الجولان، لترد ثانية على المواقع الإيرانية في أوائل أيار الجاري ، عندما طالب الوزير الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان رئيس النظام السوري بطرد إيران من سوريا.
يمكن القول بأن الغارات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، في ظل تحييد روسيا، خدمت هدفين:
– تشجيع الرئيس ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران .
– إيصال رسالة إلى إيران بأن وجودها في سورية ستكلفها خسائر كبيرة، بينما إيران تحاول نقل أسلوبها في اليمن إلى سوريا، للادعاء بأن الجيش السوري هو من يطلق الصواريخ باتجاه اسرائيل، على غرار ما تقول هناك بأن الحوثيين يطلقونها باتجاه السعودية.و هنا لا بد من التذكير بأن النظام
السوري قد فقد قدرته على طمأنة إسرائيل القلقة من ازدياد التواجد الإيراني، رغم عدم حدوث أي تصادم إيراني معها ، إلا أن التجربة الأمريكية مع “المجاهدين ” الأفغان الذين انقلبوا
على معلميهم و مموليهم، ماثلة أمام أعين اسرائيل التي لا تعرف ما هي مآلات الخطاب الديني الإيراني العقائدي المتشرب بمعاداة الغرب و اسرائيل، إعلاميا على الأقل.
ترمب.. محاكاة ريغان أم بوش :
هل سيقتفي ترامب أثر الرئيس الأسبق رونالد ريغان الذي عمل لإسقاط الاتحاد السوفياتي الذي كان قد أطلق عليه اسم إمبراطورية الشر ؟. حيث أثقل كاهله اقتصاديا بسباق التسلح و غيره، فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران التي تشكل أحد عناصر ما سماه الرئيس جورج بوش اﻹبن محور الشر، الذي شمل العراق و كوريا الشمالية أيضا، قد تؤدي إلى انهيار اقتصادها، و بالتالي إرغامها على العدول عن دعم أصدقائها في الخارج، و بالتالي انتعاش المعارضة وتغيير النظام، أي أن ترامب سيكمل شطب “محورالشر” بعد التسوية مع كوريا الشمالية.
أم أنه سيحاكي بوش الإبن في حملته على عراق صدام فيتدخل في إيران عسكريا ؟.
إضعاف النظام الإيراني ماذا يعني كرديا :
الكرد من أكثر المتضررين من نموذج دولة إيران الإسلامية، فالذاكرة الكردية لا تحمل عنها سوى صور و معاني الغدر ، حيث تنصل النظام الإيراني عن وعوده للكرد الذين شاركوا في الثورة الإيرانية، و راح ينصب المشانق في كردستان منذ عهد القاضي الخلخالي و حتى يومنا هذا، و عندما مد الكرد يد السلام إليه، غدر بهم ، حيث اغتال الدكتور عبدالرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، ذلك في 1989 في فيينا، داخل المبنى الذي حدد لعقد اللقاء فيه، ثم اغتال خلفه صادق شرف كندي مع بعض من أعضاء قيادته في برلين .
و ظلت التدخلات الإيرانية المباشرة و غير المباشرة مستمرة في عموم أرجاء كردستان ، و قد وقفت إيران ضد خيار الكرد في كردستان العراق بإجراء الاستفتاء حول اعلان الدولة، بشكل سافر و أغلقت حدودها مع الإقليم و حاربت خيارهم إعلاميا و سياسيا إلى أبعد حدود.
و عليه فإن استئناف العقوبات ضد النظام الإيراني، سيضعفه بما يكف يده عن التدخل الأمني و السياسي في أجزاء كردستان و يمكن الشعوب الإيرانية، و منها الشعب الكردي، من التقاط أنفاسها و إعادة تنظيم صفوفها للإتيان بنظام ديمقراطي تعددي يوقف التدخلات الخارجية و يحقق المساواة و الحرية
و يعترف بالحقوق القومية المشروعة لها.