الضربة الدولية وتكهنات مرتقبة في سوريا

عمر كوجري
نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته التي أطلقها عبر تغريداته في تويتر منذ أيام، بالتنسيق مع سلاح الطيران البريطاني والفرنسي، رداً على قيام النظام السوري باستعمال السلاح الكيماوي المحرّم دولياً في مدينة دوما بريف دمشق، ولم يكن استعمال هذا السلاح جديداً.
 وقامت الدول الثلاث بتنفيذ ضربات جوية فجر السبت 14-4-2018 على بعض المواقع في سوريا، ولم يُعِر مجلس الأمن الدولي اهتماماً بورقة المشروع المقدّم من قبل روسيا التي تناصر نظام الأسد، ولولا التحشيد العسكري الروسي وكذلك الفيتوهات التي فاقت العشرة، وأغلقت المساعي الدولية عن أيّ حل يرضي الشعب السوري، وينهي مأساتهم، لكان الكلام عن تنظيم الأسد حالياً من وحي الماضي.
تواترت تقبل هذه الضربة المحدودة لدى شرائح واسعة من السوريين موالاة ومعارضة وغيرهم من المراقبين الدوليين بصيغ مختلفة، إذ توضّح فيما بعد الضّربة أن النية باقتلاع الأسد من جذوره كنظام ومنظومة حكم مجرمة ليس في حسبان هذه الدول، ومن الصعب إنهائه بطريقة القصف الجوي، لكن الأمر كان رسالة جدية ربما لأول مرة منذ انطلاقة الثورة السورية في ربيع 2011 إلى الآن، وقد شعر النظام أن تهديداً فعلياً يترصّده، فاستغل فرصة تغريدات ترامب التي كانت شديدة اللهجة، فأخفى بعض أسلحته، وأخلى العديد من المطارات العسكرية متوقعاً ربما أن الضربة ستكون ساحقة ماحقة.
الرسالة الجدية حقيقة كانت للحلف المناصر للنظام وهو التواجد العسكري الروسي والإيراني والميليشيات التي تعيث في الأرض السورية الدمار والخراب.
لأول مرة شعر الرُّوس أنهم ليسوا الوحيدين في الاستحواذ على الورقة السورية، وهناك من يستطيع في أيّ لحظة قلب الطاولة على وجههم متى ما أرادوا، وأن الكلام الفصل عالمياً بيد الولايات المتحدة لا غيرها.
رسالة الصواريخ الجديدة والذكية أتت أكلها رغم أن التوقيت الزمني كان قليلاً للغاية، وقد أمل السوريون المكتوون بنار الحرب أن ذلك ربما سيضعف من ركن النظام عسكرياً، لكنها كانت رسالة قصيرة.
ليس من المتوقع أن تكون الصواريخ الملقاة على بعض المواقع العسكرية هي الأخيرة، وهذا سيشجّع لترجيح كفّة الحلّ السّياسي على حساب الحل العسكري الذي اقترب النظام في الأيام الأخيرة من الفوز به عبر استعادته لمناطق واسعة كانت حتى الأمس القريب بيد قوى معارضة عسكرية بمسميات متعددة.
يمكن القول سورياً: ما قبل ضربة فجر السبت، وما بعدها. لأن على الأرض ستتغير معايير كثيرة، ومؤتمرات ولقاءات وحتى منصات “مصطنعة” على عجل ستُكبُّ في حاويات التاريخ، وستكون الإشراقة لجنيف وحدها في جولتها القريبة القادمة.
كوردستان-  زاوية ” العدسة ” الصفحة 16 – العدد 582 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…