ابراهيم محمود
ألقيتُ محاضرة في الأكاديمية الكردية بأربيل، يوم الاثنين ” 2-4/2018 “، تحت عنوان ” الكُرد وسؤال الهوية المؤجَّل “، وهي نقدية من ألفها إلى يائها. بغضّ النظر عن محتويات المحاضرة، حيث إنها ملخص مكثف لبحث طويل سيُنشَر في مجلة ” الأكاديمية ” الكردية لاحقاً، كان بعضٌ من ردود الأفعال التي لم تخل من حدة، وأسئلة لم تخف تحفظها على ما قيل، ولعل سؤال أحد الأخوة الحضور: هل أنت مع نشوء دولة كردية، وهي كحلم أرجواني، كيف تنظر إليها ؟ سؤال مرتبط مباشرة ببنية الموضوع أولاً، وبالموقف من النقد غالباً: من ينقد كأنه يلغي ما ينقده ثانياً. وهنا الكارثة كما الراهن الكردي المعاش!
ليس سرد تاريخ سيرة ذاتية إن أشرتُ إلى أنني طوال عقود من الزمن أتحرّى مكوّنات المجتمع بمفهومه البشري، الدولة، السلطة، السيادة، القومية، الثقافة…الخ، وضمناً ما يخص الكُرد، إنما هو نوع من الاهتمام الخاص بهذا الموضوع الذي يضم إليه مجموعات عناصر ثقافية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، دينية، تاريخية ونفسية….الخ، وقد أكون دون آخرين ممن سبقوني في هذا المضمار أو بالتوازي معهم، إنما- كما أعتقد- باختلاف الرؤية والمسمّيات والنتائج.
لعل من أهم العناصر التي أركّز عليها في الإطار الكردي هنا، هو يقيني العدمي أحياناً بأن الكرد في كل إخفاقاتهم، وهي تعني هزائمهم الحدودية، الداخلية ” فيما بينهم “، المادية والمعنوية فيها، قد تشير ببنانها مباشرة إلى غياب شبه كامل وأحياناً للنقد عن ساحتهم، عدَم صريح في النقد في مواجهة عدَم يخص الحضور الفعلي للكرد، وما أبرزه تفككاً. ولقد تكررت كثيراً صيغة كهذه فيما كتبت وكتبه سواي وهو أنه في وسع أي كان أن يسمّي كماً كبيراً من أخطاء الكرد، ويتحدث عن أنهم لا يقبلون بالنقد، ليجد موافقة بالإجماع على ذلك، حتى من قبل أكثرهم تعرضاً للخطأ وهو يشدد على هذه النقطة، إنما بمجرد طرح الأمثلة العيانية ،حتى ينبري الجميع تقريباً إلى اعتبار ذلك إهانة للكرد وتحفيزاً لأعدائهم للنيل منهم من خلال من ينتقدونهم وهم منهم. وهنا من ناحية يكون أعجب العجب، جرّاء هذه المفارقة، وما هو مألوف وينبغي قبوله كحقيقة مؤلمة من ناحية ثانية، طالما أن الملموس غير موجود، لا يعود في الإمكان تفعيل النقد.
بالطريقة هذه، يكون إعمال النقد، بوصفه نقداً أقرب ما يكون إلى إعلان حرب على الكرد ومن قبل المنتمي إليهم، إلى الخروج على صفهم، أي مفارقة ” جماعتهم “، ورفض تأسيس دولة كردية، وبالتالي خيانة الأمَّة كنتيجة .
ربما هكذا يُستشَف من علاقة كهذه، أي إزاء رفض النقد، والذي يتعقّب كل نشاط قائم: نظري أم عملي، ويتحرّى خفيَّه وعلنيه، من باب تنويره، وهو ما يصحح المسار، ويعلّم بالمقابل .
ذلك يرتد إلى المجتمع بكل مكوناته ومن يعنون به على مستوى القوى السياسية، ويديرون شئون المجتمع، ويحيلون ما هو ثقافي فاعل إلى مجموعة طرائق موجهة لا تخفي إعلاميتها وشعبويتها، كما هو وضع الكرد اليوم، والنقد هو الباحث عن بنيان ثقافي وحده الضامن لجسد مجتمعي سليم يخضع دون تحديد زمني، وعلى مدار الساعة لمكاشفة نقدية، يدعم قوة الجسد، بقاءه، حضوره الفيزيكي والديالتيكي والإتيكي ” الأخلاقي “، ويؤهّله لدخول التاريخ .
لعل حجتهم، في من يمثلهم: هو أن الوقت مناسب للنقد هذا، لأنه يؤدي إلى مزيد من التمزق الكردي، ويؤلّب الأعداء عليهم، وعلى الكرد توحيد صفوفهم لمواجهة هؤلاء الأعداء أولاً. حجة تترجم ضعف منطقها، أعني بذلك مدى فداحة القائم، ومن لا يريدون تغييراً لأنهم غير مؤهلين لأي تغيير قد يكونون أول من يجب إزاحتهم عن الطريق. فهم يخيفون لأنهم يخافون إذاً !
تتخذ عبارة ” لا للدولة الكردية ” وهي التي وردت عنواناً للمقال، صيغة تعجب تزداد مع الزمن تجاه معاناة الكرد من أنفسهم وليس من أعدائهم بشكل مستمر، إذ ليس من كردي، كغيره، إلا ويعيش اللحظة التاريخية: دولة كردية، ليكون مواطنها السليم بجسده السليم، وعقله السليم.
إن تأكيد وجود مثقف وناقد في آن، يتابع كل حركة من حوله، وهو بكامل يقظته، وتكون تبعيته لقواه الفكرية والأدبية الخاصة، كما هي القوى الأمنية، والأجهزة الصحية، تشديداً على وجوده وهو نفسه مشمول بهذا النقد، يكون البوابة الكبرى للكرد لأن يعرفوا أنهم كرد، ولهم ثقافتهم الكردية، دينهم الكردي، مجتمعهم الكردي، سياستهم الكردي، و…نقدهم الكردي، ودون ذلك لن تكون هناك دولة كردية، ويكون الحلم الأرجواني نفسه مزيداً من نفي الكردي للكردي قبل المعتبَرين أعداءهم. لينظر الكرد من خلال أولي أمرهم فيما يجري باسمهم وفيما بينهم، ليتلمسوا بؤس الجاري !
دهوك- في 4-4/2018