حزب الاتحاد الديمقراطي في مأزقه، تصعيد الاستبداد في مواجهة الفشل

إبراهيم اليوسف
 
إلى صديقي فيصل يوسف أسيراً في سجون الطغاة العابرين
 
لم أعول – يوماً ما- وفي ذروة انخداع بعضهم بحزب الاتحاد الديمقراطي، وتورط آخرين ببريق شعاراته، على أي مستقبل للمشروع الذي أقدم على تبنيه، بعيد الثورة السورية2011، ولعب على اتجاهين، هما: كبح انخراط الكرد في الثورة ومؤازرة النظام، بالإضافة إلى تكوين ذاته ومحاولة التمكين ليكون رقماً سياسياً، بعد أن ظل هامشياً، بلا جدوى، وبلا حضور، منذ اختطاف زعيمه السيد عبدالله أوجلان-فك الله أسره- في أواسط شباط العام1999، في مؤامرة دولية، إلى أن هيء للقادة المتحكمين به- قنديل- ليكونوا بديلاً ، لاغياً، مدمراً، لما تبقى من طليعة الحركة الكردية التاريخية في سوريا، بعد أن كان العنف اللاأخلاقي بوابتهم للهيمنة على الشارع الكردي برمته، وسعوا لأجل ذلك، خلال الأعوام السابقة، إذ لا رصيد نضالياً  ميدانياً، مكانياً، لهم، سوى ممارسة أقصى أشكال العنف التي لم يشهدها كرد سوريا بحقهم، إلا على أيدي النظام الدكتاتوري السوري، من خلال محاولة مضاعفته، 
وكان من نتائج ذلك حتى بعض التصفيات الجسدية، واختطافات المختلفين معهم، واللجوء إلى سجن أصحاب الرأي، وتشكيل جيش من الناشطين – ومن بينهم بعض المثقفين وحتى الكتاب- وكان نواة عملهم ناشطون فايسبوكيون، خواة، تم تقديم بعضهم للإعلام المرئي: الكردستاني وحتى العربي أو العالمي، لتشويه صورة أي سياسي، أو مثقف، أو كاتب، يسمي ما يجري بمسمياته، مؤكداً أن هذا الحزب دخيل، لا علاقة له بمكاننا، ولا بمن ناضلوا تاريخياً لأجله، بالرغم من كل ما يسجل على بعض قادته، بل على بعض أطرافه، ومن بينهم المجلس الوطني الكردي الذي تصرف في بداية تأسيسه برعونة قصوى، تجاه حتى مكوناته، ومحيطه، وليس غريباً في أن بعض وجوهه كانوا سيمارسون استبداد ب ي د لو أن دفة الأمور ظلت في أيديهم، بل إن بعضهم مارسها على نحو معنوي..!؟
لقد كتبت كثيراً عن أن نسبة الاتحاد الديمقراطي في سوريا جد ضئيلة، وهي أقل من ال”10 بالمئة” وليس من بينهم إلا قلة ناقمة على الحركة الكردية في سوريا، أو من ارتبط مستقبلهم بهم لأسباب خارجة عن أيديهم، أما من بدوا ملحقاً بجسد هذا الحزب، فهم ليسوا إلاا لكثيرين من أصحاب المصالح الذين يعرفون بدأب التنقل والقفز من مركبة إلى أخرى، من دون أي وازع أخلاقي، طالما أن مصالحهم تقتضي ذلك، أما من انضموا إلى-القوى العسكرية- التابعة ل” ب ي د”، فهم في أغلبهم الشباب الكردي التائق إلى الحرية، وإلى غد كردي رغيد وآمن ، ناهيك عن دواع أخرى، لا وقت لتشريحها، الآن، كما أنني ظللت أكتب بأنني لو بقيت الكردي الوحيد، في الضفة الأخرى، لما اعترفت ب” قنديل” وتوابعه، بعد كل ما قاموا به، بحق أبناء شعبنا، بالرغم من أنني أحد هؤلاء الذين حاولوا، وإلى وقت متأخر، إعطاء” ب ي د” الفرص، إلا أن إجهازه على اتفاقات هولير ودهوك، ومن ثم محاولة استئثاره بالجانب العسكري، وقمع كل قوة أخرى، ناهيك عن مجمل سياساته أكد لي أنه غير جدير بقيادة كرد سوريا، وأن ما يعمله هو للتعويض عن فشله في مهاده، ليكون كردنا قرابين وأضحيات قيادات قنديل المغامرة.
ما من محطة مربها الاتحاد الديمقراطي في مواجهة الأخطار الخارجية للجيش الحر، أو تركيا، منذ سري كانيي- رأس العين، وكوباني، وعفرين، إلا ووقفت إلى جانبه، بالرغم من أنه لا يدافع إلا عن تكريس حضوره، أولاً وأخيراً، وهو يحمي مصالحه، وأن من يتم الاعتماد عليهم، هم كرد سوريا الذين لم يكونوا يوماً ما ملكاً لهذا الحزب، ولن يكونوا ملكاً له، وإن تم تحويل جزء كبير منهم لوقود لسياساته، ومصالحه، وستظل وقفتي، وأمثالي، إلى جانب هؤلاء، في محطات العدوان على الكرد، هو للانطلاق على حرصنا على شعبنا، ولأن الجهات التي عادت ب ي د لم تعاده لأجل سياساته، ولا لأخطاره عليها، بل لأنه، في موازينها، حالة كردية، مرفوضة، أية كانت، ولهذا فإنه لابد من الرد على هؤلاء الذين عادوه، انطلاقاً من عدائهم للكرد، حتى وإن ادعى بعضهم أنهم مع سواهم من الكرد، لأنهم لن يكونوا إلا متقبلين لكردي خانع، ذليل، هش، كما هو شأن كل شوفيني..!
إن اللجوء إلى ممارسة العنف، من قبل ب ي د، تم  ويتم لثلاثة دواع، أولها أن تركيبة المرجعية الفكرية التي انطلق منها، وتأسيسها على العنف، بحق المختلف الآخر، سواء أكان معنوياً أو جسدياً، وهو عنف يتم ضد الذات نفسها أنى اقتضت الحاجة، وثانيها أنها تعتمد على العنف لتكوين وفرض وهيمنة الذات وإلغاء الآخر، وثالثها من خلال اللجوء إلى العنف في التغطية على أي فشل، وقد كان هذا الأمر متوقعاً منه، بعيد مأساة عفرين التي وقفنا مع مقاومتها، وهي مقاومة أهلها، مقاومة شعبنا، في وجه آلة الاحتلال التركي الذي اعتمد على بعض مرتزقة الجيش الحر، في إطار تغيير ديموغرافيا كردستان، عبر ما بعد العنف.
منظومة” ب ك ك” ومنها ” ب ي د” تتصرف، على نحو همجي في توزيع نوط التخوين والوطنية على من حولها، فيكاد أحد، من المختلفين -إلا الزئبقيون- ألا ينجو من شرورهم، يستوي هنا الحزب السياسي، والناشط، إذ إن الأمر لديهم: أهل قنديل وأهل النار، بدلاً من ثنائية: أهل الجنة وأهل النار، معتمدين على إمبراطورية إعلامية هائلة لا تتوافر إلا لدى كبريات الدول، وكان لهذا الجانب تأثيره السيء على صورة الكردي، بل كان وراء نكسة عفرين، وإقدام أردوغان على احتلالها بعد أن كرست هذه الآلة، عبر ترجمة سياسات قنديل، تشتيت وحدة الكرد، وما نكسة كركوك نفسها، إلا ضمن هذا الإطار، والمساومات، والسياسات التي مارستها قنديل كردستانياً، وبكل أسف، ضمن مخطط إيراني/ تركي/ عراقي، وبتواطؤ دولي..!
كان مطلوباً من ب ي د، عشية حصار عفرين إطلاق سراح معتقلي الحركة الكردية، ومراجعة سياساته، والانفتاح على محيطه الكردي والكردستاني، لاسيما بعد سقوط سياساته، وفشلها، لا الاستمرار في استمراء الانتقام من الحركة الكردية، ذات النضال التاريخي مع محيطها من المستقلين، والوطنيين، في الدفاع عن كرد سوريا، لأن أعظم أذى ألحق بكرد سوريا تم على أيدي مغامري قنديل التي خسرت كل أوراقها لدى كرد سوريا، نتيجة سياساتهم التدميرية بحقهم، ولهذا فإن قنديل أجهزت على كل ما تبقى لديها لدى كردنا، وإن كانت النتائج  الكارثية لسياساتهم المغامرة ستظل  مستمرة، بما يخدم أعداء كردستان، في نهاية المطاف.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…