التعددية الحزبية (الكوردية نموذجا)

الأمازيغي: يوسف بويحيى
لن ننكر أبدا بأن الحزب لا يخدم القضايا ،بل المسألة تبقى فقط في مضمون الحزب الفكري و الإيديولوجي و مشروعه السياسي ،بالأخص إن كانت الفكرة المحورية للحزب قضية شعب و أرض ،لهذا يتساءل المرء على أسباب تعدد الأحزاب الكوردية مادامت القضية و الهدف واحد بمعنى الإستقلال.
نهج سياسة تعدد الأحزاب هو تكتيك الأنظمة الشمولية المستعمرة قصد خلخة المجتمع و شقه إلى أجزاء يسهل التحكم و السيطرة عليه و المشي قدما على خطة “فرق تسد” ،أو بالأحرى قلب منهج “ديكارت” التفكيكي و إسقاطه على إشكالية سياسية قائمة.
من السخرية أن يتم في كل شهر تأسيس حزب يدعي الكوردية مع العلم أن الأحزاب المتزنة فكريا و سياسيا قليلة جدا على مدار كوردستان الكبرى ،زيادة إلى إنشقاقات حزبية داخلية تليها أحزاب وليدة تحمل نفس الخطاب و القانون و المشروع ،الغريب أن الهدف الرئيسي بعد كل مأسسة حزب هو توحيد الصف و الإستقلال ،إلى هنا نتساءل إن كان كل ما يهم الساسة هو توحيد الصف فلماذا إنشقوا من الوهلة الأولى؟!.
يترتب من خلال فوضى التحزب الغير المسؤول الكثير من الإشكاليات التي لا يدفع ثمنها إلا الشعب و مستقبل القضية الذي يبقى مجهولا بين مصالح النخب السياسية ذات النفود الإقتصادي و السلطوي ،من خلاله تتحول الوطنية و القضية كبضائع تباع و تشترى في دكاكين الأحزاب الغير المسؤولة كصكوك الغفران في الكنائس المسيحية سابقا.
لا يختلف إثنان على أن حل قضية الشعوب المضطهدة بصفة عامة يكمن في التحرر و الإستقلال ،هذا التحرر يأتي أتوماتيكيا إستنادا على الوعي القومي و الوطني كثوابت و مرجعية رئيسية للنضال سواء عسكريا و سياسيا ،فمنطقيا بهكذا حزب واحد قومي وطني كاف للم شمل الشعب تحت شعار و مشروع واحد ،على الرغم من تباين الرؤى الإديولوجية يسارية يمينية ليبرالية إلا أنها لن تؤثر إن كانت الثوابت القومية و الوطنية محفوظة.
القضية الكوردية ضحية التعددية الحزبية هذه الأخيرة بوركت بيد الأنظمة الغاصبة لكوردستان حين كان الشعب موحدا تحت سقف قومية و وطنية موحدة ،مع العلم أن الأنظمة إعتمدت سياسة التمييز و إثارة النزعة القبلية و الجهوية و المناطقية في ذلك ،من خلالها تحول صراع الشعب مع الأنظمة الغاصبة إلى صراع أفقي كوردي كوردي داخلي أدى ببسط سيطرة الأنظمة أكثر على حركة الثورة الكوردية.
العجيب أن معظم القادة السياسيين الكورد لا ينكرون ابدا نزعتهم القبلية على الرغم من أممية خطابهم و مشروعهم ،كان يظهر هذا بشكل واضح في تصريحات المام “جلال الطالباني” ،مع العلم أن اغلبية الساسة انفسهم يعتمدون على الطرح القبلي لإثارة الشعب و خلق الحزازات بين الأطراف لصالح الحزب ،على عكس هذا إذا تمعنا عميقا في حياة و فكر و نضال و طموح الزعيم “مصطفى البارزاني” الذي كان قوميا أمميا على حدود خارطة كوردستان الكبرى بعيدا على مرض الشيوعية العقيمة الضيقة ،في نظري أرى أنه لو تم توحد و إلتفاف الكورد وراء فكر الزعيم “مصطفى البارزاني” لما ضاع و وصل إلى ماهو عليه الآن.
لست ضد التحزب أبدا و لكن أنا ضد التحزب المرتبط ضمنيا بالأنظمة الغاصبة ،لقد نجحت في خلخة و تمزيق النسيج الكوردي بشكل كارثي ،زيادة إلى نهج سياسة العسكرة لطرف كوردي على آخر ،مع ربط كل مجالات حياة الشعب بالحزب كالوظيفة و الخدمات التي أصلا يجب تكون تحت حكم اليد الديموقراطية المشروعة بصندوق الإقتراع و ليس الحزب المتسلط ،سياسة التحزب و التملك الحزبي للفضاء الشعبي ولد لنا مجتمعا مقيد بضوابط حزبية تتحكم في طريقة تفكيره و حياته و علاقته بالعالم الخارجي.
إلى هنا يمكن الجزم في مادام هناك حلقة تحزب مستمرة فحركة القضية الكوردية ستعاني أكثر ،لأن بعض الأحزاب الكوردية الغير الواضحة المشروع و النية تملك ثروة و إقتصاد يقدر بقيمة إقتصاد دولة العالم الثالث ،لهذا فمشكلة حزب معين لا يمكن أبدا ان نعالجه بتأسيس حزب آخر ،بل بالإعتماد على حرب القلم و الفكر و الدراسة العلمية لتوعية الشعب و النهوض بنهضة بناءة متراصة قصد قلب الطاولة على كل من يعارض الذات و المشروع الشعبي الكوردي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس الزيارة المفاجئة التي قام بها أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية الانتقالية، إلى إسطنبول، لم تكن مجرد جولة مجاملة أو لقاء بروتوكولي، بل بدت أقرب إلى استدعاءٍ عاجل لتسلُّم التعليمات. ففي مدينة لم تعد تمثّل مجرد ثقلٍ إقليمي، بل باتت ممرًا جيوسياسيًا للرسائل الأميركية، ومحورًا لتشكيل الخارطة السورية الجديدة، كان الحضور أشبه بجلوس على طاولة مغلقة،…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا الإسلامي، لا شيء يُوحِّدنا كما تفعل الخلافات، فبينما تفشل جهود الوحدة السياسية والاقتصادية، نثبت مرارا وتكرارا أننا نستطيع الاختلاف حتى على المسائل التي يُفترض أن تكون بديهية، وآخر حلقات هذا المسلسل الممتد منذ قرون كان “لغز” عيد الفطر المبارك لهذا العام، أو كما يحلو للبعض تسميته: “حرب الأهلة الكبرى”. فبعد أن أعلن ديوان الوقف…

قدم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، السبت، تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تكونت من 22 وزيراً. وقال الشرع في كلمته خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب: “نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة.” وجاءت التشكيلة الوزارية على الشكل التالي: وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني وزير…

نظام مير محمدي* في الغالب، فإن النظام الإيراني يبدو في حالة لا تمکنه من أن يصر على إن أوضاعه على ما يرام وإن ما حدث خلال العامين الماضيين الى جانب ما يحدث له حاليا على الاصعدة الداخلية والاقليمية والدولية، لم يٶثر عليه سلبا، ذلك إن الامر قد تعدى وتجاوز ذلك بکثير ولاسيما بعد أن تناقلت…