ابراهيم محمود
علِمتُ عن طريق مقال الصديق ابراهيم يوسف بالأمس أن صديق الألم عبدالقادر الخزنوي يعيش لحظات مواجعه الأخيرة، فزاد ملح الإطلاع جرح الغربة والنأي إيلاماً، لينتهي هذا الجرح بنزف المتبقي من حياة الجسد الواهن المقاوم لدائه العضال طويلاً، وليصبح في خانة ” الراحلين “. عبدالقادر الخزنوي الصديق، يا الحامل قرابة سبعين عاماً، سبعين درجة في سلَّم الحياة تشفع له لأن يمنح روحه صك براءة الانتساب إلى حياة غدوية وهي تتوهج ابتسامة.
موت هنا وموت هناك، ميتات هنا وميتات هناك، حيث لم يعد في مقدور ذاكرة الحساب اليومية إحصاءها، في واقع يشهد كثافة سكانية ممن يقضون نحبهم بصورة لاطبيعية، تحول دون رؤية من يرحلون طبيعياً.
وربما كان رحيل الصديق الشيخ كما يستحق التسمية، والمعتد بروحه، كما يستحق نُبْل الإحالة، والصاعد في الرؤية، كما يستحق مقام التوقير، مرتبطاً بهذا الموت اللاطبيعي، وقد ضاعف ألم الغربة والذي لا يحاط به داخلاً وخارجاً، ألم الجسد المخلص لقانونه الأبدي، ليفاجئنا برحيله، أو ليهبَنا درساً في الممكن التنبه إليه، فكل صاحب رؤيا روحية وموقفية يوسّع في حدود رؤيانا للزمان والمكان، إنما يضيّق فيها أيضاً، لأن الرحيل المباغت يقلل من مساحة المؤاساة، وما أقل مؤاسي بعضهم بعضاً، ما أقل الجديرين بحمل لقب : رجل الحياة، وقيّم الأمل، والروح الضحوك غداً.
عبدالقادر الخزنوي النابض بتربة القرية النقية، وبهاء جغرافيا المدينة قامشلو التي عرفته في تفاصيله الدقيقة، ما الذي يمكن قوله وأنت هناك وأنا هنا، وسوانا ممن يعرفنا في مكان آخر، وسوى الأخير في مكان مغاير، وهي شبهة ميتات يستحيل تجاهلها، على نار الآتي من وطن تذروه رياح العصبيات البغيضة؟ إلا أن الممكن التوقف عنده هو أن عبدالقادر الخزنوي يمكن له أن يستمر داخل أرواحنا، إن أقمنا لتوام قريته ومدينته، للتواضع المهذب المتوازن فيه بعضاً من التثبيت في ذاكرة كل منا، لنعلم سوانا أن الحياة لا تتوقف عن استيلاد أرواح مقاومة، أرواح سنبلاتية، روافدية، بستانية، معابرية، جسورية، استنهاضية ومحفّزة على معايشة الحياة حتى ثانية الروح الأخيرة .
ذلك رصيد ضامن له استمرارية لاسمه، وقد منح الحياة ما دفع بها لأن تمنح حضوره حياتياً أبعد من بقاء الجسد، أي الروح التي تسمّيه، وتنزل ضيفاً من ماء ونار حميمين في ذاكرة كل منا.
عبدالقادر الخزنوي، أيها الكردي الخصيب، الإنساني الموهوب شكراً لحياتك إذ أبقتك طوال هذا الوقت بيننا، شكراً لموتك إذ أودع حواسنا وقوانا النفسية فلتر روحك لنحسن التعبير أكثر عن الأعالي، وأحر العزاء، عزاءنا كأصدقاء لعائلتك، ولأولادك وأهلك، على غيابك الجسدي الأبدي، وطوبى لهم على مقام محمود محرَّر باسمك وهو يؤاسيهم تالياً .
دهوك
في 29-3/2018