أردوغان و الغباء السياسي

الأمازيغي: يوسف بويحيى
ليس بجديد اليوم ان قلنا قبلا بأن سوريا مقبلة على تغيرات كبيرة و إصطدام كبير بين قطبي العالم الروسي و الأمريكي ،إصطدام سياسي و إستراتيجي على اهبة من الصدام العسكري حسب تحركات الجانبين و الأطراف المتحالفة معهم.
لا يهمني هنا سوى محل إعراب الكورد و مسار الحركة الكوردية من هذه التشنجات الدولية الملحوظة ،تغيرات امريكية تسعى لإثبات الوجود و عدم الخروج من المعادلة السورية بشكل خاص و خوفا من خسارة مشروعها الشرقي الوسطي الذي تعمل من أجله لعقود ،من جهة اخرى روسيا تعمل على إكتساح الساحة بشكل كلي و عدم قبول فكرة تواجد الأمريكان قطعا ،بنهج سياسة العجرفة و التعنت و التحريض على المكون الأمريكي ،آخر هذه الممارسات كان إعطاء روسيا الضوء الأخضر لتركيا و فتح المجال الجوي للهجوم على عفرين لتقزيم الوجود الأمريكي و قطع وصل التمدد الكوردي بالبحر و إفشال مشروع امريكا بإنشاء فيدرالية كوردية كمنطقة نفود و إيصالها بإقليم كوردستان باشور جغرافيا.
صحيح ان قراءة الإدارة الامريكية لمنطقة روجافا و قبول تقسيمها إلى شرق و غرب الفرات كانت أكبر خطأ لها بخصوص ذلك ،حيث كانت تأمل أن تكون غرب الفرات منطقة آمنة كي لا تثير قلق تركيا كحليف قوي لها ،لكن سرعان ما إستغلت روسيا ذلك لصالحها و إثارة الصراع بين الحليفين و العضوين في حلف النيتو بطريقة ذكية تحسب للرئيس “بوتين”.
بعد إغراءات بوتين الغير الموثوقة أبدا لحكومة تركيا ،لم يتوانى اردوغان كونه أغبى شخصية تاريخية سياسية في المنطقة بعد “حيدر العبادي” في الهجوم على عفرين بعدة ذرائع دائما ما تعمل لإنجاح مخططاته ،عدوان عفرين كشف لأمريكا خفايا و نوايا تركيا الفاشستية إلى درجة إرتمائها في حضن روسيا كما فعلت قبلها إيران ،هذا السبب الرئيسي لم يترك ابدا وقتا للتفكير لإدارة “ترامب” إلا ان يخضع لقرارات مؤسسات البنتاغون و الكونغريس و المعارضة الداعية بوقف المهزلة و التهريج الذي بات مسخرة في نظر دول العالم على سياسة و تصرفات “ترامب” ،بالإضافة إلى خرق روسيا للمواثيق و القرارات و الإتفاقيات الدولية ما اثار غضب معظم دول اروبا ترتب ذلك بعد محاولة تسميم الجاسوس الروسي في بريطانيا.
حشدت أمريكا حلفاءها الأروبيين ضد روسيا ،حيث معظمهم قام بترحيل كل الديبلوماسيين الروس فيما اعطت امريكا مهلة أسبوع لهم لمغادرة ديارها ،ما يوحي ان كل هذه المؤشرات تلمح إلى صراع وجود و إثبات الذات و الهيمنة الدولية ،علما ان الغرب يراقب تحركات تركيا و إيران التي توشكان إلى إشعال حرب داخلية قد تلتهمهما بعد تعنت و تمادى أردوغان على الخطوط الحمراء لبعض دول أروبا و أمريكا ،كما تمت إعادة إيران إلى جحرها بعد إنتفاضة الشعب الإيراني.
إن إسترجال تركيا المنفوخة على أهل عفرين البسطاء ليس شجاعة كما يتبجح العرب و الأتراك ،بل فقط مصيدة روسية و إيرانية إستغلتها روسيا لمصالحه القوية من حيث الكم و الكيف ،بينما ليس ببعيد ان تسحب روسيا البساط من تحت تركيا في حالة تقوت دول أروبا و أمريكا عليها ،كما فعلت قبل ذلك في تجربة مهاباد و العراق و ليبيا و إيران ،تهديدات اردوغان للشعب الكوردي في روجافا و باشور ماهو إلا خوف و ليس شجاعة ،كون أن الملف الكوردي اصبح محل إهتمام دول اروبا و امريكا بشكل جاد كحليف إستراتيجي لابد من دعم تأسيس دولة ديموقراطية حداثية علمانية راسمالية كحافز لتمرير مشروعهم الرأسمالي الضخم لإيقاف التمدد الإشتراكي القادم من روسيا و الصين و اليابان و كوريا الشمالية.
تركيا الإرهابية تعشق الدم الكوردي كباقي الأنظمة الغاصبة ،في ظل صدور تقارير اكاديمية أمريكية بعنوان “نهاية العراق و سوريا” من حيث الشكل و المضمون فإن الغرب يرى أنه في حاجة ماسة لبديل جديد موثوق و قادر على مواجهة عقبات المرحلة ،كل الأنظار موجهة إلى الشعب الكوردي كأفضل حليف إستنادا إلى التجارب التاريخية و المواقف الحاسمة في الأوقات الحرجة ،هذا ما أرعب تركيا بشكل كبير لعدة اسباب منها المساحة الشاسعة لكوردستان باكور و عدد الشعب الكوردي الذي يقدر بثلاثون مليون.
إن قضية عفرين مازالت غامضة و كل الإقتراحات توحي بٱنقلاب السحر على تركيا فيها مهما طالت مدة الإستعمار و الإجتياح ،قد يتم ذلك في أي لحظة لحساسية الوضع السوري و الغضب الدولي تجاه سياسة الشرق المتعنتة ،أما بخصوص قضية “شنكال” فالمسؤولية تقع على عاتق الحكومة العراقية كذلك كون المنطقة لا تتبع إلى إدارة الإقليم سياسيا و عسكريا علما ان تحريرها من داعش من طرف البيشمركة كان فقط واجب إنساني و غيرة وطنية و كوردية للسيد “مسعود بارزاني” تجاه الكورد الايزيديين لحظة هروب الجيش العراقي تاركين مواقعهم و اسلحتهم في قبضة داعش.
تركيا لن تتحرك في إقليم كوردستان إلا بضمانات دولية علما ان المؤامرة الإقليمية بين تركيا و حكومة العراق أصبحت ملحوظة بشكل ملموس رغم التصريحات المزيفة من طرف الخارجية العراقية بخصوص رفض التوغل التركي ،أضف إلى ذلك لامبالاة العمال الكوردستاني بخطورة الأمر على أبرياء الشعب الكوردي كما تسسبوا في كوارث إنسانية لأهل عفرين و كوباني قبلا.
مع كل هذه النكسات التي تعرضت لها أمريكا ،هل يا ترى تستطيع أن تسمح بخسارة نفودها في إقليم كوردستان باشور بإعتباره آخر ورقة لها في العراق كما أنها قاب قوسين للخروج من معادلة سوريا؟! ،شخصيا لا أتوقع ذلك و أرى ان لي أيدي تركيا في سوريا و العراق مسألة وقت قريب لا غير ،لأن المسألة لم تعد إقليمية كما تراها تركيا بل دولية كما بدأت أمريكا و أروبا بدراستها بشكل صارم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…

خوشناف سليمان ديبو   يترقّب الشارع الكُردي انعقاد المؤتمر الكُردي المقرر في 18 أبريل/نيسان بمدينة قامشلو، وسط مشاعر متباينة تجمع بين الحذر والتطلع. ويأمل كثيرون أن يُشكل هذا الحدث محطة مفصلية تُنهي سنوات الانقسام والتشرذم، وأن يُمثل بارقة أمل لشعب طالما حلم بوحدة الصف وتوحيد الرؤية في مواجهة التحديات المتزايدة. أبرز تلك التحديات هو غياب وحدة الموقف داخل الحركة الكُردية…

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…