وماذا بعد الاحتلال؟

جان كورد
هذا السؤال طرحه عليه ناشط كوردي اليوم مساءً على طرف تظاهرةٍ من أجل عفرين في مدينة بون الألمانية، وقبل أن أجيب عن هذا السؤال الهام فعلاً، قال شابٌ كوردي كان بجانبنا وكأنه أراد إنقاذي من موقفٍ عصيب: “الأمر الوحيد الذي يجب القيام به الآن، هو منع إحداث تغيير ديموغرافي في منطقة عفرين.”  ولذا لم أجد أمامي سوى التأكيد على صحة القول وشرحه لمن لا يزال مقتنعاً بأن مجاميع الشباب الكوردي المستعد للتضحية بدمه وحياته من أجل شعبه قادرة بعد الآن على دحر ثاني جيشٍ من جيوش حلف الناتو الذي تهابه بعض الدول مثل سوريا والعراق وبلغاريا واليونان وأرمينيا.  وهذا الجيش قد صار قاب قوسين أو أدنى من مركز مدينة عفرين عاصمة مقاطعة جبل الكورد (كانتون كورداخ).  هذه المقاطعة المحصورة من جهة الشمال والغرب من قبل الدولة التركية، وعلى أطرافها مواقع عديدة لما يسمى بالجيش السوري الحر الذي حشد أكثر من 25000 مقاتل من ضمنهم المتطرفون الإسلاميون من كل فرقهم المتناحرة (ومنها جبهة النصرة) للتقدم أمام دبابات الجيش التركي، وهم مقتنعون بأنهم في غزوة فتحٍ إسلامي ضد “الكفار والمشركين!” وليس ضد شعبٍ معظمه مسلم على مذهب السنة. 
لا يخفي السيد أردوغان أن هدفه قمع كل حركة أو حزب له طموحات قومية كوردية، ليس في شمال سوريا فحسب وإنما في شمال العراق(!) أيضاً كما يصرّح علناً، وهذا يعني أن الأمر ليس محصوراً في منطقة عفرين وحدها، حتى ولو أدت مغامرته الكبرى هذه إلى التصادم مع الأمريكان في شرق الفرات أو مع البيشمركة في إقليم جنوب كوردستان الذي يعترف به دستور العراق ككيان فيدرالي، ولا يعترف به الطورانيون وأتباعهم من العرب والتركمان إلا ك(شمال العراق!)
ومن أجل تنفيذ المشروع الأردوغاني هذا، فإن الحكومة التركية ستقوم بتغيير ديموغرافي في منطقة جبل الكورد أولاً، فالسيد أردوغاني وأتباعه في الحكم يتحدثون عن “إعادة المنطقة إلى أصحابها الحقيقيين!” ولا ينسى أن يذكر هنا “أصحابها من الإخوة العرب والتركمان”، والذي يعرف هذه المنطقة التي اسمها بالتركية (كورد-داغ) لا يستطيع إنكار كوردية أصحابها الحقيقيين، فلماذا ذكر هذه العبارة أصلاً إن لم تكن هناك سياسة مبنية عليها؟ وهل برنامج (التغيير الديموغرافي) هو السبب الأساس الذي وراء الاحتلال التركي لعفرين أم فعلاً مجرّد طرد أو انهاء وجود “الإرهابيين الكورد!” في المنطقة؟ 
وبالتأكيد، إذا تسعى حكومة أنقره للانتقال إلى المرحلة الثانية من مشروع التغيير الديموغرافي، بعد أن تحقق لها عن طريق القصف المتواصل للقرى والمدن والممارسات الفظيعة لوحدات المتطرفين والإرهابيين العرب حيال الشعب المسالم إفراغ القرى والمدن الصغيرة من سكانها، أي  ستمضي إلى جلب العرب والتركمان لإسكانهم في مواطن الكورد، بذريعة “إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم!”، وهي ذريعة أضحوكة، حيث هناك العديد من المناطق السورية التي ليست في أيدي نظام الأسد ولم يتم إعادة اللاجئين السوريين من تركيا إليها،  وهذا سيجري كما جرى سابقاً في لواء اسكندرون، حيث تم في النهاية ضمه إلى تركيا كلياً وإحداث تغيير ديموغرافي كبير فيه، بحيث صار يدعى (هاتاي) ويرفرف على مرتفعات ومدن وقرى اللواء أعلام الدولة التركية، وتخضع مكوناته العربية والكوردية إلى عملية “تتريك” جذرية منذ الاستيلاء عليه وإلى الآن.  وتم سلخ اللواء وحذفه من خريطة سوريا فيما بعد.
إن مساعدة ما يسمى بالجيش الحر وشيوخه لجيشٍ من جيوش الناتو في الوقت الذي يصفون هذا الهجوم الجهنمي على عفرين ب”الفتح الإسلامي”، سيؤدي إلى نتيجتين:
تعميق الشرخ بين العرب والكورد في سوريا وهذا لن يكون في صالح الشعبين، بل سيكون كوضع قنبلة موقوتة بينهما.
مساهمة طوعية في ضم وإلحاق مناطق “سورية” بالدولة التركية من قبل “المعارضة السورية” وممن وراءها من شيوخٍ جهلة فعلاً بالسياسة التوسعية الدافعة لحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا. 
 لذا، فإن الجواب الآن عن سؤال (وماذا بعد الاحتلال؟)  هو بالضبط ما تم ذكره في بداية المقال: منع حدوث التغيير الديموغرافي في المنطقة.  وهذا يعني وضع هذا الهدف كاستراتيجية في المرحلة التي أمامنا للحركة الوطنية الكوردية التي على عاتقها قبل أي قوةٍ أو حكومةٍ أو سياسةٍ أخرى إيقاف المشروع الأردوغاني كلياً ومنع تمدده صوب شرق الفرات وإلى جنوب كوردستان الذي لن يكون في منأى عن الأخطار الناجمة عن هذا المشروع في المستقبل، إن تحقق للحكومة التركية ابتلاع منطقة عفرين الآن.
وتذكروا الحكمة التي تقول: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض.”  
           ‏13‏ آذار‏، 2018
facebook:kurdax.net                          kurdaxi@live.com   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…