كمال أحمد
لا شك أنّ قضية حقوق الكردستانيين المهضومة ،والمسلوبة ، من قبل شركاء الأديان والأوطان ، غائرة في التاريخ ، وأنّ الحركات والإنتفاضات، المطالبة بهذه الحقوق ، والساعية إلى نيلها و تحقيقها ، لم تنطفئ أوارها يوماً ، رغم مرورها بمحطات وتحديات ، ونكسات ، ونكبات ، بين الحين والآخر ،أدت إلى ركودها ، ولكن ما ينبغي ، الإضاءة عليه ، هو ما آلت إليه القضية الكردستانية في الآونة الأخيرة ، ومجرياتها ، ومساراتها ، في جغرافيتها المتشظية ، بين تركيا وايران والعراق وسوريا ، وعلى الرغم من الترابط الوثيق، والتأثير المتبادل ، بين الحركات والفعاليات الكردستانية في التشظيات المذكورة ، ولكن في مقامنا هذا سنتناول ,ونحصر مآلآتها ، في كل من العراق وسوريا .
( 1 – مآلآت وتوجهات الكردستانيين العراقيين : يبدو ، وعلى ضوء نتائج الإستفتاء الذي أجري مؤخراً في إقليم كردستان العراق ، وما أعقبها من تحالف أعداء الأمس من مستعمري شظايا كردستان ، ليصبحوا على وئام بين عشية وضحاها ، يجمعهم ويوحدهم ، حلف العداء للحقوق الكوردية أينما كانت ، من جغرافيات هذا الكون ـ حتى ولو كانت خيمة في البرازيل ، أو جنوبي أفريقيا تحمل رمز وراية كردستان ( كما قال الرئيس التركي الأسبق سليمان ديمريل ) ومع أن الكثيرين من الكردستانيين كانوا يتوقعون رفضاً لنتائج الإستفتاء ، من القوى المحلية والإقليمية ، ولكن كان الملفت وغير المتوقع ، هو ظهور هذا الكم الهائل والكبير، من الشعور الكراهي ، والدرجة العالية من العدائية ، للحقوق الكردستانية ، حتى ولو كان ذلك على شكل التعبير عن الرأي، كما عبر عنه أصوات 93% من شعب الإقليم وفق إستفتاء تم بأدوات ومناهج نزيهة ، ضمن سياقات حضارية ، .
على ضوء ذلك ، وبعد قراءة السيكولوجيات المستمدة ، والمستندة ، إلى التراث الغزوي ، والأنفالي ، وثقافة الغلبة والهيمنة ، والذي يبدوأنه مازال سائداً في سلوك النخب السياسية والثقافية والإجتماعية في الإقليم ، وهو ما أظهره الإجتياح العسكري ، وإجراءات الحصار البري والجوي،وحبك المؤامرات مع بعض الأطراف ، لشق وإضعاف الجبهة الداخلية الكردستانية ، هادفين منه القضاء على ما أنجز خلال السنوات الماضية ،من المكتسبات ، في ظل نظام فيدرالية الإقليم ، والعودة إلى التسلط المركزي ، كما في عهد صدام حسين ، وقد كانت النوايا أسوأ من ذلك كما يبدو ، لدى مليشيات الحشد الشعبي الطائفي ،
إذن ما سبق ذكره . ذلك يشير بكل وضوح ، بأن مفهوم دولة المواطنة ، في ظل هذا المحيط من الكراهية والعداء ، هو مفهوم ومصطلح طوباوي ، ويوتوبي ، أو ما هي إلآ نكتة سمجة ، بعيدة عن الواقع المعاش، ولا يمكن التعايش في حظيرة ذئابية تتحين فرص الإجهاز والإفتراس ، وبالتالي لا بد من تطبيق نتائج الإستفتاء، وإعلان الإستقلال ، ولكن بعد قراءة جديدة، للأحدات، وتقييم موضوعي للحلفاء، والسعي إلى إمتلاك المزيد من مكامن القوة ،بأشكالها المختلفة ، حيث برهنت الأحداث ، على عدم وجود “قوة الحق” في قواميس شركاء الأديان والأوطان ، ولكن ما يتضمنه قاموسهم هذا هو ” حق القوة ” حيث تبين أنّ قضاة المحكمة الإتحادية العليا ، وعلى رأسهم ، رئيس المحكمة ، مدحت المحمود ، ما هم إلآ أنفار من جنود المالكي ، ممثل الولي الفقيه السياسي في العراق (وبعد إنتهاك الحكومات العراقية المتعاقبة لما يزيد عن خمسون مادة دستورية طيلة السنوات الماضية ) يبرهن على ، أنهم أيضاً إلآ مثل فقهاء السلطان ، يفبركون الفتاوي القانونية ، وفق مشيئة سلطانهم ” نوري المالكي” حيث يقول المستشار القانوني أحمد العبادي، الذي يعرف مدحت المحمود عن قرب، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المحمود وإن كان قد جاء به الأميركيون إلى السلطة القضائية، بقرار من الحاكم المدني بول بريمر، إلا أن المهمة الأولى والأخيرة له خلال سنوات حكم المالكي الثماني ، كانت تفسير القوانين، بما فيها قرارات المحكمة الاتحادية، بما ينسجم مع رغبات المالكي ومشيئته »وفي هذا الصدد أيضاً يقول المستشار القانوني أحمد العبادي إن «مما يؤسف له أنه لأول مرة في تاريخ المظاهرات في العالم يكون رئيس السلطة القضائية أحد أبرز المتهمين بالفساد بينما معيار كفاءة وجدية أي نظام في العالم يكمن في مدى نزاهة القضاء» ، وهذا مايفسر موقف وقرارات المحكمة الاتحادية العليا ، المنحازة وغير العادلة من إستفتاء إقليم كردستان .، .أي يعيدنا ذلك إلى مأثور الفيلسوف الألماني ” نيتشه ” ( حفنة من القوة خير من قنطار من الحق ) وهذه القوة يمكن تحقيقها بتوحيد الصف الداخلي الكردستاني أولاً، وثانياً هو رسم وبناء ونسج العلاقات مع الحلفاء المحتملين وفق ، وعلى أسس المصالح المتبادلة ، وهذه برسم النخب السياسية في الإقليم . والخلاصة والهدف والمآل الأخير في كردستان العراق هو ” الإستقلال” ولو كانت التكاليف باهظة .كأس العلقم هذا هو قدر الكردستانيين ، مهما طال بهم الزمن ، ولا أمل في تغييرات في الثقافة الغزوية ، لدى الشركاء ، على الأقل في المدى المنظور .
2 ) – مآلآت وتوجهات الكردستانيين السوريين : أمّا مآلآت وتوجهات الكردستانيين السوريين ، وعلى ضوء موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية ، وبعد قراءة واقع نسيج المكونات الإجتماعية ، كما يبدو ، انّها بإتجاه الفيدرالية ، بما يضمن ايصال جميع مكونات الشعب السوري ، العرقية منها ،والدينية، والمذهبية ، إلى حقوقها المشروعة ، وإدراج هذه الحقوق ،في متن العقد الإجتماعي ، أوالدستور القادم ، المزمع رسمه ، وقد تم تحقيق بعض الخطوات العملية ، على أرض الواقع بهذا الإتجاه ، من خلال التشريعات الصادرة ، أو تكوين الهيئات التمثيلية لهذه المكونات توافقاً مع الأحجام والأوزان الخاصة لكل منها، من خلال الإنتخابات التي تم إنجاز المرحلة الأولى منها ، من قبل سلطات الادارة الذاتية .
بعد تحديد توجهات القوى الكردستانية ، في كل من الجغرافية العراقية ، وكذلك السورية ، سنتناول قراءة مخططات الدول الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا ، ثم مخططات الدول الإقليمية ، وتحديداَ إيران وتركيا ، ثم مخططات القوى المحلية وهما العراق وسوريا . وفق المصالح الجيوسياسية ، والإقتصادية لكل منها ، وفي ظل صراعات المحاور السنية –الشيعية ، في منطقة الشرق الأوسط ، وأيضاً في ظل صراع الأقطاب الدولية ، وهما روسيا والولايات الأمريكية .
3 ) – المخططات الأمريكية : من البداهة بمكان القول ، بأنّ التكتيكات تخدم وتساهم في تنفيذ الإستراتيجيات ، لذلك فإنّ الخطط الإستراتيجية الأمريكية ، ومنها مشروع ” الشرق الأوسط الكبير ” يتم بناؤها ، ودراستها ، وإعتمادها ، و ثم وضعها قيد التنفيذ ، كل ذلك يتم ، من قبل مؤسسات الدولة العميقة ، والمؤلفة بداية من مطابخ مراكز الأبحاث بما تحوي من مفكرين وباحثين مختصين ، لتنتقل وترحل كمشاريع للدراسة والتقييم ، إلى الدوائر المختصة في البنتاغون، ووزارة الخاجية ،ومجلس الأمن القومي ، واللجان المختصة في كل من الكونغرس ومجلس الشيوخ ، وبعد التقييم والتعديل والتنقيح ، يتم عرضه على الكونغرس ليتم التصويت عليه وإقراره ،( وبعد ذلك تصبح ضمن السياسة العامةللدولة الأمريكية –لا تتغير بتغيير الحزب الحاكم سواء أكان ديموقراطيا أوجمهورياً) وهذا ما جرى وتم بشأن مشروع الشرق الأوسط الكبير ، والذي يشمل جغرافيته ، من طنجة غرباً،إلى أفغانستان شرقاً الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 1983 م ، ومن الجدير ذكره هو ورود كردستان الحرة ، أو كردستان الكبرى ، ضمن هذا المشروع وإستراتيجياته ، وحتى أنّه يعتبر من أولوياته ، ولكن التكتيكات المتبعة للتنفيذ ، تأخذ مسارات ، وأشكال مختلفة ، تتراوح بين التفعيل والتنشيط أحياناً ، وبين الركود أحياناً أخرى ، تبعاً للبراجماتية الأمريكية ، في تقييم وتصنيف وتبويب الأولويات ، للمصالح الأمريكية ، وبذلك تتغير أولوية التكتيكات المتبعة في تنفيذ هذه الأهداف ، لذلك يمكن قراءة التكتيكات الأمريكية ، ضمن سياق مشروع الشرق الأوسط الكبير الإستراتيجي ، فيما يخص كلاً من كردستان العراق وسوريا وفق الآتي :
.A ) – كردستان العراق : يمكن قراءة وتفسير الموقف الأمريكي ، على ضوء ما جرى ، قبل، وقبيل، وبعد ،عملية الإستفتاءفي الإقليم بشأن الإستقلال ، والتي تزامنت مع تكتيك آخر، يتمتع بالأولوية ، هو التصدي للنفوذ الايراني ( مع ثبات إستراتيجية كردستان الكبرى ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وثبات الرؤية الداعمة لسلطات الإقليم ، مع الأخذ بعين الإعتبار أيضاً ، دور الإقليم في مشروع التصدي للنفوذ الايراني ) إلآ أنّ الأولوية أعطيت ، ونالها الإستراتيجية الأمريكية في التصدي ، للنفوذ الإيراني ، ولجم تمدده ، خاصة بعد الصفقة والمقاولة المبرمة ، مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج ، بهذا الشأن ( المقاولة الكبرى التي عقدها ترامب مع السعودية ودول الخليج ،، خلال إجتماعه في الرياض ، مع زعماء معظم الدول الإسلامية ، بشأن التصدي للنفوذ والتمدد الإيراني ))، لذلك كانت الأولوية الأمريكية ، هي إضعاف تيار نوري المالكي ، الموالي لإيران ، وإضعاف القبضة الإيرانية ، على القرار العراقي ، ومحاولة الترويج لحيدر العبادي ، وتياره وإظهاره بطلاً أعاد الأراضي المتنازع عليها ، وأعاد سيطرة الدولة المركزية على جغرافية الإقليم ، بغية دعمه لتحقيق النجاح في الإنتخابات العراقية المقبلة ، المزمع إجراؤها في النصف الأول من عام 2018 م ، وإذا تحقق نجاح العبادي ، سيصار إلى المباشرة في تنفيذ مندرجات ومراحل المادة 140 من الدستور العراقي ، بشأن المناطق المتنازع عليها ، مما يعني أنّ العلاقات الكردستانية – الأمريكية ستبقى إستراتيجية ، وإنّ ماحصل خلال وبعد الإستفتاء ، وفسر الموقف الأمريكي بالسلبية ، إنّما كان تغييراً في ترتيب اولويات التكتيكات ، لتحقيق المصالح الإستراتيجية الأمريكية
.B ) – كردستان سوريا : إنّ ما ذكر بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية ، تجاه كردستان العراق ، تنسحب ، وتتطابق معها تجاه كردستان سوريا أيضاً ، أي أنها مشمولة ، بمشروع الشرق الأوسط الكبير ، وأيضاً بمشروع ، التصدي للهيمنة والنفوذ الإيراني ( تنفيذاً للمقاولة والصفقة الأمريكية- مع السعودية ودول الخليج ) خاصة وأنّ قوات سوريا الديموقراطية ، وبدعم من قوى التحالف ، تسيطر على معظم الحدود العراقية – السورية ، والتي تعوّل عليها الإستراتيجية الأمريكية، بغية قطع التواصل بين الميليشيات الطائفية للحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران ، وبين مثيلتها على الجانب السوري من الحدود ، حتى أنّ هناك تفاهماً مع الروس ، بضرورة حماية كانتون عفرين ، ضد التوجه التركي للإجتياح العسكري لها
4 ) – المخططات والإستراتيجية الروسية : يمكن قراءة الموقف الروسي ، من الحقوق الكردستانية ، بأنّه ليس عدائياً ، بل يمكننا القول ، بأنّه متفهماً لهذه الحقوق بشكل إيجابي ، ويمكن القول أيضاً ، بأنّهم كانوا متفهمين الإستفتاء الإستقلالي في كردستان العراق بصورة إيجابية ، وحتى أنّهم صرحوا بدعوتهم وتأييدهم للحل الفيدرالي لكردستان سوريا ، وضرورة مشاركة وحضور الممثلين الكرد ، في مفاوضات حل الأزمة السورية ،في المحافل الختلفة ، سواء في آستانه ، أ و سوتشي ، أو جنيف، ولكنه موقف براجماتي ، قابل للمساومة، وبازارات عقد وابر ام الصفقات، والدليل على ذلك أنّه ساوم تركيا ، على إدخال قواتها ، على شكل إسفين ضد قوات سوريا الديموقراطية وفي خاصرتها ، إلى مناطق الراعي وجرابلس والباب ، لمحاصرة مناطق الشهباء الخاضعة لقوات سوريا الديموقراطية، وكذلك السماح للقوات التركية بإجتياح محافظة أدلب ، وبغض الطرف عن تمددها لحدود منطقة عفرين ، ومحاصرتها ، من جهاتها الجنوبية والغربية ، كل ذلك مقابل مد انبوب الغاز الروسي إلى أوربا عبر جغرافية تركيا سواء البحرية أو البرية ، ( وهناك سابقة سيئة الذكرى ومؤلمة ، مازالت قابعة في الوجدان الكردستاني ، فيما يخص جمهورية مهاباد الكردية في ايران ، ووأدها في مهدها ، مقابل صفقة مع الشاه الايراني، ودول الحلفاء ، ولاننسى النفط أيضاً ) ومحاولة إضعاف العلاقة التركية ، مع الولايات المتحدة وحلف الناتو ، ومن الجدير ذكره أيضاً، أنّ كانتون عفرين ،الواقع ضمن منطقة النفوذ الروسي ، يعتبرها الروس أيضاً ، أنها ورقة ورهينة للمساومة ، ويتوقف ذلك كما يبدو ، على قيمة وحجم الفدية ، ليس مع تركيا فحسب ، بل مع الأمريكيين ، من جهة ، وكذلك مع النظام السوري أيضاً، وحتى مع إيران ، ولكن المهم من كل ذلك ، هو مدى إلتزامهم بالإتفاق الجنتلماني مع الأمريكيين ، بعدم تمكين الأتراك من إجتياح عفرين .
أما مخططات ومواقف القوى الإقليمية ، وهما تركيا وايران ، من الكردستانيين سواء تجاه كردستان العراق ، أو كردستان سوريا ، فهي أكثرها وضوحاً ، وهو موقفها العدائي للحقوق الكردستانية ، على المدى الغائر في التاريخ ، والمتزامن والمتواتر مع الظهور التاريخي للقضية الكردية ، وبالرغم من مرور الكثير من المياه ، تحت جسر هذه القضية، خلال الحقبات التاريخية الماضية ، تغيرت وتعاقبت قيادات كثيرة على حكم كل من ايران وتركيا ، ولكن ثقافة وسياسة العداء بقيت ثابتة وراسخة ، يتوارثها الخلف عن السلف ، وبدأ مع الايرانيين ، منذ قيام كورش الثاني الأخميني ، الفارسي بالإستيلاء على الدولة الميدية الكردية ، عام 550 قبل الميلاد ، وحتى عصرنا الحديث هذا ، وكذلك بالنسبة للأتراك بدأت منذ هجرة وغزوات قبائل السلاجقة و إحتلالها جغرافية كردستان والتي بدأت بمعركة “ملاذكورد” في كردستان الشمالية ، بين هذه القبائل ، من السلاجقة بقيادة السلطان “ألب أرسلان” والبيزنطيين بقيادة الإمبراطور رومانوس ديوجينس في 26 / 8 / 1071م
5 ) – المخطط و الإستراتيجية التركية : بالرغم من العداء التاريخي التركي للحقوق الكردية ، وكذلك الى جانب العداء المزمن ، بين تركيا التي يغلب على معتقدها الديني ، مذهب الإسلام السني ، المعادي تاريخياً لإيران المتبنية عقدياً للمذهب الشيعي ، والتي تعتبر ايران الصفوية سابقاً ، وايران الخمينية لاحقاً ، أنها حامية الشيعة وولية أمرهم على المستوى العالمي ، ويعود تاريخ هذا العداء بين تركيا السنية ، وايران الشيعية إلى يوم 23 / 8 / 1514 م تاريخ إندلاع معركة جالديران بين الطرفين ، على جغرافية كردستان ، وعلى ضوء ظهور المخطط الايراني للتمدد والهيمنة على المنطقة، وتنفيذ مشروعه المسمى ” الهلال الشيعي “فقد وضعت تركيا ، أمام أمرين ” أحلاهما مرّ” ومع ذلك تناست تركيا خلافاتها المذهبية المزمنة مع ايران ، وأيضاً مع الحكومة الشيعية في العراق ، وتحالفت معهم بعد الاستفتاء ، على حصار الاقليم ، وبذل كافة الجهود للقضاء على الحلم الكردستاني في كردستان العراق ، ، وما زالت تبذل كل الجهود ، وتقدم كافة التنازلات لكافة الجهات ، منها روسيا وامريكا ، و حتى محاولة التصالح مع النظام السوري ، في سبيل إجهاض المشروع الكردستاني في كردستان سوريا .لذلك فإنّ في قمة سلم الأولويات في الإستراتيجية التركية ، هي أن لا تقوم قائمة لأي مشروع كردي ، ولو كان حتى على شكل خيمة على كوكب المريخ !!!!!
6 ) المخطط والإستراتيجية الإيرانية : إضافة إلى إلتقاء العدوين المذهبيين التاريخيين اللدودين ، تركيا وايران ، على معاداة الحقوق الكردية من الجانب القومي الإثني ، على عموم جغرافية كردستان ، فإنّ هناك حاملاً وعاملاً إضافياً ، وعداء مذهبياً يضاف إلى العداء القومي الإثني للكرد ، ألا وهو العداء المذهبي ، كون المذهب السائد لدى عموم الكرد ، هو الإسلام السني ،أي أنّ العداء الايراني للكرد أصبح يحمل بعدين مضاعفين ، أي البعد القومي الإثني ، والبعد الآخر هو البعد المذهبي ، وبذلك تعتبر ايران أنّ الكرد يشكلون خطراً عليها ، كونهم يشكلون ما يقارب ال ” 10 % من سكانها ، وهم في حركة مستمرة نحوالمطالبة بحقوقهم القومية ، إضافة الى ذلك ، تعتبرهم عائقاً أساسياً ، على طريق تحقيق مشروعهم الإستراتيجي ، وهو مشروع توحيد جغرافية الهلال الشيعي ، الممتد بين طهران ، وإلى الضاحية الجنوبية في لبنان ، حيث ميلشيا حزب الله ، أحدكتائب الحرس الثوري الايراني ، مروراً ببغداد ودمشق، ، وتعتبر إيران سواء الكرد في كردستان العراق ، أو في كردستان سوريا ، هما قوى معادية ، وواقعة على مسار الهلال الشيعي ، ، لذلك لم يألو الجنرال قاسم سليماني ، جهداً لمحاربة الإستفتاء وتبعاته ، و محاولة تشتيت الصف الكردستاني الداخلي ، من خلال التواصل مع البعض من ضعاف النفوس مثل هيرو وبافل ومن لفّ لفّهما ، هذا في كردستان العراق ، أما في كردستان سوريا ، فإنّ جهود الجنرال سليماني ، لا حدود لها ،حيث أنّه يحوز على تفويض الولي الفقيه ” المرشد الأعلى الخامئي ” كما أنّه يحوز أيضاً على ميزانية مفتوحة من أموال الحرس الثوري لتمويل النشاطات التآمرية ، وهو في نشاط محموم، من خلال التواصل مع جهات مختلفة ، من مختلف المكونات ، وخاصة العشائر العربية ، في الجزيرة الفراتية ، لإنشاء وتشكيل ميليشيات برواتب مغرية ، ومحاولة تأجيج الصراعات الإثنية بين المكونات ، بغية محاربة قوات سوريا الديموقراطية ، ومحاولة إقامة كيانات تمهد لها تنفيذ مخطط الهلال الشيعي ، إضافة إلى سعي الجنرال السليماني ، إلى العمل الجاد والحثيث ، وضمن إستراتيجية تصدير الثورة التشيعية ، يسعى إلى تغيير البنية الديموغرافية في نسيج المكونات السورية ، ونشر الحوزات الفقهية الشيعية ، والتي تقارب ال 17 حوزة ، في سوريا ، خدمة لمشروع إقليم ، فيدرالية سوريا المفيدة ( الفيدرالية ذات الطابع والهوية الشيعية ) على مبدأ ( ما لا يدرك كله ، لا يترك جله ) أي عندما عجز عن الإستحواذ على سوريا كاملة ، فلا بأس من الإكتفاء ب ” سوريا المفيدة “
7 ) – المخطط المحلي العراقي : لا شك أن قراءة فاحصة ، ودقيقة ، لمسار العلاقة بين الحكومات المركزية في بغداد ، مع القوى الفاعلة في الإقليم الكردستاني، سواء القوى القبلية والعشائرية ، أو القوى السياسية بعد تعاظم نفوذ الأحزاب السياسية فيها ، تظهر هذه القراءة ، وتفصح بوضوح ، عن أنّ الهاجس الأساسي لدى السلطات المركزية في بغداد ، هو السيطرة المباشرة على الحياة السياسية والإقتصادية في الإقليم ، دون إتاحة أي هامش لذلك للفعاليات والقوى المحلية بدءاً من العهد الملكي ، مروراً بعهود الحكام الجمهوريين ، مثل عبد الكريم قاسم ،والأخوان عارف ، أي عبد السلام وعبد الرحمن ، والبكر وصدام ، وصولاً إلى نوري المالكي ، وحتى العبادي لا يبدو أنّه يختلف كثيراً ‘إن سنحت له موازين القوى المحلية والدولية ، ويتوقف ذلك على قوة وضعف سلطات المركز ، ( وهناك رسالة موجهة من الملك فيصل الى الحكومة البريطانية ، يطلب فيها الدعم العسكري ، بغية السيطرة والهيمنة المركزية على الإقليم ) وهذه السياسة وهذا الهاجس ، ما زال موجهاً ومحدداً لسلوك وممارسات حكام المركز ، ويدلل عى ذلك ، ممارسات صدام حسين عام 1974 م و1983 و 1988 وفيها الأنفال وضربة حلبجة الكيمائية ، ثم محاولة المالكي أيضاً في كركوك بواسطة قوات عمليات دجلة عام 2008 م والآن إستنجد حيدر العبادي ، بإيران وتركيا ، مدعوماً بقوى حشدية طائفية، لإجتياح الإقليم ، متذرعاً بإجراء الإستفتاء كغطاء للهاجس الكامن ، وهي الإستراتيجية الراسخة لهذه الحكومات المتعاقبة ، بإجتياح الإقليم ، والسيطرة المباشرة على مقدراته ، ويبدو أنّه ليس هناك ما يدلل على حدوث تغيير إيجابي ، على هذه الإسترتيجية في المدى المنظور ، وهذا التوجه لا يترك الكثير من الخيارات ، أمام سلطات الإقليم وفعالياته السياسية ، سوى خيار واحد ، هو إعلان االإستقلال حينما يتاح الظرف المناسب ، ومحاولة أن يكون ذلك بأقل الأثمان والتكاليف .
8 ) – المخطط المحلي السوري : بقراءة متأنية لمسار وتطورات أحداث الثورة السورية ، يظهر ويتضح ، بأنّ النظام ليس صاحب قراره وكما يقال ( بأنّ موّاله ليس ولم يكن من رأسه ) ،و بأنّ قرار التصعيد ، وإقرار الحل والمواجهة الأمنية العسكرية ، للجماهير الثائرة ضد الفساد بأشكاله المختلفة ، المالي ، والإداري، والإقتصادي، والإستبداد الأمني الذي لا حدود له ولا ضوابط ، ( حتي أنّ الكثيرين يرون ، بأنّ سوريا هي عبارة جهاز مخابراتي أمني ، له دولة ) كان هذا القرار المجابهاتي الأمني تجاه قوى الثورة ، هوبمجمله كان إيرانياً ، الذي بات يسيطر على القرار السوري ، من خلال طوابيره في مرافق السلطة السورية المختلفة ، الأمنية والعسكرية ، مستندين إلى إستثماراتهم الكبيرة ، المالية منها ، والفكرية والفقهية التشيعية الحوزوية ، وسعيهم الحثيث لبناء قوات ميليشياوية طائفية بأموال ايرانية ،، على غرار الحرس الثوري ، لحماية الثورة التشيعية في سوريا ، على حساب إضعاف القوات المسلحة الرسمية للدولة السورية ، لأنّهم يدركون عين اليقين ، بأنّ أي إنفتاح على الديموقراطية ، ومشاركة الجماهير بتقاسم السلطة والثروة ، هي بداية زوالهم ، وهذا من الطبيعي أنهم لن يرتضونه ،ولكن بعد الدخول الروسي ، لمسرح الأحداث السورية ، في 30 / 9 / 2015 م بدأ الصراع الإيراني – الروسي على النفوذ في سوريا ، حيث أنّ للروس أيضاً نفوذ ضمن القوات المسلحة السورية ، دأبوا على بنائه طيلة الحقبة السوفيتية ، وإرتبط الكثير من الضباط السوريين بالعقيدة الروسية في الثقافة والسلوك ، خلال فترات تدريبهم الطويلة ، في الأكاديميات العسكرية الروسية ، إضافة إلى أنّ معظم العتاد العسكري السوري ، هو ذات المنشأ الروسي ، لذلك بعد ابرام الصفقة الروسية – السورية ،والتي كان بنودها الرئيسية ، هي قاعدتي حميميم الجوية ، وقاعدة طرطوس البحرية ، إضافة إلى صفقات إقتصادية مختلفة ، مقابل دعم النظام عسكرياً ضد قوى المعارضة ، ، بعد هذه الصفقة ، برز الصراع الإيراني – الروسي إلى العيان ، في كثير من المحطات والمواقف ، لذلك فإنّ الروس أيضاً لا بأس لديهم ، في إقامة فيدرالية ” سوريا المفيدة ،” إن لم يتمكنوا من تمكين النظام من ممارسة الحكم والسيطرة المركزية ، على كامل الجغرافيا السورية ، ولكن في ظل نظام علماني ، في ظل قوات عسكرية رسمية ، بعيدة عن ميليشيات مذهبية ، طائفية وليس كما تسعىى إيران ، لإقامة إمارة الولي الفقيه ، ضمن جغرافية ” فيدرالية سوريا المفيدة ،
ومن هذه القراءة ، المتواضعة ، يمكن التوصل إلى أنّ النظام السوري يرى ، إن بقي من رؤيته وقراره شيئ ؟؟؟، أن قيام فيدرالية كردستانية ، تحت أية مسمى ، مثل روزآفا ، أو فيدرالية شمال سوريا،أو أي مسمى آخر ، يخدم ويبرر إقامة كيان : سوريا المفيدة ، ” ولكن هل يكون على شكل كيان علماني كما يريده الروس ( وهوما ينحو إليه معظم مكوّن الطائفة العلوية في سوريا ويسعون الى بلوغه ) أو على شكل إمارة مذهبية – تشيعية تابعة للولي الفقية ( الإمام الخامنئي –ولي الزمان – قدس الله سره )وهذا يتوقف شكله وبنيته ، على مدى مآلآت ونتائج حسم الصراع الروسي – الإيراني
المصادر والمراجع
1 ) الصدام بين الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث – تأليف برنارد لويس
2 )- رحلة الى بلاد العلويين عام 1878 م –تأليف ليون كاهون
3 ) الحشد الشعبي ومستقبل العراق دراسة من إعداد مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي،للباحثين 3 ريناد منصور,–وفالح عبد الجبّار
4 ) البعث الشيعي في سورية 2007-1919 م إعداد المعهد الدولي للدرا سات السورية- معهد بحثي مستقل غير ربحي
5 ) كوردستان – الجيوبوليتكس المعاصر –تحليل – منهج – سلوك – تأليف الدكتور فؤاد حمه رشيد – السليمانية