حاوره: عمر كوجري
قال علي العبدالله الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والمعارض والمعتقل لسنوات في سجون النظام السوري سابقاً حول التدخل التركي في سوريا أنه ارتبط تدخل الأتراك في سوريا بعاملين أول الموقف الأميركي الجديد في سوريا: الإعلان عن بقاء القوات الأميركية لفترة زمنية مفتوحة، وتشكيل حرس حدود من 30 ألف عنصر من “قوات سورية الديمقراطية” ونشرهم على الحدود السورية التركية العراقية، وثان: حاجة أردوغان لرفع رصيده الشعبي بعد حملات الاعتقال والطرد من الوظائف التي طالت الآلاف بعد الانقلاب الفاشل.
وعن تصوره لمستقبل سوريا، لم يخفِ الكاتب العبدالله تفاؤله في حوار خاص بصحيفتنا «كوردستان» بأنه رغم الصورة الدامية والمأساوية التي نعيشها فإن ثمّة مترتبّات على ما حصل إلى الآن تدعو إلى الأمل والتفاؤل. من هذه المترتبات أن لا عودة إلى وضعية ماقبل الثورة، وأن التغيير سيطال مرتكزات النظام وأسسه الدستورية والقانونية، وأن هذا سيتم ليس بفعل جهود المعارضة بل بفعل الثورة، رغم انكسارها، وصبر السوريين وتحملهم للبطش والقتل والدمار.
حول هذه الملفات، كان الحوار التالي مع الأستاذ العبدالله:
* بدايّة لا بد من أن نتذكر معاً، قبل أربع سنوات في حوار مع صحيفتنا “كوردستان” قلت: أن تنظيم داعش ليس جزءاً من الثورة السورية، قد تكون محقاً في ذاك الكلام لكن ألا تتفق معي أن الوضع تغيّر وصارت (فيما بعد) معظم فصائل المعارضة مرتهنة للأجنبي، كيف يطل كاتبنا علي العبدالله على المشهد الآن؟
هنا يجب التمييز بين حالتين، حالة قوة سياسية اخترقت المسرح السياسي والعسكري للثورة ببرنامج لا يمت إلى هذا المسرح بصلة، قوة دخيلة توسلت العنف والبطش واحتلت مساحة واسعة من المشهد السياسي والعسكري وفرضت تصورها وبرنامجها على قطاعات من المجتمع السوري دون أن تسأله رأيه، أو تسعى لإقناعه بتصوّرها وبرنامجها. وحالة قوة سياسية وعسكرية تشكّلت داخل الثورة وفي سياقها، أو في تخومها فغدت جزءاً عضوياً منها لكنها، في سعيها لخدمة الثورة وتحقيق أهدافها، أضاعت البوصلة والاتجاه، دفعتها الحاجة إلى الظهير السياسي والعسكري المستعد لتقديم المال والسلاح إلى قبول المشورة بداية، ثم قبول النصح وتبنّي برامج وخطط لا تخدم الثورة، إن لم نقل إنها تحرفها عن مسارها وأهدافها، تالياً. المؤلم أنها فعلت كل ذلك وهي تعتبر نفسها تخدم الثورة، وتعمل على تحقيق أهدافها. هذا دون أن نغفل نشوء مصالح خاصة وأمراء حرب جروا قوى الثورة نحو أهداف خاصة، وخاضوا معارك جانبية ذهب ضحيتها الآلاف وخسارة إمكانيات وجهود، ترتب عليها ترهل وهزائم في مواجهة قوى النظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم المذهبية، من جهةـ وقطيعة نفسية بين قوى الثورة وحواضنها الشعبية من جهة ثانية.
*خلال أيام ستدخل الثورة السورية في عامها الثامن، ومازال القتل والعنف سيد الموقف، ألا تتفق معي بأن فاتورة الدم السوري الباهظة تأجلت إلى الآن، وكأن لا أفق قريب لوقف سيل دماء السوريين؟
هذا صحيح ومنطقي في آن، في ضوء ما شهده مسرح الصراع على سوريا بين قوى الثورة والنظام من تحولات وتطورات، لعلنا نذكر استخدام النظام للقوة العارية في مواجهة التظاهرات السلمية في محاولة لإجهاض الحراك الشعبي، وفشل الثورة في توقع المسارات التي ستأخذها المواجهة، كان التوجه العام في صفوف الثورة، تحت تأثير ما حصل في ثورات الربيع العربي والسقوط السريع لأنظمة القمع والفساد في تونس ومصر وتدخل حلف الناتو ضد نظام القذافي الذي استخدم الجيش الليبي في مواجهة التظاهرات، حماسيا وقد سيطر على المزاج العام تفاؤل بانتصار الثورة وسقوط النظام بالسرعة التي سقطت فيها تلك الأنظمة، هنا يبرز عجز المثقفين السوريين وفشلهم في اكتشاف الفروق والتباينات بين الثورة السورية والتونسية والمصرية في ضوء بنية النظام وتحالفاته وموقعه في المعادلتين الإقليمية والدولية، وزاد الموقف تعقيدا انخراط قوى ودول في الصراع وتحول الصراع في سوريا إلى صراع على سوريا. غدا المشهد والمخرج رهناً بتوافق قوى إقليمية ودولية على الحل دون كبير اعتبار لمطالب الثورة والنظام ومصالح السوريين.
هل تتوقع أن يستفيق السوريون غداً، ويرون سوريا مختلفة، سوريا بلا استبداد. هل مازلت ترى في معارضتنا، بالرغم من تشتتها، البديل الصحيح للنظام؟
رغم الصورة الدامية والمأساوية التي نعيشها فإن ثمّة مترتبّات على ما حصل إلى الآن تدعو إلى الأمل والتفاؤل. من هذه المترتبات أن لا عودة إلى وضعية ماقبل الثورة، وأن التغيير سيطال مرتكزات النظام وأسسه الدستورية والقانونية، وأن هذا سيتم ليس بفعل جهود المعارضة بل بفعل الثورة، رغم انكسارها، وصبر السوريين وتحملهم للبطش والقتل والدمار، وبفعل السعي الإقليمي والدولي للتوافق على حلٍّ يوقف ارتدادات الثورة وتحقيق استقرار نسبي. أما المعارضة ودورها وفرصها فالواضح أنها لم تكن جزءاً من الثورة بل تشكيلاً من خارجها، ولم تنجح في ملء الفراغ الذي عانته الثورة: عدم وجود قيادة مركزية، كونها ثورة عفوية، بل يمكن القول إنها بتبايناتها وولاءاتها وارتباطاتها بالدول الراعية وصراعاتها البينية على المواقع والأدوار عمّقت ذلك الفراغ، وحوّلته إلى نقطة ضعف قاتلة. مع ذلك فإن المشهد يطلبها، ويستدعي وجودها واستمرارها في لعب دور ممثل الثورة/ الشعب كي تكتمل صورة العملية السياسية بتوافر عناصر المعادلة السياسية، ويأخذ الحل الذي سينجم عن المفاوضات الإقليمية والدولية شرعيته. وهذه فرصة لتتمسك بالتغيير وبانتقال سياسي حقيقي.
*الكل يتحدث عن غياب ظروف إنتاج قيادات سياسية على مستوى المعارضة تؤهلها لقيادة المرحلة، وكذا قيادة عسكرية موحدة في سوريا، أين تكمن المعضلة أو المشكلة برأيكم أسوريّا عاجزة عن إنتاج القادة؟ ألم تكف تجربة سبع سنوات خارج إطار الاستبداد لإنتاج القادة؟
لا أعتقد بوجود شعب عقيم، وهذا ينطبق على الشعب السوري. المعضلة تكمن في السياق والظروف والشروط الذاتية والموضوعية. لم تعرف سوريا حياة سياسية طبيعية، فقد شهدت منذ قيامها كدولة تحولات عنيفة: انقلابات متتالية، تصفيات سياسية وعسكرية واجتماعية، تمييز بين المواطنين قوميا ومذهبيا، أسست لانقسامات عمودية وأفقية في ضوء التعددية القومية والدينية والمذهبية وخطط التنمية المحكومة بمنطلقات وخلفيات فئوية، وانعدام شروط تحقيق اندماج وطني راسخ. لم تغير تجربة الثورة هذه المعطيات بل عمقت تلك الانقسامات وكرستها بدفع من قوى محلية وإقليمية ودولية.
*تشتت مشهد المعارضة وحالة التشكيك ببعضها وأيضاً التخوين. كيف تُقيّم الوضع بعد مؤتمر سوتشي على الأقل؟ وهل ترى توزع المعارضة على عدد من المنصات والمحاور الإقليمية والدولية أمراً ايجابياً استفادت المعارضة منه على الأقل للديمومة والاستمرار في نشاطها؟
لم يكن تشكل المنصات وليد فعالية ذاتية حرة، كان في معظمه وليد دفع وتأثير خارجي هدفه إرباك المعارضة وتشتيت كيانها للتذرُّع بذلك وسحب شرعية تمثيلها، من جهة، واستخدام ذلك التشتت في تأجيل إطلاق مفاوضات سياسية مباشرة وجادة، من جهة ثانية. وقد تجلى ذلك في مؤتمر سوتشي بشكل فاقع حيث قاطعت أطراف من المعارضة وشاركت أخرى دون أن يكون ذلك في إطار عملية توزيع أدوار أو تنسيق داخلي.
*تعرف، أنه خلال أسبوع سقطت طائرات روسية وتركية وإيرانية وإسرائيلية في السماء السورية المستباحة. والسؤال الذي فرض نفسه حول الحدث الأبرز: إسقاط قوات النظام للطائرة الإسرائيلية، لما الآن وقد سبق وقامت إسرائيل بعشرات الاختراقات، هل هناك مشروع جديد لما يسمى محور “الممانعة” بهذا الخصوص، ما هي الرسالة التي أراد النظام أن يوصلها للإسرائيليين؟
تعددت قراءات عملية إسقاط الطائرة الإسرائيلية بين من اعتبرها رسالة احتجاج إيرانية على التنسيق العسكري الروسي الإسرائيلي، ومن اعتبرها انتقاما روسيا من حليفة الولايات المتحدة الرئيسة ردا على إسقاط الطائرة الروسية في إدلب، ومن اعتبرها محاولة من النظام لخلط الأوراق باستحضار الصراع العربي الإسرائيلي إلى قلب الصراع في سوريا وعليها. المعلومات المتوفرة، خاصة عدم توفر معلومة جازمة حول الدور الروسي في العملية، لا تسمح بالجزم، وهذا يدفع المحلل إلى التقدير المنطقي. أعتقد أنها رسالة إيرانية سورية هدفها خلط الأوراق وعرقلة العملية السياسية (إن التي جاءت في مشروع اللاورقة، الذي تبنته الدول الخمس: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، السعودية، الأردن، أو التي أفرزها مؤتمر سوتشي بتحويل قرار تشكيل اللجنة الدستورية إلى المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لاختيار أعضائها وبرنامج عملها)، على خلفية رفضهما العملية السياسية، لما تنطوي عليه من احتمالات إقرار انتقال سياسي، وتمسكهما بالحسم العسكري.
* كما تعلم أن المسار السوري العام يتجه نحو البدء بالعملية التفاوضية، هل يخدم التطور العسكري الجديد في الشمال السوري المسار السياسي؟
أعتقد أن طريق العملية السياسية مازالت غير سالكة، وما يحصل في الشمال السوري(إدلب وعفرين) خير دليل على ذلك، فالهجوم في إدلب محاولة من النظام وإيران لعرقلة العملية السياسية، والهجوم التركي على عفرين محاولة لتعظيم نفوذ تركيا في سوريا وحجز مقعد مريح على طاولة المفاوضات وضمان حصة كبيرة من الكعكعة السورية.
*هناك مباركة سياسية معارضة للهجوم التركي على عفرين، ألا يؤثر ذلك على التماسك الاجتماعي، ويساهم في خلق شرخ بين المكونات المجتمعية في الشمال السوري، وتالياً على مستوى العلاقة بين العرب والكرد؟
موقف المعارضة المؤسف من الهجوم التركي على عفرين وليد اعتبارين متداخلين: فشلها في التعاطي مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وخضوعها للراعي التركي. كانت مسؤوليتها الوطنية تقتضي فتح حوار مع الحزب المذكور، وهذا لا يعني التسليم بمطالبه وتصوراته، والعمل على تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف معه، والسعي لتضييق شقة الاختلاف أو على الأقل عدم الركون إلى العداوة والقطيعة. كما كانت تقتضي وضع حدود لتدخلات الدول الراعية والداعمة عبر محدد قائم على أولوية مصلحة الثورة ودعوة الدول الراعية لتقديم الدعم بدلالة هذا المحدد. طبعا سيكون لموقف المعارضة من الهجوم التركي على عفرين انعكاسات وتبعات لجهة تعميق الشرخ بين العرب والكرد، لان الشرخ موجود ولم ينجح الطرفان في جسر الهوة وبلسمة الجراح في إطار وطنية سورية جامعة مرتكز على اعتراف متبادل بالتمايز وتكريس الحقوق المترتبة على ذلك في عقد اجتماعي.
*ثمانية جنيفات، ومؤتمرات بمسميات متعددة، لماذا يُستعصَى المشكل السوري على المجتمع الدولي؟
أعتقد أن ما تسميّه استعصاء سببه المجتمع الدولي بالذات. فقد تحوّل الملف السوري إلى ورقة للمساومة والابتزاز بين قوى إقليمية ودولية عجزت إلى الآن عن الاتفاق على قاسم مشترك يوازن بين مصالحها ومصالح المعارضة والنظام.
*هل يمكن أن يكون مؤتمر سوتشي الروسي بديلاً عن مؤتمر جنيف الأممي؟
لم ينجح مؤتمر سوتشي كي يصبح بديلا لمؤتمر جنيف، فقد اضطرت روسيا، التي أصرت على عقده لاعتبارات داخلية: إظهار “انتصارها” في سوريا خدمة لبوتين في حملته الانتخابية ورغبته بفوز كبير، إلى تقديم تنازلات للمعارضة (في صياغة البيان الختامي) وللأمم المتحدة (عقده لمرة واحدة، إدخال بنود دي ميستورا الـ 12 في البيان الختامي، إحالة تشكيل اللجنة الدستورية إلى دي ميستورا ليشكّلها ويحدّدَ برنامجَ عملها).
*لماذا لم يتدخل الأتراك في سوريا إلا مؤخراً جداً، وذهبت الخطوط الحمر الاردوغانية في حماة وحلب وغيرهما في مهب الريح؟
ارتبط تدخل الأتراك في سوريا بعاملين أول الموقف الأميركي الجديد في سوريا: الإعلان عن بقاء القوات الأميركية لفترة زمنية مفتوحة، وتشكيل حرس حدود من 30 ألف عنصر من “قوات سورية الديمقراطية” ونشرهم على الحدود السورية التركية العراقية، وثانياً: حاجة أردوغان لرفع رصيده الشعبي بعد حملات الاعتقال والطرد من الوظائف التي طالت الآلاف بعد الانقلاب الفاشل.
*هل ترى أن هناك موضوعة إعادة تدوير للنظام وبإرادة دولية خصوصا الولايات المتحدة وروسيا؟
لا أرى الوضع على هذا النحو، لقد غدا بقاء النظام مؤشرا على من الذي انتصر في الصراع على سوريا: روسيا وإيران في حال بقي النظام، والغرب والمعارضة في حال رحيله. اعتقد أن هناك مساومات وجس نبض وبالونات اختبار كثيرة تطلق، لكن في النهاية هناك سعي حثيث من الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق وحماية مصالحها، وليس بعيدا الاتفاق على حل وسط مثل الذي جاء في اللاورقة بتغيير طبيعة النظام وتحويله إلى نظام وسط بين الرئاسي والبرلماني بنزع جزء كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية وتوزيعها بين رئيس الوزراء والوزراء وبرلمان بغرفتين يمنح صلاحيات كبيرة للمجالس المحلية.
*الائتلاف السوري بارك في بيان رسمي التدخل التركي في عفرين، ورأى أن لتركيا الحق في ملاحقة “الإرهابيين” الكرد، بينما المجلس الكردي عضو “أساسي” في الائتلاف، لماذا التدخل الروسي احتلال، والتركي تحرير؟!
هذا نابع من اعتبار روسيا حليفاً للنظام، وساعدته في ترجيح كفته العسكرية، واعتبار تركيا حليفاً للمعارضة، وتدعمها سياسياً وعسكرياً، أولاً، وثانياً من اعتبار مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي مدخلا للانفصال.
*نشرت مقالاً قبل أيام بعنوان” عفرين وتهافت الاعتبارات التركية” هل تتوقع أن تنجح العملية العسكرية التركية كما قلت في المقال؟ وإذا نجحت هل يمكن لتركيا أن تهاجم كوباني والحسكة أيضاً؟
قلت “قد تنجح”، المهم، واضح أن تركيا قد حشدت قوات وعتادا ضخما، وأن أردوغان قد رهن سمعته ومستقبله السياسي بهذه العملية. وهذا دفعه إلى إجراء مقايضة على حساب الثورة والدم السوري بغضِّ النظر عن هجوم إيران والنظام على محافظة ادلب والغوطة الشرقية رغم شمولهما بخفض التصعيد في استانة7. لكن مهاجمة كوباني والحسكة لها حسابات مختلفة وأمامها عقبات كبيرة أولها التواجد الأميركي وإعلان البنتاغون بسط حمايته على منطقة شرق الفرات، وثانيها حجم القوات المدافعة والأسلحة المتوفرة، وثالثتها الحاضنة الشعبية الكبيرة للمدافعين عن المنطقة.
*كوردستان العدد 578