مطرقة التشبيح ..

روني علي
ربما كان الخلاف الحزبي الكوردي والاختلاف في الرؤى والتوجهات السياسية وكذلك التباين في المواقف مفهوما، وقد يكون “طبيعيا” في بعض جوانبه، فيما لو أخذنا بعين الاعتبار تموضع القضية الكوردية ضمن مسارات الحل الشامل لمجمل ملفات الشرق الأوسط -شرقنا- العالقة واعتبار هذه القضية كإحدى أوراق الضغط أو المراوغة على طاولة المصالح، ومحاولة كل طرف ذا مصلحة استمالة جهة كوردية إلى حاضنة مشاريعها، سواء من جانب الأنظمة الإقليمية – في مواجهاتها البينية – أو من جانب مراكز القرار الدولية في محاولاتها لترسيخ أجنداتها بحسب مقاسات، لن تخرج في خطوطها العريضة عما كان مرسوما كإحدى تجليات الحربين العالميتين الأولى والثانية، فضلا عن أن الحرب الباردة وبكل ما أنتجتها وأفرزتها لم تعدل من حيث الجوهر في تلك المقاسات التي تمس القضية الكوردية ومستقبل الشعب الكوردي.
وربما كان مفهوما التناحر الحزبي الكوردي كإحدى انعكاسات هذه “اللوحة” السياسية المفروضة على مسارات “الفعل الحزبي” وما أنتجه في سياقات الأداء من موبقات طالت الإنسان البسيط في توازنه واتزانه واستقراره وكذلك الكادر الحزبي في سلوكياته وأدائه، هذا الأداء الذي جلب الكثير من الويلات على استحقاقات القضية الكوردية من جهة وعمق إحساس الكوردي بالهزيمة من جهة أخرى، خاصة وأنه قد تمرغ بدم الشقيق حينا وشكل إحدى أدوات الطغيان وكم الأفواه وتصييد المختلف أحيانا.
واستنادا على ما ذكر .. يمكننا تفهم المواقف الرافضة للسياسات التي تنتهجها منظومة حزب العمال الكوردستاني وأفرعها، وخاصة ما جرى ويجري منها في غرب كوردستان بحق المختلف مع سياساتها من أطر ومستقلين واعتمادها على الملاحقة و”ظاهرة” الاعتقال كلغة وحيدة في التعاطي مع تداعيات الأزمة السورية من جهة والشكل المتبع في إدارة أزمة التمسك بالسلطة من جهة أخرى .. ولكن .
لكن ما يستدعي التوقف عنده وعليه هو “انزلاق” “المناضل” الكوردي ” وكذلك “الثائر” السوري مدعي الحرية والتحرر” إلى متاهات “الثأر السياسي” والتشبيح – ضمنا أو علنا – للعدوان التركي الذي يحصد البشر والحجر في عفرين التي تشكل جزءا من جغرافية غرب كوردستان وجزءا من “الوطن” السوري بحسب مقدسات “الثائر” والتي ينبغي أن تكون مهمة الحفاظ على أمنها واستقرارها والدفاع عنها من أولى أولويات هولاء الدعاة. هذا التشبيح الذي لم يحاول الاستفادة من دروس “الموت السوري” على مقصلة أجندات التشبيح والتي كانت من إحدى إفرازتها وبقوة الضخ تحويل مثل هكذا -مناضل- إلى عالة على طاولات  الارتزاق وتاليا إلى بوق يصدح بما تملي عليه الغرف المظلمة من جهة وحجر رحى ينهش بالقيم النضالية من جهة أخرى. وكذلك تحويل الثائر إما إلى نعش تنهشه الابتهالات أو مسخ يتحول بين الجلباب والبزة العسكرية. وفضلا عن كل هذا وذاك تائها في أزقة اللعبة السياسية التي أفقدته توازنه السياسي/المعرفي ليكون عاجزا عن قراءة القضايا التي يدعي النضال من أجلها على طاولة الفرز بين ما هو مبدئي  وما هو مصلحي، رضوخا لما هو مفروض عليه كأمر واقع يشكل هو نفسه جزءا من أسباب هذا الأمر .. وفي كل ذلك لا يكف عن تصنيف خصومه بالتشبيح.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…