المسؤولية عن مقتل الكُرد؛ وعن الدمار في عفرين

حسين جلبي
يتساوى حزب العمال الكُردستاني مع الجيش التركي في المسؤولية عن كل نقطة دم كُردية تراق في عفرين، وعن الدمار اللاحق ببيوت المواطنين وممتلكاتهم في المدينة وريفها، مثلما تساوى الحزب من قبل مع تنظيم داعش؛ في المسؤولية عن القتل والدمار اللذين حصلا في كوباني، لا بل أن مسؤولية الحزب عن المقتلة التي يتعرض لها الكُرد سابقة على مسؤولية الأتراك ومن قبلهم الدواعش، وتفوق مسؤولية هؤلاء وغيرهم مجتمعين، فقد تزامن دخول كُرد سوريا في نفق معتم مع ظهور الحزب في البلاد، ليستمر منذ ذلك التاريخ الأسود النزيف الكُردي المتصاعد؛ حتى وصل الحال إلى المغامرة بأرواح الكُرد ومناطقهم في معارك خاسرة، ليصبح مصير الوجود الكُردي في سوريا بالنتيجة على المحك.
والحال الذي لا يختلف عليه إثنان؛ هو أن الأتراك أعداءٌ للمشروع القومي الكُردي في كل مكان، كما إن دخولهم إلى عفرين لم يكن لمحاربة حزب العمال الكُردستاني أساساً، إلا أن الأمر المؤكد أيضاً؛ هو أنه لولا هذا الحزب الإشكالي لما وجدت تركيا حجة للهجوم على عفرين، وإلا كانت ستهاجم إقليم كُردستان قبل ذلك؛ بعد أن ذهب بعيداً في سعيه للإستقلال عن العراق، ولم تكن لتكتفي بالتصعيد الإعلامي ضده. فاالعمال الكُردستاني يتحرش بالأتراك ويستفزهم منذ اليوم الأول للثورة السورية، وقد دعاهم مراراً وتكراراً إلى المنازلة، ساخراً من ضعفهم وقلة حيلتهم وعجزهم عن المواجهة، إلى أن نجح أخيراً في أن يكون السبب المباشر في تحول عفرين إلى ساحة صراع دموي بينه وبين الأتراك، مثلما هو شأنه بالنسبة للمناطق الحدودية لإقليم كُردستان مع تركيا، حيث تستغل الأخيرة وجوده هناك لقصفها، بعد أن تخلى عن ساحته داخل تركيا، وإعتبرها أراضي تركية.
والحقيقة هي أنه ليس لحزب العمال الكُردستاني قضية حقيقية تستدعي حمل السلاح؛ وتدفعه إلى فتح جبهات وخوض معارك في مناطق مختلفة، وتجنيد آلاف الشابات والشبان الكُرد والتضحية بأرواحهم من أجلها، فالحزب يعادي القومية الكُردية كما يؤكد دائماً، ولا يهدف كما يصرح زعمائه إلى تحقيق أي شكل من أشكال الحقوق للكُرد، بوصفهم شعب له خصوصيته. وإذا كان الهم الوحيد الذي يحمله الحزب هي حرية زعيمه أوجلان كما يزعم، فإن معاركه كانت بعيدة دوماً عن تحقيق مثل هذا الهدف، فهو لم يخض إشتباك مسلح واحد في تركيا من أجل تحرير زعيمه المحتجز في أحد سجونها، لا بل لم يقم يوماً بتنظيم حتى تجمع إحتجاجي صغير هناك؛ للمطالبة بإطلاق سراح ذلك الزعيم الذي إنقلب على نفسه وغير جلده، مكتفياً من أجل ذلك بنشاطات إستعراضية غير مكلفة في مناطق بعيدة. وبذلك يمكن إعتبار معركة عفرين الحالية حصاداً مراً لكلام فارغ زرعه؛ ومجرد ورطة غير محسوبة العواقب أكثر من كونها قضية، شأنها في ذلك شأن كل المغامرات التي خاضها، مدفوعاً بأوامر تصدر له من هذه الجهة أو تلك.
الأمر الذي يؤكد ذلك، هو تخلي حزب العمال الكُردستاني بسهولة، و في لحظة واحدة عن شعار تحرير وتوحيد كُردستان، وهو الشعار الذي ضحى بدماء كُردية غزيرة ـ سورية خاصةً ـ بداعي العمل على تحقيقه، وهاهو اليوم يستجدي نظام الأسد؛ وبالسهولة ذاتها للدخول إلى عفرين، بعد أن كانت أبواقه تطبل وتزمر طوال السنوات الماضية لـ”كانتون عفرين”؛ الذي حرره الحزب ـ كما زعم ـ من النظام نفسه، حتى أن المرء ليتسائل عما إذا كانت هناك قدسية لأي شئ في قاموس الحزب، وعما إذا كان لديه أي شئ بمنأى عن الإتجار به، كما يدفع ذلك المرء إلى التساؤل عن مصير “كانتونيه الباقيين”، اللذين دفعت مغامراته إلى تدمير أحدهما وتهجير سكانه، في حين يمسك النظام بعصب الآخر ويتواجد فيه بقوة، حيث يقتصر دوره على حراسة الأطراف والثروات لمصلحة النظام، إضافة إلى ذلك يتسائل المرء عن مصير “سلطته” فيهما؛ فيما إذا لوح الأتراك يوماً بتوسيع نطاق عملياتهم العسكرية بحيث تشملها؟
لقد إستمر حزب العمال الكُردستاني في التصعيد ضد تركيا منذ عودته إلى سوريا، حتى بعد نجاحه في إشغال الكُرد السوريين عن نظام الأسد، هذا رغم أن معاداة تركيا لم تكن مصلحة كُردية سورية مباشرة، والمعركة معها خاسرة بكل المقاييس كما وضح مؤخراً. إن المعركة الحالية في عفرين مصيرية بالنسبة لطرفيها، وكذلك للمدنيين الكُرد وممتلكاتهم، فتركيا لا تملك سوى المضي في المعركة حتى النهاية التي أعلنت عنها، خاصة بعد أن حشدت لها داخلياً على جميع المستويات، وأمنت لها ظروفاً إقليمية ودولية بصورة يصعب تكرارها، والمعركة بالنسبة لحزب العمال الكُردستاني معركة وجود؛ إذ أن خسارته لها تعني فقدان مبرر وجوده في سوريا، ولعل نظام الأسد، الذي يرى فيه الحزب أملاً وحيداً للنجاة من الهزيمة؛ هو أحد الذين يعملون على إلحاق تلك الهزيمة به، رغم ما يقال عن “مساعدات إنسانية” يتلقاها الحزب منه حسب تصريحات مسؤوليه، إلا أنه لا يستبعد رغم ذلك أن يترك الحزب عفرين لمصيرها، وليس أكثر من الفتاوى التي يمكنه تأليفها، والتي ستجد من الإنصار من سيقوم بتسويقها.
لقد إنكشفت حقيقة حزب العمال الكُردستاني والضعف الذي يعانيه؛ حيث وصل به الأمر إلى درجة طلب الحماية من نظام الأسد؛ ودعوته علناً لدخول عفرين والقيام بواجباته السيادية عليها، ضارباً بذلك رواية تحرير المنطقة من النظام؛ وإدارته لها عرض الحائط. إضافة إلى ذلك، ظهر الحزب عاجزاً عن حماية الكُرد وممتلكاتهم؛ رغم أنه لا زال يستأسد عليهم حتى اللحظة، حيث يتساقط العشرات من الكُرد يومياً، وتقضم تركيا وحلفائها قرى ومناطق عفرين الواحدة تلو الأُخرى؛ دون أن يستطيع أن يفعل شيئاً مقابل ذلك. أما ثالثة الأثافي فهي فشله الذريع في العثور على حليف واحد يقف معه، رغم الخدمات التي قدمها لمن طلبها ولم يطلبها. من كل ذلك، يصل المرء إلى نتيجة مفادها؛ أن هناك من أوقع بحزب العمال الكُردستاني في فخٍ محكم للتخلص منه؛ جرى نصبه له منذ اليوم الأول لدعوته إلى سوريا، كل ذلك بعد أن أدى ـ مثل تنظيم داعش ـ دوره الوظيفي، إلا أن ثمن ذلك سيكون باهظاً، مثلما كان صعوده في المنطقة؛ على حساب دموع الكُرد ودمائهم، وفوق ذلك مصيرهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…