رسالة جوابية «صوتية» من أم سورية لاجئة في تركيا إلى ابنها «المقاتل» في «الجيش الحر»

 ابراهيم محمود
قرَّة عيني، وفلذَّة كبدي
قلبي عليك، وعلى ما أنت فيه. إن كل ما أسمعتنا إياه صحيح، ولا ندري أنخاف عليك من أنفسنا وما أصبحنا عليه، أم نخاف على أنفسنا منك وما أنت فيه؟ فمنذ أن أصبحت في حدود عفرين، ولا يغمَض لنا جفن، ولا سكينة لروحنا، ولقد نبّهتنا رسالتك الصوتية إلى أمور كانت تحصل لم نكن نعلَم بحقيقتها: الحركة غير المعتادة لوجوه مختلفة وهي تذرع شارعنا جيئة وذهاباً، والشعور بوجوه أخرى، وحتى أعين تركّز على بيتنا: عندما نفتح الباب الخارجي، أو نغلقه، من يأتي لزيارتنا، ومن نودّعه، وهم أهلنا من البلد: مشرَّدون ولاجئون ومنفيون، ولا بد أن هذه الحركة الزائدة قوية الصلة بذهابكم إلى هناك، وأصوات تتناهى إلى مسامعنا في الليل.
لن أتحدث لك يا ” ضناي ” عن كل شيء، خوفاً عليك وعلينا، على أخواتك الصبايا، وأخوتك الصغار وهم يتعلمون في مدارسهم، لا بد أنهم يعلمون بكل شيء، ولهذا زادوا من مراقبتهم لنا، ولكل بيت حاله مثل حالنا.
أشير فقط، إلى بعض مما هو شبيه عندكم، لقد بدنا نخشى الاختلاط، أصبحنا أكثر كتماناً على أمورنا الخاصة، خوفاً من أن تتسرب معلومة إلى الخارج عما يجري، إلى درجة شعورنا الذي أظنه صادقاً، أن هناك من يحاول تسقُّط الأخبار: أي خبر عما هو جديد: ما أخبار” المجاهدين : مجاهديكم “؟ كيف هو حال ابنكم؟ هل يراسلكم؟ ماذا يقول؟ أين هو الآن؟ ماذا تعرفون عنه؟ كيف حال أخوته ” المجاهدين “؟ ماذا يقول عن أولئك ” الكفرة: الأكراد “؟ كيف هي معنوياتهم؟…وأسئلة كثيرة أخرى، ومتلاحقة، هناك شعور بمسدسين ومدسوسات بيننا، فنحاول التحدث في أمور عامة، ونقول بما يسكتهم: الأمور بخير، لا بد أنهم منتصرون. عدا عن ذلك، ينتابنا خوف كبير من تحركاتهم الزائدة، وثمة وجوه نسائية تحاول التقرُّب منا، وتتكلم بلغتنا، لا بل مثلنا” بلهجتنا “، ولا نشك للحظة واحدة أن كل سؤال إنما هو لجس نبضنا، وما يكون خفياً، ويراد معرفته. يا لهؤلاء الملاعين، كيف نالوا منا هكذا؟
الوضع متوتر، والنفوس مشحونة بالترقب والحذر، والأخبار لا تطمئن، وهم يكثفون في اتصالاتهم بنا، في دعوتنا إلى اجتماعات مغلقة معنا، نحن المقيمين في هذه المدينة: يضعون خرائط أمامنا، ويشيرون إلى أسماء، وتتكرر كلمة ” الإرهابيين ” دون تحديد، ويقصدون بهم الأكراد هناك، بأنهم أعداؤنا جميعاً، ويجب أن نتوحد ضدهم، ويخبرِوننا بما هو أخطر من ذلك، وهم يضخّمون في الحديث عنهم، ولزوم التخلص منهم بأي طريقة، حتى يتحقق الأمان ويمكننا الرجوع سالمين إلى ديارنا، وليس هناك حديث آخر غير هذا الهجوم الذي خطَّطوا له.
إنهم يدعوننا إلى الاجتماع كل ثلاثة أيام، ويحذّروننا من وجود من يريدون الإساءة إلينا وقضيتنا، كما يردّدون هكذا، ويشدّدون في كل اجتماع بلزوم الحذر واليقظة، ووجوب إعلامهم بأي حركة يشتبهون فيهم بدعوى أنها لمصلحتنا، ليزيدوا حتى في شكنا في بعضنا بعضاً، إنما وهم يزيدون في مخاوفنا أكثر فأكثر بتحذيراتهم هذه، وفي كل اجتماع تغيب وجوه !
قبل أيام غابت عن حينا عائلة مهاجرة ولاجئة مثلنا، وليس لها أثر حتى الآن، وليس في مقدورنا مجرد طرح أي سؤال عنها، إنها أم وصبية صغار، وأب عاجز عن الحركة، لا بد أن الموضوع له صلة بما يجري، فابنها أيضاً مثلك مشارك في الهجوم، ولا علم لدينا حوله، ربما انشق أو اختفى، أو سلَّم نفسه، وأرادوا الانتقام من عائلته بطرقهم الخاصة.
كن حذراً يا روح أمَّك، فنحن هنا في قبضتهم..وامحُ هذا الصوت فور سماعك له، ولا تراسلنا بعد الآن، أسلم لك ولنا !
أمك الداعية لك بالخلاص من الحالة التي أنت فيها .
10-2/2018 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…