الباشبكان أردوغان وأوهام السلطان

قهرمان مرعان آغا 
أصبح أردوغان يقضي معظم وقته , لصيقاً بالميكروفون وأمام عدسات الكاميرات يخاطب مناصريه , يكرر ثوابت أسلافه , دولة واحدة وشعب واحد وعلم واحد (تك) , ليس في تركيا فحسب في في معظم الدول التي تقتسم كوردستان , ظناً منه , بأنه سيوقف حركة التاريخ وسنة الكون في التغيير والتبدُّل , وهو في آخر ظهور له في إحدى القاعات ومن خلفه لوحة جدارية كبيرة يضم صورته الشخصية مع صورة كمال اتاتورك وبجانبهما شعار حزبه ( العدالة والتنمية ) والعلم التركي الملوث بالدم , بعد أن أضاف أتاتورك نجمته إلى وسط الهلال , لهذا فإن التوافق والتحالف الذي يسود المشهد السياسي التركي بين العدالة والتنمية والحركة القومية الفاشية تنتعش بأسوء أشكالها في الوسط الإجتماعي التقليدي والمحافظ بين الأتراك , بل يتعداها إلى الوسط الإجتماعي الكوردي , سواء في كوردستان أو الأناضول و في بيئة من الاحتقان السياسي والأمني بعد الإنقلاب العسكري الفاشل 
حيث يتم الدفع بالتوجيه الإعلامي الرسمي عن طريق مفتي الديار بما يلامس ليس فقط مشاعر الناس , بل يتعداها إلى العقيدة الدينية من خلال الإستعانة بآيات { القرآن الكريم }, كما فعلها قبله صدام حسين والخميني في حروبهما العبثية البينية أو في مواجهة الشعب الكوردي , في مسعىً منه لتكفير الآخر الذي بدوره لا يتوانى عن تأكيد مثل هذه التُهم بنفسه , سواء فيما يتعلق بفلسفته أو شعاراته أو سلوكه , وهو مستفرد بقرارالحرب والسلم في شمال كوردستان بل في غربه ويعمل دون هواده على منع الحياة السياسية خارج منظومته السياسية ( الفكرية والعسكرية ) والتضحية بكل مقومات الشعب الكوردي في الوجود لصالح مشروعه الحزبي .
في قراءة لمشهد صورة أردوغان وأتاتورك , ستكون الصورتان مترافقتان في الوقت الحالي وسيزداد ظهورهما معاً في الكثير من الأماكن , لزوم التجييش والصراع والحرب ولإعتبارات منها : كونها لشخص يعتبر مؤسس تركيا العلمانية والحديثة ولو بالشكل والمظهر وقد مضى العمرالافتراضي بالنسبة لذكراه بين مناصريه  والحقبة التاريخية التي عاشها والتي بلغت قرناً كاملاً , سواء في حياته أو بعد مماته , كرمز محنَّط , يتدلى صورته  كوسام على الصدور أو في البيوت وفي المؤسسات والرسمية والميادين العامة , لكن تلك الهيبة الوهمية لم تحجب مأساة جرائمه وعنصريته وغدره في ذاكرة الكورد , حتى غدا الآن يزاحمه صورة اردوغان وشخصه الصاعد في سلم الدكتاتورية وسلطة الفرد , بعد ان تخلَّص من أولياء نعمته الذين أوصلوه مما هو عليه وكذلك من معارضي شخصه وسياساته , سواء داخل حزبه او خارجه ’ وقد يأتي وقت ليس ببعيد , يحدث فك الارتباط والطلاسم بين هؤلاء  , ويخلى المشهد العام لصورة اروغان في كل الميادين والساحات ,  فيما ينزاح صورة أتاتورك بالسقوط إلى الأقبية المظلمة (كش سلطان) .
من سمات الدكتاتورية التي طَغَتْ على الصورة النمطية لشكل الحُكم في تركيا فيما يتعلق  بـ منصب رئيس الجمهورية ورحلة أردوغان بالتناوب بينه وبين رئاسة الوزراء في فترتي الرئيس السابق الهادئ عبدالله كول , تعكس تهافته على مسك كل السلطات في يديه بعد خلافه مع رئيس الوزراء السابق أحمد داوود اوغلو وهكذا أصبحت كل السلطات ممسوكة من قبله بما فيه البرلمان , بعد أن أصدر القضاء أحكاماً كيدية على أعضائه من حزب الشعوب الديمقراطية وبهذا تمكن من إلغاء حيادية السلطة القضائية بالنسبة لعموم شعوب تركيا والتي لم تكن يوما حيادية تجاه الشعب الكوردي ومناضليه  ولذلك يحاول جمع السلطات في جعبته , دون منازع لشخصه , فأصبح الرئيس على عرش أتاتورك و الحالم بفتوحات السلطان محمد (الفاتح )  , ينقل أخبار المعارك في عفرين البطلة , بتفاصيل إدعاءات قادة جيشه بالاستيلاء على تلّة أو جبل بعد أسبوعين من اجتياح  غرب كوردستان وهو منتش بهذا الانتصار من خلال قصف الطيران والصواريخ والمدفعية الثقيلة على أهلنا الآمنين في عفرين  .
باتت مقايضات أردوغان مع الروس والإيرانيين منذ سقوط حلب واستخدامه للمجموعات المسلحة من المعارضة تكشف حقيقة دعمه المباشر لداعش وجبهة النصرة التي أصبحت تدفع الثمن الآن في مواجهة قوات النظام وأعوانه في شرق أدلب  , فيما أصبح يساوم على القضية السورية من خلال جولات أستانة ومؤتمر سوتشي بالتآمر مع روسيا ومن خلفها إيران ونظام الأسد , وأصبح يزرف الدموع على إخوته العرب في منبج وهم يمارسون حكمهم المحلي في سلام ووئام في حماية القوات الأمريكية بحجة قطع أوصال كوردستان في غرب نهر الفرات وصولاً إلى عفرين .
 لهذا فإن معظم المعطيات الداخلية والتحركات الخارجية للدولة التركية في ظل حكم اردوغان المطلق تفيد بأنه متجه لا محالة إلى تغيير النظام البرلماني السائد في تركيا إلى النظام الرئاسي كامل الصلاحيات حتى  يمارس سلطته الفردية دستورياً .  وينعم بالجلوس على كرسي السلطان , و حوله جموع من التنابل والفرسان  .
دويتش لاند في 29/1/2018     

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…