المنطقة، سوريا، وسياسة القضمات

 ابراهيم محمود
باتت ” القضمات ” أو ” القضمة ” من بين أكثر المصطلحات تداولاً، أو بوصفها مصطلحاً مستحدثاً، في نطاق العاملين في الشأن السياسي وكتّاب أعمدة السياسة ومحللي الأخبار، وتحديداً في المنطقة الشرق أوسطية، وفي سوريا خصوصاً.
” القضمة ” نزع جزء من أي جسم مهضوم : كعكة، أو  جسم حي، وهي في أساسها تحيل على القاضم: من يكون، أين يكون، ونوع قضمته، وفي أي جسم، وتأريخ الزمان والمكان، والجغرافيا  السياسية مدرَجة في مضمار القضمة بصورة لافتة، وما يمكن أن يلحق بها على الصعيد البشري: الكردي كنموذج صارخ بالمقابل .
بعيداً عن التنظير السياسي، لا أظن أن أي متابع لما يجري في المنطقة، وفي سوريا بالذات، لا يعرف الكم الهائل من القوى الدولية والإقليمية والمحلية التي تعيش تنافساً قضماتياً: أميركية، روسية، قبل كل شيء، ثم إيرانية وتركية، وبعد ذلك سعودية وقطرية، وتالياً القوى المتشكلة في سوريا، ومنها الكردية داخلاً وخارجاً.
إننا نتحدث هنا عن فكوك مفترسة، وأنياب سامة بالمقابل، بحيث يمكننا الإشارة إلى أي شيء، إلا أن تكون سوريا كما كانت قبل الأزمة، وإن سُمّيت فمن باب معرفة تمزقاتها، وكيف تقضَم.
علينا أن ننوّه إلى أن القضمة تترجم سلوكاً سياسياً واستذئابياً، أو تمساحياً، أو ضبعوياً، وكيف أن الجغرافيا نفسها في حالات الصراع تتخذ شكل الكعكة أو الجسم الحي: السمين أو النحيف، الضخم أو الضئيل حجماً، الشهي أو المر، تبعاً لموقعه والطرف الذي يتفاعل معه .
آمل أن يسترسل قارىء المقال، في خيالاته، وهو يتصور أي قضمات تكون في الغوطة الشرقية والغربية، وما يقابلها في حماة وريف حلب، وفي ادلب، ومن ثم منطقة الجزيرة، إنما نوعية الصراعات القضماتية الآن في محيط عفرين بالذات وأبعد، وتحت أي حساب، وأي هيئة .
من جهتي لا أخفي أن الكرد في مجملهم، رغم مقاومة أطراف منهم، يحسَبون على الجسم المقضوم والمهضوم، بتعبير آخر: اللحم الكردي شهي إلى أبعد الحدود، لأنه مجرَّب تاريخياً، ويشكّل ماركة/ لوغو/ إيقونة عالمية في المتروبولات الكبرى، وثمة أوصاف، في وسع المعنيين بالموضوع النظر فيها من خلال الذين كتبوا عن الكرد: رجالهم ونساءهم، وفي أعمار مختلفة. إنه لحم طازج، ويثير الشهية مع الزمن، لأنه لا يلقى ردعاً كما يجب من أطراف تعتبر ” أكل لحم الكردي ” من المحرمات “، أو مما يسقِط وضوءَ الناهش والطاحش والفاحش والناكش والهارش والمقرمش طبعاً، وهو ما يسهل التعرُّف إليه من قبل متقاسمي الكرد وبلادهم، ولكم كان الكرد في تاريخهم الطويل في نطاق ” المباح” لحمهم، والمباح هتك أعراضهم، والمباح سفك دمائهم على مدار الساعة، وهو ما نجد نظائر له هنا وهناك، كما الحال في عفرين ومحيطها، إذ إن الإدمان على قضم اللحم الكردي، يمكن اعتباره من فولكلوريات أنظمة المنطقة، إنما أيضاً من محفّزات ” القوى العظمى ” ذوات القضمات المريعة، كما هو حال كل من روسيا ” اللابيضاء ” ومن يمثّلون البيت ” اللاأبيض “، حيث إن ” غدد ” السياسة ” اللعابية بالنسبة لأولي أمر الفكوك الكبيرة، والمخالب المقوسة والنافذ عند اللزوم، ذات صيت، وهي متمرسة في إعداد اللحم الكردي للقضم، ولكل موقع من جسمه ثمنه، وأهميته، ورمزه.
والمفارقات الكبرى، إن كرداً يعدّون أنفسهم في مصاف أصحاب القضمات وعلى الملأ يعلنونها، رغم أنهم مرئيون وكيف يقضمون، أو يشكلون في مقام ” البهارات ” التي تزيد في انتشار رائحة اللحم الكردي والإقبال على قضمه، وإشهار مذاقه ونوعيته، لأنه لحم مجرَّب،ولا يفقد صلاحية قضمه حتى بعظمه وجلده وشعره، فكله مفيد، ويتضمن ” فيتنامات ” لتقوية أعداء الكرد فيما بينهم، وتعميق ” افتراسهم “، والتذكير بأن ثمة لحماً من نوع خاص، ويمكن قضمه في أي جانب منه، والذي يسهّل عملية هذا القضم المستمر، هو إدمان الكرد أنفسهم على قضم بعضهم بعضهم، حتى لو جاء هذا القضم على ” أ….- خ …  ” بعضهم بعضاً…لتصبح الجغرافيا البشرية في المنطقة وفي سوريا، جغرافية اللحم الكردية أكثر عرضاً ومعروضية في بازار الرغبات العالمية، الإقليمية والمحلية المفتوح على مدارالساحة، ودونما حساب ؟
هل خرجت عن الموضوع ؟ 
دهوك- في 28-1/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…