« عفرين » شيفرة الدخول الأولى الى تركيا؟؟!!

المحامي محمود عمر
تركيا ـ وبناءا على معطيات مراكز الدراسات فيها ومعلوماتها الاستخباراتية ـ تدرك تماما بأنه وما إن تتوافق المصالح و يلوح في الأفق بوادر لحل الأزمة السورية فإن الدور التالي سيكون عليها وان كان ذلك على نار هادئة ـ وان أسهل الطرق للولوج للداخل التركي يمر من بوابة المارد الكردي الذي رغم ما يعانيه من حالة مظلومية وحرمان من أبسط الحقوق الا انه ومع ذلك يشكل على الدوام هوسا وخوفا تركيا ليس له حدود ومن أراد ان يتعرف إلى حجم هذا التخوف التركي فلينظر فقط إلى ذاك السياج الإسمنتي الذي تبنيه تركيا منذ عدة سنين على طول حدودها مع الكرد.
تركيا تعلم تمام بأن رأسها هو المطلوب وان ما يبثه الغرب عموما وأمريكا على وجه التحديد إعلاميا حول خطورة المشروع الإيراني هو فقط لذر الرماد في العيون، فايران لا تشكل خطرا حقيقيا على مصالح الغرب في المنطقة بل بالعكس من ذلك فالوجود الإيراني مطلوب بحجم ودور معين خدمة لهذه المصالح ، وتدرك تركيا جليا بأن عقلية حكومتها الإسلاموية في العمق أصبحت محل قلق للجميع، وتدرك أيضا بأنها قد فقدت ذلك الدور الذي كانت تلعبه إبان الحرب الباردة وان الغرب قد سئم ابتزازها في تلك المرحلة ،فانتقل إلى الحوار المباشر مع الإيرانيين والروس لحسم خلافاتها معهم بعيدا عن الابتزاز التركي .
تركيا أصبحت بحق دولة دون حلفاء حقيقيين أو فلنقل دولة دون أصدقاء استراتيجيين وبخلاف ذلك ما هو استراتيجي تركيا هو الصراع مع الكل فصراعها التاريخي الطويل الأمد مع الروس والإيرانيين لن يحسمه اللعب معهما على الحلبة السورية لبعض الوقت وعلاقاتها مع سوريا والعراق لم تشهد استقرارا يوما ما بل كان يغلب عليه على الدوام التوتر وفقدان الثقة واثارة القلاقل للطرفين واليوم أصبح المشروع التركي التوسعي أصبح قلق حتى لمعظم الدول العربية، ولن ينسى الغرب عموما أن تركيا يوما ما قد امتطت صهوة الشعار الاسلاموي وبه فتحت أبوابها واكتسحت ساحاتها لردح من الزمن ،وتدرك أمريكا وإسرائيل أكثر من الجميع حجم وخطورة المشروع التوسعي التركي لذلك فهما ومنذ انتهاء الحرب الباردة تلعبان معها لعبة القط والفأر.
لذلك كله وفضلا عما تعانيه ـ إضافة للقضية الكردية ـ من ملفات وأزمات داخلية مقلقة تعلم تركيا جيدا بأنها في النهاية ستكون وحيدة في عين العاصفة التي لا بد أن تهب عليها عاجلا او آجلا وعليها أن تدفع فاتورة كل ما سبق ، لذلك ـ وعود على ذي بدأـ فمنذ بداية الأزمة السورية حاولت تركيا ـ وما تزال قدر الإمكان ـ إبعاد هذا الشبح عنها بإطالة أمد الأزمة وبقائها متعشعشة في جسد السوريين مهما كانت الأثمان، في البداية احتضنت معظم المعارضين والمنشقين وخاصة اؤلئك الذين يحملون الفكر الإخواني وكان لها الدور البارز في عسكرة الثورة السورية فقد قامت بفتح الحدود على مصراعيه لكل متطرفي العالم للدخول إلى المعمعة السورية وقامت بتأجيج الصراع المذهبي فيها غررت وما تزال بالكثير من السوريين عبر وعود معسولة وعدتهم بان مدنهم لن تدمر وأنها لن تسمح بتكرار حماة الثمانينات ولكن حماة تكررت حماة في معظم الحواضر السورية ودمرت أمام عينيها جل مدن السوريين وهي فقط متفرجة وتبني للسوريين المزيد من المخيمات تحقيقا لمآربها حتى تجندهم لاحقا في حروبها وتغرق بالباقي دول الغرب لابتزازها وابتزاز هيئات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ونهبها باسم اللاجئين السوريين، ولكن ذلك لم يكن آخر فصول لعبتها القذرة فما إن لاح بصيص أمل بان هناك توافقات دولية أولية حول المأساة السورية حتى تحججت من جديد بالملف الكردي التي أخفقت في اللعب فيه في كل من رأس العين وكوباني ومنبج وتل أبيض وغيرها ولم يبق أمامها سوى الاعتداء على (عفرين) هذه المدينة الهادئة الوادعة وكأن حال الأتراك يقول لا حل للأزمة دون أن يأتي الدمار على كل المدن والبلدات السورية وخاصة أن حجم حقدها لم يرتوي وهي تشاهد ما حققه الكرد من آمان نسبي في مناطقهم هذا الذي كان ضريبته المئات من الشهداء في وجه أعتى قوة بربرية في التاريخ المعاصر.
تدرك تركيا بأن بداية نهاية الأزمة السورية فهو يعني بداية الأزمة لديها لذلك تظل وعلى الدوام تخلط الأوراق وتضع الحجر أمام عجلات عربة الحل ولا ضير في أن يكون ذلك على حساب الدم والدمار السوري، المهم ان تظل بعيدة عن ذاك الذي ترتعد منه وتخشاه لذلك جاء عدوانها على عفرين كحلقة ضمن حلقات حروبها القذرة التي ما فتئت تشعله في الجسد السوري ،ولكنها في هذه المرة اغترت بقوتها وحجم آلتها العسكرية فغرور قادتها تصور المشهد وكأنهم في مجابهة حرب كونية لا في مجابهة مدينة صغيرة كانت مطمئنة لولا الجبروت التركي ولكنهم لن يمروا من عفرين بأمان فناسها لا يملكون سوى إرادتهم وحقوقهم المشروعة في وطنهم وهي لن تنتصر مهما تعجرف قادتها وتبجحوا بقوتهم هذا التعجرف النابع من هول خوفهم لما تحمله الأيام القادمة لهم.
تركيا لا تتعظ من تجاربها وبتعنتها سينقلب سحرها عليها وتكون الخاسر الأكبر في الأزمة السورية كما كانت الخاسر الأكبر في الأزمة العراقية ،وستكون (عفرين) بما تحمله من أغصان الزيتون أولى بوابات السلام للمأساة السورية ولكنها بذات الوقت ستكون أولى بوابات جهنم التي ستفتح على تركيا وكل الغزاة والطامعين .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…

خوشناف سليمان ديبو   يترقّب الشارع الكُردي انعقاد المؤتمر الكُردي المقرر في 18 أبريل/نيسان بمدينة قامشلو، وسط مشاعر متباينة تجمع بين الحذر والتطلع. ويأمل كثيرون أن يُشكل هذا الحدث محطة مفصلية تُنهي سنوات الانقسام والتشرذم، وأن يُمثل بارقة أمل لشعب طالما حلم بوحدة الصف وتوحيد الرؤية في مواجهة التحديات المتزايدة. أبرز تلك التحديات هو غياب وحدة الموقف داخل الحركة الكُردية…

اكرم حسين   تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم. لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل…