قلم مبري ومؤسسات ثقافية كوردية!

 شفان إبراهيم
تُرى ماذا يعني تضخم عدد كل هؤلاء: كتّاب, أقلام, صحف، ندوات، مجلات, مؤسسات ثقافية, اتحادات كتاب ومثقفين وشعراء. أضحى الفضاء الثقافي الكوردي يعج بكل ألوان الفن والثقافة والأدب والفكر, بغض النظر إن كان حامل تلك المصطلحات والمرادفات, حامِلٌ لمقتضيات المصطلح أم لا.
فهل يتم ترجمة كل تلك الصفات والمرادفات إلى أداء فاعل وتراكم معرفي وإنتاج سلوكي يُحسب في رصيد كل هؤلاء أم لا؟
وقبل محاولة الإجابة, لابد من القول: هل القضية الكوردية بتعقيداتها الإقليمية وتشبيكاتها الوطنية وطموحاتها القومية, هل هي بحاجة إلى كل هذا الكم الهائل من الشخصيات الساعية لحمل تلك المصطلحات والصفات أم لا؟
إن دمجنا السؤالين ربما نحصل على سؤال آخر, أين تكمن الأزمة الثقافية الكوردية المُعبرة عن تلك الحال؟
 فهل الكورد أمام أزمة ثقافية, أم أزمة مثقفين, أم هي أزمة إدارة حقيقية؟ ربما علينا دمج كل هذه الأسئلة لنصل إلى بيت القصيد, حيث السؤال الأكثر التباساً, هل قُلبت الصورة وبات المجتمع الكوردي حاملاً لكل هؤلاء المثقفون، لاكونهم حاملً جمعياً للهم الكوردي؟ أي بمعنى هل كل هؤلاء مثقفون حقاً أم أن الثقافة والوسط الثقافي الكوردي أصبح بمثابة قنطرة عبور للتائهين بحثاً عن مجد الذات الضائعة في مجتمعً لم تعد فيها مهمة المثقف الحقيقي تحظى بتلك الهالة من التقدير أو الأهمية عدا عن التأثير…
حينها تنقلب آية المثقف والثقافة الكوردية لتحل الانتهازية عوضاً عن المهمة الثقافية الملقاة على عاتق من أرتضى أن يَسبِقَ أسمه بإحدى مرادفات عائلة الثقافة من كاتب أو شاعر أو أديب أو….إلخ, ويتحول الحقل الثقافي إلى حقل مُخصص للانتهازيين والمتطفلين على الشأن الثقافي, تتحين تلك الفئة الفرصة المناسبة لاقتناص نصيبها من كعكة المغانم الثقافية, ويجعلون من الثقافة غلافاً جميلاً يتمكيجون به للبريستيج الشخصي, في مقابل الحفاظ على الأزمة الثقافية رهينة الاستغلال بأنواعه. إذ ينفرد الوسط الثقافي الكوردي عن غيره بأن الساعي وراء الحصول على عضوية أي منظمة ثقافية، إنما يحمل ألقاب شاعر، كاتب، أديب، مفكر، مسرحي، سيناريست، وسياسي بالفطرة!، وهي المادة المفقودة لدى غالبية المجتمعات الأخرى.
أي أصبحت للثقافة الكوردية جماعات من الحاذقين الماهرين، الواصلين بسرعة دون أي اكتساب للعلم ومران ملكة النقد والحكم، بل أصبحت شيء أخر تماماً، فقط يكفيه تقديم طلب أنتساب إلى أي تجمع بمدلول ثقافي بغض النظر إن كان أجوفاً أم لا.
 ناصية المثقفين الجدد في الوسط الكوردي إنهم يكسبون عيشهم بيدهم لا بعقلهم، وناصية حملة بعض المنتوجات المطبوعة إنهم يسبحون في أحلام اليقظة، دون أن يكون لكليهما أي دور مُمارس في الوسط المجتمعي الكوردي، ناهيكم عن نُدرة الإبداع والتجديد المعرفي والإعجاز اللغوي.
 مُثقف فذّ لكنه لا يشتغل بفكره في أي فرع من فروع المعرفة! ولا يحمل مقولات عصرية عن الإنسان والمجتمع والهُويات وغيرها؟ ولا يملك أي جرأة لأخذ موقف احتجاجا أو تنديداً إزاء ما تتعرض له الجماعات أو الأفراد من عسف وظلم وقهر.
المُحصلة البائسة من اقتحام تلك الفئة الشاذة والضالة على الوسط الثقافي, تتلخص في كيفية تحرير مصطلح المثقف والمثقفين, وتحديد معايير الكاتب والشاعر والأديب….إلخ خاصة وإن هذه الصفات أو المصطلحات أصبحت منتهكة جداً, وتحرير مفهوم المصطلح إنما هو كالأفاعيل والأفهوم الفلسفي المُتحرر, وليس إضفاء نوع من القداسة أو منعها على المشتغلين في حقل الثقافة والمعرفة أو المتابعين خارج دائرتهما, بالحجم الذي يُطلب الفرز والتوثيق. إنما على أقل تقدير ليتمكن المُشتغل الحقيقي في الحقل الثقافي على تحصين ذاته من الإنهاك والاستنزاف جراء الأجواء الثقافية الغير مُنتجة, بل الأسوأ حين تكون أجواء مُعطلة تستهلك القوى دون أي تأثير في تحرير الركود الثقافي, أو أي تأثير في حالة حراك إيجابية نتيجة طوق المتطفلين.
إذا كانت الثقافة في أبسط تعريفاتها هي مجموع عناصر الحياة وأشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات، وفق المعنى الاصطلاحي عند علماء الاجتماع، فإن المعنى المقصود في هذه المعالجة ليست تلك العناصر الفضفاضة في التعبير عن الحالة الثقافية المعنية هنا، قدر ما هي تلك العناصر التي ينتظم فيها نشاط مثقف، وهي في هذا المعنى تتألف من عنصرين أساسيين أولهما: معرفة صحيحة يكتسبها المرء بالجهد العقلي، تتحقق من خلال اطلاع متوازن على الأفكار الأساسية التي تقوم عليها العلوم والآداب والفنون، أو من علم متخصص متعمق في وجه من وجوه الثقافة، وثانيتهما: هي تلك القوى العقلية الداخلية والروحية التي بها يكتسب المرء المعرفة ويجعلها قسماً من نفسه وشخصيته. ذلك أن هذا الاكتشاف لا يأتي عفوياً دون بذل أو معاناة، بل بجهد نفسي يتطلب صفات عقلية وروحية لا تتم تلك الصفة الثقافية بدونها. وهذا يقودنا إلى تعريف أكثر تحديداً للثقافة وهي مجموعة المعارف المكتسبة التي تمكن من ملكة النقد والذوق والحكم. 
فهل يملك ذاك الجيش الجرار من حملة عبئ عضوية تجمع مشوه ومنحرف ثقافياً, ولو الحد الأدنى من تلك العناصر, أم أن تضافر عاملي: تسييرهم وفق مزاج من وشمهم بوشم تَجمُعهِ من جهة, ومن جهة أخرى تصديقه لكذبته، جعلته دُمية يمتطيها اللاهثون وراء قيم المادة. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…