حاوره: عمر كوجري
قال عبدالسلام برواري الباحث السياسي والعضو القيادي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في حوار خاص مع صحيفتنا«كوردستان» ینبغي لنا، سیاسیین ومثقفین واکادیمیین، أن نکون واقعیین، ولا نکرر ما فعلە العرب عندما أضاعوا مائة عام جریاً وراء حلم توحید الأمة العربیة، وتوصّلوا في النهایة بأن ذلك کان علی حساب رفاهیة شعوبهم، کما أن الواقع الجیو-سیاسي لکوردستان الکبری یجعل الأمر أکثر تعقیدا. یضاف إلى ذلك کانت إحدی الأسباب الرئیسیة التي وقفت بالضد من محاولات التوصل إلى إجماع کوردستاني هي التعالي ومحاولة فرض النفس علی الآخرین من قبل هذە الجهة او تلك، وهي کلها عوامل لا زالت قائمة. یتبقی لدینا سبیل واحد فقط وهو الاتفاق علی المبادئ والنقاط الجوهریة ومساعدة البعض وعدم الدخول في تحالفات علی حساب أطراف أخرى.
ورأى برواري أن الاستفتاء کان حقاً طبیعیاً وممارسة سلمیة عصریة لحریة التعبیر عن الرأي، التي یؤکد الدستور العراقي في المادة (٣٨) علی ضرورة ضمان ممارستها بکل الأساليب. من ناحیة أخری لم تکن هنالك أية بوادر لاستعداد بغداد التخلي عن سیاستها المعادیة للإقليم، من قطع المیزانیة، وخرق الدستور، ورفض مساعدة الإقليم في إيواء ما یقارب ملیوني نازح معظمهم من عرب العراق والمسیحیین والمکونات الأخری الفارین من سیاسات بغداد، وكان الهجوم على كوردستان مُبيّتاً سواء حصل الاستفتاء أم لا، ولكنه اُستخدم كذريعة للهجوم، وحصل ما حصل.
حول هذه المواضيع الهامة والتي تهمُّ قارئ صحيفتنا «كوردستان» في الكثير من تفاصيلها شعبنا في جنوبي كوردستان، كان هذا الحوار مع السيد برواري.
*منذ إعلان الاستفتاء وحتى الآن لا يمر يوم إلا وتكون ضيفا على القنوات العربية والكردية، مع فريق من المثقفين والإعلاميين الكرد، إلى أي مدى تشعر أنكم استطعتم خلق تفاعل إيجابي بخصوص الاستفتاء في الميديا العالمية؟
بحکم تخصصي الأکادیمي في علم الاجتماع السیاسي، لم أکن، منذ البدایة، مؤمنا بإمکانیة خلق تفاعل ایجابي في الرأي العام العربي أو وسائل الإعلام العربیة بمجرد الظهور الإعلامي، وذلك یعود الی العقلیة السائدة والتعصب القومي والطائفي الذي یقود التفکیر غیر العقلاني في الشرق الأوسط قاطبة.
ولکن الذي یدفع أمثالي إلی الاستمرار في استغلال هذا المجال الضیق الذي توفرە القنوات الفضائیة العربیة هو لتحقیق هدفین، لا بد من وضعهما نصب أعيننا، وهما: العمل علی تعدیل الصورة المشوهة حول الکورد والقضایا المتعلقة بالکورد، والمترسخة في الذهنیة العربیة من خلال دحض المعلومات الخاطئة، اولا، ومحاولة نقل الحقیقة والموقف الکوردي الی الرأي العام العربي قدر الامکان، ثانیا.
*كيف كانت قراءتك للاستفتاء؟ وهل توقعتَ أن يتّحد كلُّ العالم ضد الكرد مع أنهم مارسوا حقا طبيعيا لهم.
الاستفتاء کان حقاً طبیعیاً وممارسة سلمیة عصریة لحریة التعبیر عن الرأي، التي یؤکد الدستور العراقي في المادة (٣٨) علی ضرورة ضمان ممارستها بکل الأساليب. من ناحیة أخری لم تکن هنالك أية بوادر لاستعداد بغداد التخلي عن سیاستها المعادیة للإقليم، من قطع المیزانیة، وخرق الدستور، ورفض مساعدة الإقليم في إيواء ما یقارب ملیوني نازح معظمهم من عرب العراق والمسیحیین والمکونات الأخری الفارین من سیاسات بغداد.، لذلك لم یکن أمام القیادة السیاسیة في الإقليم إلا التوجُّە المباشر إلی الشعب لیقول للعالم رأیە.
وكان الهجوم على كوردستان مُبيّتاً ومخططاً له من قبل حكومة بغداد، سواء حصل الاستفتاء أم لا، ولكنه اُستخدم كذريعة للهجوم، وحصل ما حصل.
الموقف الدولي کان مخالفاً لکل المبادئ والشعارات التي ترفعها الدول الغربیة کما کان للموقف الأمریکي أثرە المباشر والمشجع لبغداد وطهران وانقرە علی اتخاذ مواقف معادیة ومتشددة.
ویعود ذلك الی قراءة خاطئة للامریکان للوضع من خلال اعتقادهم بأن دعم حکومة قویة في بغداد کفیل بالحد من النفوذ الإيراني في العراق، حتی إذا کان هذا الدعم علی حساب الکورد.
*في موضوعة كركوك، كيف يمكن قراءة الحدث بعد أكثر من شهرين من النكسة؟
ما حدث في 16 أکتوبر هو تکرار لمآسي الکورد منذ مئات الأعوام وهو انعکاس للثقافة السائدة في المجتمع الکوردي من حیث تغلیب الانتماءات والمصالح الثانویة والجزئیة علی المصلحة العامة، وعدم الاعتراف بالآخر والعمل علی عرقلة جهود الآخرین، بدل التنافس علی الإتيان بالأحسن والأفضل. کما أن الطبیعة الخاصة للسلیمانیة وتربیة أجيال فیها علی النظر إلى باقي کوردستان بنظرة متعالیة واستخفاف، عامل مساعد علی ظهور سیاسیین وتیارات یمکنها من تمریر خیانات وتنازلات قومیة.
*يلاحظ بعض المراقبين أن حكومة إقليم كوردستان كلما حاولت أن تمارس لغة الحوار والمنطق زادت حكومة بغداد تعنتا ومحاولة لطلب التنازلات المرفوضة من لدن الإقليم؟
هذا یعود الی نظرة السیاسیین العراقیین الی مجمل العملیة السیاسیة من الإيمان بالحکم الفردي وعدم القبول بالفیدرالیة وعدم تغلیب المنطق تضاف الی ذلك التعقیدات الداخلیة والخارجیة کالتنافس الانتخابي وتطلعات إيران.
*كيف يمكن التأسيس على حالة كردية تفضي إلى عدم تكرار مأساة كردية كنكسة كركوك؟
لیت الأمر کان بهذە السهولة. ما حدث هو تعبیر عن واقع ثقافي متأصل في الکورد ومثل هذە الأمور لا یتم التغلب علیها باجتماع او قرار بل يحدث ذلك بالتغيير التدريجي في العلاقات الاجتماعیة وضعف او زوال العلاقات المبنیة علی قیم ومعاییر العشیرة ومجتمع ما قبل الدولة وما قبل المجتمع الصناعي کلها مجتمعة، هو وحدە الکفیل باختفاء هذە الظاهرة، وهو أمر لیس بهذە السهولة.
*في مداخلة تلفزيونية قبل عامين عقدت مقارنة بين المالكي والعبادي، وتحدثت عن لغة جديدة للعبادي لصالح الكرد، كيف رأيت تصريحاته أثناء الاستفتاء وإلى الآن؟
یومها کان العبادي فعلا یتکلم بلغة جدیدة وکانت أجواء المفاوضات التي تلت تولیە منصبە، ولکن الذي حدث هو أنە، ککل القادة الشرق أوسطيين، تملکە الغرور بعد تحریر الموصل، وکان هنالك عاملان ساهما في ذلك: القراءة الخاطئة من قبل الامریکان، الذین اعتقدوا أن دعم العبادي سیحد من النفوذ الإيراني في العراق، کذلک شعور المالکي بأن نجاحات العبادي هي دلیل فشلە هو، نتیجة لذلك وجد العبادي أن التصلب في التعامل مع الإقليم سیحمیە من اتهامە بالتخاذل ومن ثم سحب الثقة منە في مجلس النواب.
*هل ترى أن المظاهرات التي حدثت في السليمانية وغيرها سارت في غير ما رسم لها كمطالب مشروعة للناس؟
بالعکس، بل إنها سارت وفق السیاق الذي تم رسمە لها، وهو محاولة خلق حالة فوضی وفلتان في الإقليم تمهیدا لتدخل عسکري مباشر من بغداد تحت طائلة حفظ الأمن.
*كيف يمكن نجاح اللغة الدبلوماسية “كردياً” مقابل لغة التهديد والوعيد” عراقيا”؟
بالاستمرار علی هذە السیاسة واستغلال الانفتاح الحالي من قبل الدول الاوروپیة، خاصة فرنسا وألمانیا وبریطانیا، کذلك تمادي إيران في التدخل في العراق مما سیجبر کل من الولایات المتحدة الامریکیة وترکیا أيضاً علی تغییر موقفهما.
*ما السبيل لتجاوز العقبات الداخلية التي استفاد منها من كانوا وراء التآمر الطارئ” أو” مخطط النكسة؟
کما أشرت في إجابة أخرى، هنالك عوامل وأسباب تعود الی ثقافة المجتمع، ولکن إذا خطت حکومة الإقليم خطوات جدیة علی طریق محاربة الفساد وإصلاح النظام المالي والاقتصادي وتحجیم شعور عدم المساواة المترسخ في أذهان الجماهیر، خطوات کهذە ستزید من التفاف الجماهیر حول حکومة الإقليم ویقلل من فرص تکرار ما حدث.
*مشروع كوردستان إلى أين برأيك؟
ینبغي لنا، سیاسیین ومثقفین واکادیمیین، ان نکون واقعیین، ولا نکرر ما فعلە العرب عندما أضاعوا مائة عام جریا وراء حلم توحید الأمة العربیة وتوصلوا في النهایة بأن ذلك کان علی حساب رفاهیة شعوبهم، کما إن الواقع الجیو-سیاسي لکوردستان الکبری یجعل الأمر اکثر تعقیدا. یضاف إلى ذلك کانت إحدی الأسباب الرئیسیة التي وقفت بالضد من محاولات التوصل إلى إجماع کوردستاني هي التعالي ومحاولة فرض النفس علی الآخرین من قبل هذە الجهة او تلك، وهي کلها عوامل لا زالت قائمة. یتبقی لدینا سبیل واحد فقط وهو الاتفاق علی المبادئ والنقاط الجوهریة ومساعدة البعض وعدم الدخول في تحالفات علی حساب أطراف أخرى.
*ما مصير ملف الاستفتاء الإنجاز كمنجز ووثيقة تاريخيين؟
الاستفتاء مکسب تاریخي وسیظل نقطة مضیئة في تاریخ الکورد والأجيال المقبلة علی الطریق المؤدي حتما الی الاستقلال.
*قال العبادي قبل أيام أن تنظيم داعش انتهى كليا في العراق، إلى أي مدى يمكن الاقرار بصحة هذا الكلام؟
كما تعلمون أنه وبعد تصریح العبادي بیوم واحد فقط لاغير شنت عناصر من تنظيم داعش الإرهابي هجمات في أکثر من موقع مما یدحض ادّعاء العبادي. کما ان هنالك مناطق جنوب وغرب کرکوك یسطر علیها داعش.
*تقول حكومة إقليم كوردستان إن تأمين رواتب موظفي كوردستان سيكون من أولوياتها في العام 2018 كيف يمكن ذلك؟
جعل الشيء من الأولويات یعني سیتم إعطاء اهتمام بالموضوع اکثر من غیرە والسعي الی تحقیقە، ولیس وعداً.
*هل توجد مراكز أبحاث كوردية متخصصة على مستوى إقليم كوردستان سواء أكانت حكومية أم أهلية لشرح وتحليل الموضوع الكردي للآخرين؟
نعم، هناك في الإقليم اکثر من مرکز للدراسات حیث أن لکل حزب رئیسي مرکز تابع لە، وربما تعلم أنه یتم تمویلە من قبلە. کذلك هناك عدد من مراکز الدراسات علی صورة منظمات غیر حکومیة.
وفي الآونة الأخيرة تم تشکیل مرکز للدراسات في رئاسة مجلس وزراء الإقليم. معظم هذە المراکز یعمل فیها أساتذة جامعیون واکادیمیون شباب.
*هل يمكن الإقرار بأن أوروبا بدأت تنفتح على كوردستان بعد الاستفتاء من خلال الدعوات الموجهة لرئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني؟
نعم، لأنها أدرکت قبل غیرها ان موقفها السلبي من الاستفتاء قد شجع حکومة بغداد علی ما أقدمت علیە، فعملياً قويت شوكة العبادي الذي لن يكون صديقاً للغرب بسبب تشابك علاقاته وتبعية حكومة بغداد بشكل عام لطهران.
*على مستوى كوردستان سوريا، كيف السبيل للاستفادة من المنجز الإيجابي أو سواه في جنوبي كوردستان، وهل تتوقع أن يحصل على مكاسب في المنظور القريب؟
للأسف الشدید لا أتوقع خیرا طالما کان المسیطرون بالقوة علی الحالة هناك متمسکين بموقفهم الرافض للتعددیة الحزبیة، وطرح حزبهم کحزب قائد تکون کل المجموعات الأخری خاضعة لە، کما ان ما یقال حول علاقتهم بإیران والنظام السوري عامل آخر لعدم التفاؤل.
*حين يتمسك حزب شمولي استبدادي يمارس القمع بحق “مخالفي رأيه” في كوردستان سوريا بمفاصل الحكم، هل يمكن التعويل على تفاهم كردي-كردي هناك؟ وكيف؟
بغیاب ضغط وتدخل خارجي، أو حدوث ما یجبره علی تغییر نهجە، أرى أن ذلك صعب المنال.
عبدالسلام به رواري- بروفايل
عبدالسلام مصطفى صديق
تاریخ ومحل الولادة: 15 / 10 / 1950، ئامێدی، دهوک.
اللغات: الكوردية، العربية، الالمانية، الانجليزية والفارسية.
– ماجستیر في علم الاجتماع – جامعة صلاح الدين، أربيل.
– بكالوريوس في الرياضيات کلیة العلوم– جامعة بغداد.
الترجمة من اللغتين الانجليزية والالمانية الى اللغة العربية (كتابان منشوران: أحفاد صلاح الدین، د. گونتر دشنر، ١٩٩٦ و إعادة هیکلة المٶسسات، مایکل هامر، ٢٠٠٠) والعديد من المقالات والدراسات في المجالات السياسية والاكاديمية.
-مؤسس ورئيس مجلس ادارة منظمة (مركز دراسات الديمقراطية وحقوق الانسانDHRC-))
المسیرة السیاسیة
-عضو برلمان إقليم كوردستان–رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية 2009-2013
-مسؤول المكتب المركزي للدراسات والإعداد الحزبي 2007-2009
-مسؤول الملف السياسي في مكتب الرئيس البارزاني2003 – 2007
-مدیر مؤسسة برايتي-خەبات الصحفية2001- 2003
-مسؤول المكتب المركزي للإعلام1997- 2000
-الانضمام الی صفوف الحزب الدیمقراطي الکوردستانی١٩٦٨
صحيفة «كوردستان» العدد 576