لماذا التهرّب من حقيقة القضية؟


  جان كورد
          منذ القضاء على ثورة ديرسم في عام 1937، واستراتيجية التحرير الوطني الكوردستاني تحولّت إلى استراتيجيات على قياس الأجزاء المختلفة لكوردستان، وترسّخت هذه الاستراتيجيات على أثر انهيار جمهورية (كوردستان) التي كانت عاصمتها مهاباد (1946-19479) والتي قدّم الرئيس العالم القاضي محمد عنقه في سبيلها، ولم يعد أحدٌ من زعماء وأحزاب الكورد يطالب باستقلال كوردستان، حيث بدا الهدف خيالاً وفي أجمل الصور والتسميات “حلماً”، حتى إن سياسيين مشهورين كالأستاذ جلال طالباني الراحل ومن تأثّر به، أثناء مرحلة “الحرب الباردة” بين القطبين الشيوعي والامبريالي، كان يقول بأنه “مجرّد حلم”،  على الرغم من أن هدف كل شعوب الأرض هو الحرية والاستقلال، وليس الحكم الذاتي لمنطقة ما أو الفيدرالية لجزءٍ من أرض وطنه، وثمة شعوبٍ لا تتجاوز بضعة مئات الألوف من السكان نالت استقلالها ورضي العالم بذلك دون تردد، والحلم ليس هدفاً على الإطلاق في القاموس السياسي.  
           لقد سقط المعسكر الشيوعي سقطةً لا عودة إليها في المستقبل المنظور، وتطورت القضية القومية الكوردية مع ازدياد ملحوظ في وعي وإدراك  شعبنا، بحيث صارت الطفلة تنصح رئيس جمهورية العراق وتدعوه للسير على الطريق الصحيح  لأمته، إلاّ أن التحزّب الأعمى ومصلحة الحزب وما هو أدنى من مفهوم الحزب لا يزال المسيطر على مسارات القوى القائدة لهذه الأمة، فهناك من يؤمن في القرن الواحد والعشرين بأن الزعيم هو المفكّر الذي لابديل ولا مثيل له وفكره أبدي وأزلي، على الرغم من أن هؤلاء يزعمون رفضهم للأفكار الأزلية كما  لدى الأديان، بل وصل الأمر ببعضهم إلى وضع صحة وحرية ومصير زعيمهم في درجةٍ أعلى من قضية الحرية والاستقلال لأمتهم.  ومنهم من يضع برنامج حزبه في خانةٍ أعلى من رأي شعبه في استفتاء أو مسألةٍ يتم التصويت عليها ديموقراطياً، فالديموقراطية في فهمهم وتفكيرهم يجب أن تخضع لحسابات ومصالح الأحزاب وليس العكس. 
          وعلى الرغم من أن شعبنا قد تجاوز مشقات وتحديات القرن العشرين بصبرٍ وعناد وتضحياتٍ لا مثيلٍ لها، وصار يسمي أجزاء كوردستان، ضحية مؤامرة التقسيم الاستعماري، بأسمائها الصحيحة والمناسبة، فيقول المواطن الكوردي العادي أنا من شرق أو غرب أو شمال أو جنوب كوردستان، فإن زعماء أحزاب كوردية عريقة صارت تعود إلى إطلاق تسميات مهترئة وتخدم اتفاقية سايكس- بيكو المهترئة، فتقول وتكتب: غرب إيران وشمال سوريا وشمال العراق وشرق تركيا، وكأن عجلة التاريخ في كوردستان تدور بعكس اتجاه الحضارة والتقدم والتطور، ومن ذلك تسمية (جيش شمال سوريا)  وليس (جيش غرب كوردستان) والمحاولة القذرة لفصل بعض أنحاء جنوب كوردستان عن الإقليم الذي يعترف بوحدته (دستور العراق) الذي هذا البعض يقدسه ويبني عليه خيانته لقضية الكورد وكوردستان. 
          هذا الوضع الشاذ والمخالف لحقيقة القضية الكوردية سيستمر، طالما لا يتصدى له المثقفون وعقلاء الحقل السياسي في كوردستان، وذلك برفض التسميات غير الصحيحة للقضية القومية، وبعرضها في إطارها الكوردستاني الصحيح وليس بمساعدة القوى المعادية لإدامة تمزيق الخارطة السكانية لهذه الأمة المنكوبة، وبرفض محاولات وعمل بعضهم على تجزئة الجزء الواحد إلى درجة التفريط بإرادة شعبنا، حدمةً لأعداء الكورد كما يجري الآن في جنوب كوردستان مع الأسف، ضاربين عرض الحائط بتضحيات الجماهير العظيمة عبر الزمن. 
          إن توحيد الاستراتيجية الكوردية يقتضي قبل كل شيء معالجة صحيحة وعرض صحيح للقضية الكوردستانية في إطارها العام، فالكورد قبل أن يشكلوا مكوناً في شمال سوريا والعراق –  مثلاً –  هم جزء من الأمة الكوردية التي تزيد عن ال40 مليوناً من البشر،  وكذلك الكورد في شمال وشرق وطنهم،  كما أن عرب العراق وسوريا جزء من الأمة العربية التي لا ننكر حقها في الوحدة، ونأمل من عقلائها أن ينظروا إلى قضيتنا القومية كقضبة أمة وليس كأقليات أو مكونات في البلدان التي تقتسم كوردستان بإرادة استعمارية لا تخفى على أحدٍ منهم. 
          على المثقف الكوردستاني ألا يتوانى عن نقد الخطأ الذي تقع فيه أحزابنا السياسية التي تتحرّك لأسباب متعلّقة بمصالحها الحزبية الضيقة في هذا المجال وتنزلق بشعبنا وقضيته العادلة إلى مزالق خطيرة، فالاستمرار في التحرّك ضمن المفاهيم الخاطئة عن الوجود القومي الكوردي والخارطة الجغرافية الحقيقية لشعبنا هو أكبر خدمةٍ للذين يعملون على إنهاء هذا الوجود والاستمرار في إنكار هذه الخارطة الواضحة كالشمس.
‏28‏ كانون الأول‏، 2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…