معطف أبي .. وسوريا اليوم

عبد خليل
قبل أكثر من ربع قرن .. كنت طالبا في المرحلة الثانوية.. أصابتني حمى الحركات اليسارية .. ذات ليلة عاصفة وباردة كنا مجموعة من الشباب.. مجتمعين.. منكبين على دراسة إحدى كراسات الاشتراكية واليسار.. يقودنا شاب في الثلاثينات .. دخل أبي رحمة الله عليه غرفتي .. كان الليل أوشك أن ينتصف .. دفع الباب بهدوء ودخل وهو يحمل بيده صينية عليها كاسات الشاي وعلبة السكر.. وبالأخرى إبريق الشاي .. فاحت رائحة القرفة مع البخار الذي كان ينسل خفيفاً .. ارتبكنا قليلاً.. جلس على طرف وقال مبتسماً ..تابعوا عملكم .. أحببت فقط أن أسقيكم كاسة شاي .. 
 .. تحمس الشاب الذي كان يقودنا للنقاش معه بعدما لاحظ الود الطافح من عينيه.. واخذ يحدثه عن النظام الاشتراكي والشيوعي وعدالته الاجتماعية ” بغض النظر عن زيفها أو صدقها” .. ثم ختم الشاب حديثه بالقول : عمو في النظام الاشتراكي كل واحد يأخذ حاجته دون أن يتعدى على حصة الأخر.. أبتسم أبي رحمة الله عليه .. وقال له : يعني أفهم من كلامك أن النظام الاشتراكي مثل معطفي المعلق على المسمار في الغرفة المجاورة.. أستغرب الشاب وارتسمت على وجهه إمارات التعجب.. فسر له رحمة الله عليه سر كلامه وقال : معطفي معلق على الجدار .. في نهاية الشهر اضع في جيبه الراتب وكل واحد من أولادي يأخذ كفايته دون أن يعود لي .. أقول لهم خذوا ما تريدون ولكن حافظوا على المعطف .. ارتفعت ضحكاتنا في منتصف ذاك الليل البارد .. 
.. لو كان كل واحد في سوريا يأخذ حاجته من جيب معطف الوطن دون أن يمزقه لكنا الأن بألف خير .. رحمة الله عليك يا أبي .. سأظل طوال حياتي ممتناً لجيب معطفك الأسود.. المعلق على الجدار .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…