الحكومة الاتحادية واقليم كوردستان والصراع الدستوري

عبدالرحيم علي
لا يخفي على احد الحقائق التاريخية حول الانتهاكات والمجازر والممارسات المنافية لحقوق الانسان التي ارتكبتها الحكومات العراقية المتعاقبة بحق الشعب الكوردستاني منذ القرون الماضية وحتى يومنا هذا, حيث الاحداث المتسارعة والساخنة عقب الاستفتاء حول استقلال كوردستان, رغم وقوف الشعب الكوردستاني الى جانب الحكومة العراقية في كثير من المآزق والمحن وخاصة الدور المميز لإقليم كوردستان حول سقوط الطاغي البعثي صدام حسين وبناء العراق الجديد والعمل عل صياغة دستورها الجديد في اطار دولة اتحادية برلمانية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة كاملة.
بعد استحالة العمل مع الحكومة الاتحادية في إطار دولة العراق الموحدة, حيث الاخير حول الدولة الى دولة طائفية مذهبية يرفض الشراكة مع اي كيان سوى من اتبع سبيلهم في الولاء لولي الفقيه. ومن نتائج هذا النظام الرجعي انه تعامل مع عملية الاستفتاء بهجوم مسلح على مدينة كركوك وبعض المناطق الاخرى مستعينا بمليشيات ايرانية وبمباركة تركية ومستغلاً الصمت الدولي وبالاعتماد على ثلة من الخونة في قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني الذين باعوا ضميرهم بسعر زهيد للإرهابي قاسم سليمان في محاولة لقتل امال الامة التي يحلمون بها منذ القرون حيث دفعوا الغالي والنفيس لأجل ذلك.
بررت الحكومة العراقية هجومها على المناطق والمدن الكوردستانية بحجة ان حكومة اقليم كوردستان خرقت الدستور وانها ستعمل على فرض سلطة الدولة الاتحادية على سائر الاقليم تحت سقف الدستور, مسألة العودة للدستور مرحبا بها من قبل حكومة الاقليم ايمانا منهم بان الدستور الذي كانوا الطرف الاساسي في صياغته ضامن لمتطلباتهم مطالبين من الحكومة الاتحادية الجلوس الى طاولة الحوار ومعالجة الأزمة استنادا الى تطبيق جميع مواد الدستور ولكن لم تستجيب الحكومة الاتحادية, رغم ان المبادرة الكوردستانية لاقى ترحاباً دولياً واقليمياً. فلماذا تتهرب الحكومة العراقية من الحوار تحت سقف الدستور؟
لنبدأ من قرار المحكمة العليا الاتحادية حول عدم شرعية الاستفتاء. كيف يفسر هذه المحكمة نص المادة (5) من الدستور: “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية”. وايضا المادة (38): “تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: 
اولاًـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل”.
 اليس الاستفتاء تعبير عن الراي وارادة الشعب وتمت بوسائل سلمية وحضارية, فهي كافية بأن تكون قرارا قطعيا تكسب الشرعية كون مصدرها من الشعب وبالتالي نتائج الاستفتاء تصبح ملزمة على جميع السلطات ومؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية. وهنا لابد من السؤال بانه هل المحكمة العليا الاتحادية محكمة شرعية وتؤدي مهامها حسب الدستور العراقي ؟ 
ان المادة (92) تنص بان “المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا. ويحدد عدد اعضائها وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب”. هذا يعني بانه يجب ان تشكل بعد تشكيل البرلمان المكلف بسن القوانين الخاص بتشكيله ولكن في الواقع ان هذه المحكمة كانت موجودة قبل ذلك وحتى تاريخه لم يتم سن القانون الخاص بعمل المحكمة من قبل البرلمان وهذا ما جعل قرار المحكمة قرارا احادياً مسيساً غير مستقلاً وبالتالي غير شرعي. ناهيك عن عدم قيام المحكمة بمهامها حسب الدستور المنصوص في المادة (93) فهل قامت المحكمة بفصل النزاع بين الحكومة الاتحادية والاقليم حول تطبيق المادة (140) والتي كانت من المقرر ان ينتهي العمل بها في مدة اقصاه 31/12/2007م. وطالما من مهامها الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة. فهل قانون تشكيل ميليشات الحشد الشعبي كان شرعيا؟ اليس منافيا للبند –ب- من المادة(9) من الدستور والتي تنص: “يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة”. وان البند –أ- من المادة نفسها تقر بانه “لا يجوز ان تكون القوات المسلحة العراقية اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة”. فأين كانت هذه المحكمة اثناء هجوم القوات المسلحة العراقية وميليشياتها على مدينة كركوك وبقية المناطق الكوردستانية في 16 اكتوبر 2017حيث ارتكبوا افظع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب في تلك المناطق ناهيك ان هذه الميليشيات فرض سطوته على القرار السياسي وجميع سلطات البلد وعلى مرأة ومسمع المحكمة الموقرة الصامتة المستسلمة لسلطة ايران واعوانه في العراق الذين ينتهجون العنصرية والارهاب والتكفير والتطهير العرقي /المادة (7).
وهل بإمكان المحكمة العليا الاتحادية ان تصدر قرار بعد شرعية خفض ميزانية الاقليم من 17% الى 12% او قطع الرواتب واستحقاقات الاقليم الاقتصادية والمالية والعسكرية خلال سنوات الماضية؟ وهل بإمكانها ان تصدر قرار بإلزام الحكومة المركزية بتعويض الاقليم عن كل ما حصل؟ لا اشك انها لا تحتاج الى جواب لأن الحقائق واضحة كعين الشمس.
اما عن السلطة التشريعية لم يتم تنفيذ المادة (65) والتي تقر بإنشاء (مجلس الاتحاد) الذي يضم ممثلين عن الاقليم والمحافظات. وكان من المفروض ان يتم سن قوانين الخاصة بآلية تنظيم هذا المجلس وشروط عضويته واختصاصاته من قبل البرلمان وبموافقة ثلي اعضائه. وهذا المجلس يفترض ان يكون مختص بمتابعة جميع شؤون الاقليم والمحافظات, وصون وحماية حقوقهم ومستحقاتهم. وايضا المادة (106) التي تقرر انشاء الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية المكلف بضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الاموال لحكومة الاقليم والتحقق من عدالتها.
اما عن اعضاء مجلس النواب والقسم الذي يؤدونه امام المجلس قبل ان يباشروا بعملهم كما جاء في المادة (50) من الدستور, هل هؤلاء الاعضاء يؤدون مهماتهم ومسؤولياتهم القانونية بتفانٍ واخلاص ويحافظون على استقلال العراق وسيادته، ويراعون مصالح شعبه ويسهرون على سلامة ارضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي ويعملون على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء ويلتزمون بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد. لسنا على ذلك من الشاهدين!!!.
دولة مثل العراق تجاوز كل خطوط الحمر في الدستور. ولا يلجأ اليه الا لحماية سطوته على الشعب والدولة والعمل على افساد ما بقي هل بإمكانه ان يجلس على طاولة الحوار تحت سقف الدستور؟ فلم يبقى امامهم الا منفذا واحدا وهو المطالبة بتغيير الدستور وصياغة دستور جديد يعود بالعراق الى دولة فاشية دكتاتورية. ولأنهم يجهلون الدستور الحالي لا يعلمون بان البند الرابع من المادة (126) تنص: “لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام”. وباعتقادي كان الاكراد كانوا يدركون العقلية الشوفينية المبنية على اقصاء الاخر المتبيتة في ذهنية وثقافة اغلبية المسؤولين العراقيين فثبتوا هذه المادة في الدستور ليقطع الطريق امامهم.
وربما يتساءل الغير لماذا حكومة الاقليم يصر على الحوار ويطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الاتحادية بقبول ذلك؟ هل ذلك نتيجة الضعف؟ ولماذا الحكومة الاتحادية تتهرب من ذلك؟ هل لأنه مازال يستلذ بنشوة الانتصار العسكري الذي حققه على الاقليم ابان الاستفتاء؟ علما ان هذا الانتصار يعتبر وصمة عار على جبينها لأنه تم بأيدي خارجية وان الحكومة العراقية كانت مجرد اداة مسيرة لا مخيرة. وكون العملية هو خرق لسيادة الدولة العراقية وهيبتها. 
اذاً يدل ذلك على القوى الدبلوماسية لحكومة اقليم كوردستان واستحكامها بزمام الدستور والقانون والعمل على افضاح الحكومة الاتحادية على خرق الدستور وتجاوزها لحقوق الانسان حسب المواثيق الدولية. وايضا كشف ولائها للأنظمة الخارجية وخاصة إيران وما ينجم عنها من الاخطاء في سياساتها الداخلية والاقليمية والدولية. ودليل على نجاح قيادة الاقليم في سياسته هو ادراج اسم بعض فصائل الحشد الشعبي في قائمة الارهاب, وزيادة الضغط الدولي على الحكومة الاتحادية, وبتصوري سيصل الى حد الادانة قريبا اذا ما قبل بالحوار. وبالمقابل استمرار وزيادة الدعم الدولي لحكومة اقليم كوردستان والبيشمركة ولمبادرات الكوردستانية ومواقفها.
 واخيراً: جاء في المادة الاولى من الدستور: “هذا الدستور ضامن لوحدة العراق”. كما جاء في مقدمة الدستور وهي جزء اساسي لا يتجزأ من الدستور: “إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً”.  وبالتالي اذا لم يتم الالتزام به؟ فلا يحق لمن خرق الدستور ان يتباكى على وحدة العراق انما انتهاكهم للدستور وممارساتهم اللا قانونية دفع بإقليم كوردستان الى اجراء عملية الاستفتاء على استقلال كوردستان. وهذا ما اراده قيادة الاقليم من عملية الاستفتاء لكشف الغطاء عن الحكومة الاتحادية, وهذا ما يعمل عليه الان لإثبات للعالم انه لا يمكن شراكة مع نظام ينافي كل الدساتير والقوانين والاعراف, وينتهك الانسانية والمبادئ الديمقراطية.
في 22/11/2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…