شماتة العرب بالكرد

صبري رسول
ما آلم الكرديَّ التشمتُ من العيار الثقيل الذي أظهره كثيرٌ من الإخوة العرب ضد الكُرد، منهم عامة الناس، ومثقفون، لدرجة فاحت من كلامهم ومواقفهم أحقادٌ دفينة متراكمة في قاع التّاريخ، وكأنّ الدمارَ الذي لحق بالوطن العربي وتمزيقه كان سببه الكُرد. والهجرة الكبيرة من ليبيا ومصر وسوريا والعراق إلى الغرب سببه الكرد، والدمار الذي لحق بعشرات المدن من غرب ليبيا إلى شرق العراق كان سببه الكُرد، حتى عدم سقوط الأمطار في الصحراء الكبرى والربع الخالي سببه الكرد.
حتى كثير من الكتاب والمثقفين أظهروا الغلّ الخافي المسكون في نفوسهم، وكتبوا نصوصاً تتقزّز منها النفس. لم أتوقّع ان تكون صورة الكرد في مخيالهم منبوذة هكذا أبداً، إلى درجة اقتنعتُ تماماً أنّ التعايش مستحيل معهم، ويجب أن تتفتّت كل الدّول، لتُقام دول قومية ولو صغيرة، ثم بعد عقود قد تتفق الأجيال فيما بينها وتتفاهم على إقامة اتحادات تتناسب مع ظروفهم الجديدة، وقبل الآن لم أكن أدعو لهكذا طرح أبداً.
نعرف أن قادة العراق «الطائفيين» يتاجرون بقضايا العراق القومية والدينية والاقتصادية، مثلهم مثل قادة العرب وقضيتهم «المركزية» فلسطين منذ الاستقلال وحتى الآن، لكن أن ينجرّ كاتبٌ أو مثقف يدعو إلى تكاتف الشعوب إلى هذا المستوى، فهذا مؤسفٌ جداً. دائماً نقول أن الحكومات لاتمثّل شعوبها، لأنّها تمارس سياسات وفق مصالحها، أم الشعوب فلها رأي آخر، ومَن يمثّل الشعوب هم الكتاب والمثقفون والمتطوعون للدفاع حقوق الإنسان، وهؤلاء تحاربهم حكوماتهم؛ لكن، المحن تكشف القناع عن وجوهاً قبيحة، وتزيل الغشاوة عن أعين الضّحية. فغالبية الكتاب والمثقفين هرعوا للتهليل بالانتصارات العظيمة و«فتح الفتوح» التي أنجزها الحكومة الفاسدة الطائفية في بغداد على كرد «شمالهم الحبيب» وألغوا تسمية كردستان في الإعلام فوراً، وهذا دليل فاضح على صعوبة التعايش مع هذه العقلية إن لم يكن مستحيلاً.
ما قدمه الكرد من تضحيات للعرب في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان يكفي لأن يهرع العرب للوقوف مع قضيتهم النبيلة وحقوقهم الإنسانية، لا أن يدمّروا أسقف بيوتهم على رؤوس أطفالهم، ويدبّج كتابهم نصوصاً بليغة في الشماتة بهم.
ولولا البيشمركة وكسرهم أسطورة داعش لما بسطت الحكومة سيطرتها على الموصل، ويشهد على ذلك كل دول العالم التي أدارت ظهرها للكرد في محنتهم.
الشماتة سمة بذيئة، لا يُظهرها إلا من لديه حقد دفين، وتخلف عقلي، وقصور في القراءة السياسية للأحداث. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في قلب الأناضول، حيث تلتقي رياح التاريخ بنسمات الحداثة، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مفترق طرق مصيري. ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العاصفة، لكنها قد تكون الأخيرة التي يمتلك فيها زمام المبادرة قبل أن تتحول العاصفة إلى إعصار يكتسح ما تبقى من مشروعه السياسي، بل ويهدد استقرار تركيا ككل، ويمتد تأثيره إلى…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف الضباط الكورد المنشقين عن نظام الأسد البائد ومرافقهم المدني، من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أثناء توجههم إلى إقليم كوردستان عبر الحدود السورية – العراقية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ لحظة اختطافهم إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي من المرتقب عقد مؤتمر بُغية توحيد الموقف السياسي الكوردي، نجدد دعوتنا للمؤتمر…

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…